تفاصيل ما جرى في طوكيو بين الوفد المغربي والمتسللين الانفصاليين ومسؤولية الجزائر في المهزلة

المغرب تقدم بنقطة نظام في وقتها لدى رئاسة الجلسة، والمغاربة ينتظرون موقفا يتجاوز دعم «جهود المغرب الجادة وذات المصداقية»..

التسلل تم في غياب أي اتفاق مع المفوضية الإفريقية أو الدولة المضيفة، وانفصالي جلس في الزاوية الميتة مثل أي متسلل غير مرغوب فيه.

بدأ كل شيء في أكرا بغينيا: في يوم الخميس 18 يوليوز 2024 في اجتماع الدورة 45 للمجلس التنفيذي التابع للاتحاد الإفريقي، للنظر في الشراكات التي تربط القارة الإفريقية مع التنظيمات الدولية أو مع الدول المتفردة كما يقال.
يومها خرجت الجزائر من اللقاء بصفعة مدوية، عندما تم رفض «ترافعها» الديماغوجي باسم الاستقلال القاري، الذي تقدم به وزير خارجيتها أحمد عطاف، كما أن وزير خارجية الخصم الشرقي، كشف وقتها عن خلفيات ما سيحدث بعيدا في طوكيو، في الأيام القليلة الماضية.
فقد تدخل عطاف في النقاش الذي دار في هيئة الاتحاد الإفريقي حول سياق الشراكات الإفريقية، وأعرب «عن أسفه أمام حالة الانسداد التي يواجهها مشروع السياسة والإطار الاستراتيجي، وهو المشروع الذي من شأنه، بحسب الوزير، أن ينظّم الشراكات التي أقامها الاتحاد الإفريقي مع مختلف الفاعلين الدوليين من دول متفردة وتجمّعات إقليمية»!
انتقد بلغة لا ديبلوماسية وغير لبقة آليات تسيير الاتحاد الإفريقي، التي كان يتبجح قبل عودة المغرب بأنها طوع يده هو وحليفته جنوب إفريقيا، لاسيما بخصوص الشراكة التي تربط الاتحاد الإفريقي بمختلف الفاعلين الدوليين!
ولم يفته أن يذكر، بالتحديد، الاجتماع الذي احتضنته اليابان موضوع الأحداث في نهاية الأسبوع الذي نودعه، وكان موضوع المهزلة الديبلوماسية حيث تحدث حرفيا عن « منع مشاركة عضو مؤسس في مؤتمر طوكيو الدولي بشأن التنمية الإفريقية – تيكاد».
ومنذ ذلك الحين اشتغل كتاب السيناريو الجزائريون على إخراج ما وقع في بلاد «التيكاد».
وقد انتهى اللقاء في أكرا، كما هو معلوم، بعدم الحسم في تمثيلية مؤتمر «التيكاد»، وكان أن تم تفويض النظر في الأمر لتقديم مقترح للمكتب التنفيذي للاتحاد إلى كل من رئيس مفوضية الاتحاد السيد موسى محمد فقي، ورئيس دولة موريتانيا، باعتبارها تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الإفريقي منذ فبراير الماضي.
تقول مصادر ديبلوماسية متقاطعة إن الطرفين، معا، لم يقدما أي حسم في الموضوع، وبالتالي بقيت المسألة معلقة، وهو أمر ليس في مصلحة الطرف الدخيل على القارة ومؤسساتها الوحدوية.
وكما كان مقررا، انعقد «التيكاد» في التاريخ المحدد له، يومي السبت والأحد 24 و25 غشت الجاري، بعد قرابة شهر من تاريخ اجتماع «أكرا.»

النظام والانتظام في الاجتماع…

حضرت الوفود المدعوة، جميعها، وأخذت مواقعها كما هو متوافق عليه. 54 دولة مدعوة، جلس ممثلوها خلف لافتات دولهم، كما توافق عليها المنظمون بين المفوضية الإفريقية ودولة اليابان، التي أطلقت هاته «التيكاد» منذ 1993.
علمنا من مصادر متطابقة أن ممثل المغرب، وسفيره في الاتحاد الإفريقي السيد محمد العروشي، قام بجولة تفقدية قبل انطلاق اللقاء، كما تحدث مع اليابانيين والمسؤولين في المفوضية، وتلقى التطمينات بأن الأمور تسير كما تم الاتفاق عليه..لم تكن في لائحة الحضور أية إشارة إلى «العضو المؤسس» الذي تحدث عنه وزير خارجية الجزائر ، وكل المدعوين من شمال إفريقيا هم الدول المعترف بها.
تأكد المغرب من أن اليابان لم تستدع أي وفد باسم جمهورية الوهم، كما تأكد لديه من لدن المفوضية الإفريقية بأنها لم توجه أية دعوة إلى الانفصاليين. «كل شيء تمام» إذن…
على بركة الله: انطلق الاجتماع ولم يكن المتسلل قد خرج من قمقم الجزائر بعد، ولم يكن يعلم كذلك بأن المغاربة متربصون تربص حراس الحدود بممثلي الخشبة الجزائرية.
تم تسجيل اللحظة بتفاصيلها: بعد هنيهة خرج من الوفد الجزائري، ذئب منفرد، يحمل حقيبة وضعها بالقرب من قدمه، في حين وقفت السفيرة الزيمبابوية المدعوة صوفيا، مثل جدار بشري يغطي على تحرك الانفصالي، فخرج الميت من الحي، إذا شئنا، واستل المتسلل يافطة مكتوب عليها اسم دولته، بخط آخر غير خط اليافطات الأخرى، وبأحرف مغايرة وبلون مغاير باهت، وقد شاءت سخرية الإخراج أن يجد نفسه، بين دولتين، يبدأ اسماهما بحرف الزاي «Z»، في حين أن اسم الدولة الوهمية يبدأ بحرف السين» S»، انقلب ترتيب الحروف كما انقلب ترتيب البروتوكول.
وإمعانا في التلصص، والهروب من أنظار الرئاسة، اتخذ المتسلل له مكانا في الزاوية، من الطاولة، ما يسمى عادة بالزاوية الميتة، كما قال ديبلوماسي مغربي متمرس»لا يوجد أي وفد، في أي نشاط كيفما كان نوعه، يرضى بأن يحشر في زاوية ميتة، اللهم إلا إذا كان يعرف بأنه غير مرغوب فيه».
قام السفير المغربي الحاضر بنقطة نظام، لوضع النقط على الحروف، وتسجيل الموقف لدى رئاسة الاجتماع اليابانية.
تبين بأن المتسلل جاء ضمن حقيبة الجزائر الديبلوماسية، وأنه لا المفوضين الأفارقة ولا المنظمين المحتضنين اليابانيين وجهوا الدعوة إلى ممثل دولة الوهم، ولا هو يحمل «بادج» الاجتماع كما هو متعارف عليه تنظيميا في العالم، بل إقحام بالتحايل بعد أن فشلت كل المناورات في أكرا، وهكذا تبين بأن المتسلل جاء ضمن الوفد الجزائري، وقد حمل جواز سفر جزائريا وفي أمتعة الجزائر!
أمام العبثية سارع الشاب المغربي إلى نزع اليافطة، فكان التدخل العنيف للحارس الشخصي، «الفيدور»، للسفير الجزائري في المشهد الذي تابعناه جميعا في الفيديو.ومن ذلك التفاصيل التي نعرفها، ومنها أن المتسلل لم تكن لديه أية وثيقة، لا دعوة ولا «بادج» ولا يافطة ولا ملف صحفي يدل على أن الأفارقة أو اليابانيين قاموا باستدعائه، وفي آخر تسلل له لأخذ صورة له إلى جانب الوفود، ظهر أنه الوحيد الذي لا يضع الشارة «pins بينز»المسلم إلى كل الوفود الحاضرة!

استثناء
في كل شيء

طبعا، لم يكن الاستثناء الوحيد في «التيكاد « هو هذا الإقحام أو التسلل الجزائري المنظم، والمثير للسخرية، بل يبدو الأسلوب الذي ألفته الآلة الخارجية الجزائرية التي لا تراعي حدودا في وقاحتها.
و»التيكاد»، هو الوحيد في الشراكات التي تجمع القارة الإفريقية مع الدول القوية في العالم، الذي تصر الجزائر فيه على المسرحيات الهزلية لحضور دميتها، هناك قمم مع روسيا، التي يفترض أنها حليف تقليدي للجزائر ولكنها لا تستدعي إلا الدولة العضو في الأمم المتحدة، وتحترم إرادة المغرب، هناك الصين وكوريا الجنوبية والهند وتركيا وبريطانيا العظمى والولايات المتحدة، والسعودية من بين القوى العربية المحترمة…
وكل هاته الدول لا تستدعي الموظفين الأشباح في ديبلوماسية الجزائر، ولم تنجح دولة الخصوم الشرقية في فرضهم من خلال تغيير قوانين الاتحاد الإفريقي..

عود على بدء

ليس هناك، بالفعل، دولة في العالم تعمد إلى مسرحية بمثل هاته الفجاجة في محفل ديبلوماسي، كانت الأولوية فيه للتنمية ومصير التعاون الدولي والاستفادة من الشراكات لبناء غد أفضل.
لكن ما تم يدفعنا إلى طرح الأهم في القضية، وهو على مستويين:
-الأول مرتبط بأصل الأشياء، وهو هنا اللجوء إلى النصب والابتزاز في فرض حضور الدمى الانفصالية، فقد كانت تلك هي الطريقة الأصلية في دخولهم إلى الاتحاد الإفريقي، تحت عاملي الكرسي الفارغ من طرف المغرب وقتها، وأساسا بفعل المال والإغراء الجزائريين، بحيث تم قبولها «دولة» عضو في منتدى إقليمي قاري، لا يعترف بها المنتظم الدولي.
الثاني يتمثل في كون العضو هذا «دولة» أعلنت عن ميلاد نفسها من نفسها، ونصبت نفسها، حتى قبل تقرير المصير الذي تتبجح به دولة الجزائر ومن يسير في ركابها، وهو ، أخيرا وليس آخرا، تحايل واضح يجب أن يعاد فيه النظر، لأن ما حدث في اليابان وما قد حدث في منظمات دولية، كما هو الحال مع الاتحاد الأوروبي، هو فرع من أصل مرفوض!
وهنا لابد من إثارة نقطتين اثنتين :
– الأولى حول ما يجب أن يقوم به الأفارقة للدفاع عن مصداقية وجدية وتمثيلية اتحادهم وقوته الأخلاقية أمام العبث الجزائري.
فقد كان على الجزائر، التي حضرت في شخص أحمد عطاف، أن تحترم الاتفاق الإفريقي ـ الإفريقي في أكرا بغانا، حول طبيعة الحضور في اليابان، واحترام الأفارقة الذين لم يسلموا بحضور صنيعته.
ولا بد من العمل على تفعيل الترسانات القانونية والتنظيمية التي تؤطر العمل داخل آليات الاتحاد الإفريقي بما يجب من ردع.
النقطة الثانية، تهم اليابان، ولا يمكن أن تكون عرضة لمزاج العسكر ومن والاهم، كما في تونس قيس سعيد في القمة السابقة، وسيكون من المنطقي أن تحصن ترابها من ألاعيب الدول المارقة، واليوم تسلل متسلل انفصالي وغدا يمكن أن يتكرر المشهد مع متسلل إرهابي، حيث يتم استعمال الجوازات الجزائرية في مهام كلها نصب واعتداء واستهتار بكرامة اليابان وسيادتها.
ولعل الأهم هو أن تقوم اليابان بالخطوة اللازمة، ليس فقط في الصرامة والحسم، كما تفعل دول أخرى ،آسيوية مثلها كما روسيا والصين، التي ستحتضن القمة المقبلة، بل أيضا على مستوى حسم دعمها للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، وهي الخطوة التي يتوقعها المغاربة وأيضا كل الدول التي تدعم دينامية الحل المغربي والاستقرار وصناعة المستقبل المشترك.. وتتجاوز موقف «دعم جدية ومصداقية المجهودات المغربية»، الذي تجاوزته الدينامية الدولية!


الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

  

بتاريخ : 27/08/2024