تفاصيل مثيرة حول تورط أركان الدولة الجزائرية في مأساتي «دير تيبحيرين» في الجزائر وفندق «أطلس آسني» في مراكش

كشفت جريدة «لوفيغارو» الفرنسية، على لسان ما أدلى به عميل سابق في المخابرات الجزائرية، عن تفاصيل جديدة في ما يخص قضية اغتيال رهبان تيبحيرين السبعة في الجزائر قبل 25 سنة من الآن، والتي وبحسب العميل الجزائري السابق، كانت حلقة في سلسلة طويلة من العمليات السرية، والتي تعزز أطروحة الخيوط الخفية المتحكم بها عن بعد، أثناء فترة الحرب الأهلية بالجزائر، علاوة على ما أفضت إليه نتائج عمليات تشريح الجثث السبع، مؤكدة بأن للقضية الشائكة أبعادا تتجاوز عملية إرهابية لجماعة إرهابية مسلحة، في ظل كل التناقضات بين الرواية الرسمية والمعلومات المستقاة من قبل الصحفيين و «لو فيغارو».
وما بين التطلعات وخيبات الأمل، لا تزال أسر الضحايا السبعة تسعى وراء الحقيقة، محاولة بكل قوتها إسقاط شيء من نور الحقيقة على هذه القضية، متنقلة في رحلتها من شهادة تلو الأخرى، تؤكد كل منها بأن للقضية أبعادا تتجاوز الهجوم الإرهابي الإسلامي من قبل ال»جيا» او «GIA»، بحسب ما ذكره المدعو كريم مولاي، الذي أكد عمله كعميل سابق في المخابرات الجزائرية ما بين 1987 إلى 2001، حيث استندت مهمته إلى التسلل بين المنظمات الشبابية الجزائرية وفي الجامعات، قبل أن توكل إليه مهمة إدارة المهام اللوجيستية للمخابرات الجزائرية، غير أنه توجه سنة 2001 إلى المملكة المتحدة، هناك تقدم بطلب للحصول على اللجوء السياسي، كيف لا وهو آخر العملاء السابقين الذي يدلي بشهادته للعلن.
للتذكير، فهذه ليست الشهادة الأولى لكريم مولاي، فقد سبقتها شهادة له خلال حوار معه منشور على موقع جريدة «ليبيراسيون» أو «Libération» بتاريخ 2/9/2010، والذي تحدث فيه عن بداياته وتكوينه ليصبح عميلا بالمخابرات الجزائرية منذ سنة 1987، حيث مارس ما تعلمه من تقنيات علاوة على دراسته كطالب جامعي في جامعة هواري بومدين للعلوم والتكنولوجيا (USTHB)، شاهدا على العديد من الاغتيالات وعمليات الاختطاف التي شهدتها الجامعة لشخصيات ك»صلاح جبايلي» في 1994، والوزير السابق للتعليم العالي والبحث العلمي جيلالي اليابس من قبل المخابرات الجزائرية، وصحفية تدعى حياة لرفضها التعاون مع المخابرات الجزائرية، والأستاذ الجامعي حماد حنبلي وغيرهم كثير من بينهم رهبان تيبحيرين السبعة.
بالعودة لقضية الرهبان السبعة بتيبحيرين، فمن الواضح أن فرنسا لن تترك حبلا يوصلها للحقيقة دون أن تتشبث به، هذا بالرغم مما ذكره كريم مولاي مسبقا لجريدة «ليبيراسيون»، عند سؤاله عن رايه في ما يخص هذه المأساة الحقيقية حيث قال (سنة 2010): «لا يمكنني إطلاعكم على معلومات ليست بحوزتي، ولا الإدلاء برأيي أو بأية معلومات لا أمتلكها، كما لا يمكنني خاصة توفير أية تفاصيل ستتهم جهة دون أخرى أو طرفا دون آخر. ومع ذلك، لا يسعني إلا أن أشير إلى أن مقتل الرهبان السبعة قد تصادف مع تعيين الضابط عبد القادر (عباس) –المشرف على تكوين كريم مولاي في المخابرات الجزائرية- على رأس منطقة المدية – البليدة حيث تتموقع «تيبحيرين»، و لا يسعنا سوى انتظار حدث مدوي عند تواجد عباس في مكان ما، وربما كان الاختيار الخاطئ (كريم يبتسم)، غير أن الفرضيات المطروحة قد تكون صحيحة، مع علمنا بأن الجماعة الإسلامية المسلحة (جيا)، كانت مخترقة بشكل شبه كلي من قبل المخابرات الجزائرية».
بعد 11 سنة من حوار كريم مولاي لجريدة «ليبيراسيون»، ها هو يعود مرة أخرى بتصريحات مستفيضة نشرتها جريدة «لوفيغارو» بتاريخ 9/4/2021، يؤكد فيها العميل السابق للمخابرات الجزائرية كريم مولاي، بأن قضية اغتيال الرهبان السبعة قد تكون حلقة في عملية اختطافهم من ديرهم ليلة 26 إلى 27 مارس 1996، والتي أدت إلى قضية هزت الرأي العام الجزائري والفرنسي والدولي لبشاعتها، مستبعدا من خلال تصريحه الجديد فرضية العمل الإرهابي، وأن للمخابرات الجزائرية يدا ما في عملية الاغتيال. وبحسب كريم مولاي، فإن تقدمه بطلب اللجوء السياسي إلى المملكة المتحدة، قد نبع من مخاوفه من تهديدات قد تلقاها من لدن زملاء عمل سابقين، تحديدا بعد حواره المنشور من قبل جريدة «ليبيراسيون» سنة 2010، وما ذكره عن أن للمخابرات الجزائرية يدا في العملية الإرهابية ضد فندق «أطلس آسني» في مراكش سنة 1994، حيث أعتدي عليه للمرة الأولى سنة 2014.
وقد عاد اسم كريم مولاي للعلن، بعد المذكرة المنشورة للاستخبارات الفرنسية بتاريخ 17/01/2021، تزعم فيها أن كريم مولاي كان ولايزال موضوع تهديدات بالقتل، في رسالة موجهة عبر البريد الإلكتروني سنة 2015، إلى القاضي الفرنسي المختص بمكافحة الإرهاب «مارك تريدسيتش»، الذي تولى في تلك الفترة التحقيق في قضية دير تيبحيرين، إذ تؤكد لوفيغارو ب»أن رسالة العميل الجزائري السابق، كانت مصحوبة بلقطات مصورة للعمارة حيث مقر سكناه، علاوة على أدلة تبرز تعرضه ل»مضايقات إلكترونية» و «اتصالات هاتفية تهديدية»، تشدد عليه تغيير روايته حول تورط المخابرات الجزائرية في مقتل رهبان تيبحيرين السبعة، وتوجيه الاتهامات إلى الجماعة الإسلامية المسلحة المعروفة باسم «جيا». غير أنه رفض الاستسلام لهذه التهديدات، متمسكا بما أدلى به من شهادات بتاريخ 22/5/2012، كما هي لمفتشين في الشرطة الاسكتلندية، كشاهد في الهيئة القضائية الدولية، ومسجلة في محضر تم عرضه على الصحيفة الفرنسية.

الرواية الحقيقية للأحداث،كما جاءت على لسان كريم مولاي

وتتابع الجريدة الفرنسية، بأن كريم مولاي قد أكد خلال حواره، بأن منطقة المدية – البليدة حيث تتموقع تيبحيرين، كان يستحضر فيها سنة 1996 حضور «دائرة الموت» الغامضة، بيد أن الجماعات الإسلامية الحقيقية كانت تعيش صراعا حقيقيا مع قوات عسكرية مزيفة أنشأتها المخابرات الجزائرية، بغية السيطرة على والتلاعب بالرأي، إذ أكد الإعلام الفرنسي في مناسبات عدة بأن الرهبان السبعة لدير «سيسترسيان»، قد عقدوا اتفاقا سنة 1993 لتقديم المساعدة الطبية للإسلاميين مقابل ضمان سلامتهم. من جهة أخرى، طالبت المخابرات الجزائرية الرهبان بمغادرة الجزائر لكن دون أي «تواصل رسمي» في ما بينهم، لكن الأمور أخذت منحى معاكسا، مع أوامر المخابرات الجزائرية بالاستعداد لتنفيذ عملية «اختطاف وهمية» تشمل سفراء دول أوروبية وعربية وصولا إلى الملحق العسكري للسفارة الفرنسية انطلاقا من خريف سنة 1995، إلا أن المشروع قد ألغي من قبل مسؤول في إدارة تقييم المخاطر، لرغبة الجزائر في ربح شيء من المصداقية الدولية وضمان الدعم الفرنسي في مواجهة الإرهابيين الإسلاميين، بحسب نفس المصدر.
في 24 من مارس 1996، أفيد بأن «اجتماعا مهما» قد تم عقده في البليدة، بحضور أعضاء في المخابرات الجزائرية من بينهم عبد القادر تيغا، من أجل التحضير لعملية اختطاف الرهبان بدير «سيسترسيان»، وتم توكيل مهمة قيادة عملية الاختطاف القذرة لل»أمير» الزيتوني، كيف لا و هو دمية سهل التلاعب بها بيد قادة المخابرات، ولتسير العملية القذرة على نحو يسمح لكل من المخابرات الجزائرية (دائرة الاستعلام والأمن) والمديرية العامة للأمن الخارجي، بالتفاوض والضغط الشديدين على السلطات الفرنسية، بحسب ما جاء في الوثيقة المرتبطة بنسخة كريم مولاي من الأحداث. وكان من المفترض (بحسب الخطة الموضوعة)، أن يبقي الزيتوني الرهبان على قيد الحياة، وأن يكون فقط كوسيط بين الطرفين ليمكن الجيش من شن عملية تحرير مزيفة. لكن وبحسب الوثيقة، فقد تولى أحد أفراد الكوماندوس الأول (الفرقة الأولى)، المؤلف من الأجهزة الجزائرية والإسلاميين التائبين، التوجه بالرهبان معصوبي الأعين إلى «المركز الإقليمي للبحث والتحري CTRI» في ثكنات البليدة.
غير أن الأمر لم يدم طويلا، قبل إيكال مهمة مراقبة الرهبان إلى الفرقة الثانية للكوماندوس، المتألفة من أعضاء من الجماعة الإسلامية المسلحة (جيا) التابعة للزيتوني، قبل أن يتم نقلهم إلى جهة أخرى (الغابة). اتخذت الأحداث سيناريو مختلف وواقعي جدا هذه المرة، وذلك مع محاولة مجموعة من الجهاديين الحقيقيين، بقيادة شخص يدعى «أبو مصعب» وضع أيديهم على المجموعة المختطفة، وليضطر الجهاديون المزيفون «للتحرك ذهابا وإيابا» لضمان سلامة الرهبان بين ثكنة البليدة والغابة، وفي حالة الذعر هذه، أفادت التقارير بأن عملية عسكرية (كمسرحية تمثيلية)، قد نظمت بمشاركة طائرات الهيليكوبتر والمظليين للبحث عن الرهبان، غير أن ما عثروا عليه مجرد رؤوسهم في 30 من ماي 1996.
إن هذه الاطروحة (بحسب الجريدة)، قد طعنت فيها وفي مصداقيتها السلطات الجزائرية، غير أن عائلات الضحايا والرأي العام الفرنسي، مازالوا يتشبثون بها ويؤكدون صحتها.
يقول المحامي باتريك بودوين، محامي عائلات الضحايا والذي يحقق في القضية منذ 25 سنة : «يبدو بأن الشاهد (كريم مولاي)، قد تغلغل بشكل ما خلال فترة عمله في قلب النظام، كما الحال في قلب تصريحاته وتعليقاته، والتي لا يمكن الاستخفاف بها لما تنطوي عليه من مخاطر جمة، ولأن جلها يتداخل بشكل أو بآخر مع إفادات أخرى أدلى بها ضباط جزائريون سابقون»، و هو ما أكده مسؤولون أمنيون آخرون ك»محمد سامراوي»، الذي قال بأن الجماعات الإسلامية كانت تستخدم بالفعل من قبل الأمن العسكري. علاوة على ما سبق من شهادات وأدلة علمية تم جمعها، تولى المحققون مهمة استنطاق أكثر من 20 شاهدا لم يستمع إليهم من قبل، من بينهم إسلاميون من المنتمين السابقين إلى ال»جيا»، ومجموعة من «السجانين المزعومين»، الذين يذكر أنهم قاموا باختطاف ونقل السجناء إلى ما يعرف ب»الدار الحمراء» في مكان يدعى ب»تل السر» في منطقة المديا، مؤكدا بأنه لن يتخلى عن سعيه إلى الحقيقة حتى آخر أنفاسه.

عملية فندق «أطلس آسني» الإرهابية في مراكش، لنضرب فرنسا بعد المغرب

ذكر موقع «يا بلادي» الإلكتروني، في مقال نشره بتاريخ 24/08/2016، بأن الهجوم الإرهابي على فندق «اطلس آسني» بمراكش، قد مثل بدوره منعطفا جديدا في التوتر المغربي – الجزائري، وعكس شيئا من الصراع الجزائري الداخلي في سنوات التسعينيات، والذي شمل للمرة الأولى دولا خارج هذه الدائرة (فرنسا)، صراع داخلي أودى بحياة ما بين 60 ألفا إلى 150 ألف شخص خلال فترة «العشرية السوداء»، وليلقي الضوء عليه وبشهادته العميل الجزائري السابق كريم مولاي.
شهد تاريخ 24/08/1994، حدثا إرهابيا دوليا خطيرا في المغرب، المستهدف وللمرة الأولى في تاريخه بعملية إرهابية، كان ضحاياها سائحان إسبانيان كانا متموقعين في إحدى ردهات الفندق، ويكون خلف هذا الإجرام شباب مغاربيون وهم «ستيفان آيت ايدير»، «رضوان حمادي» و»طارق فلاح»، بإشراف (لم يكن حاضرا في مكان الهجمة الإرهابية) من «عبد الله زياد» المحكوم عليه بثماني سنوات سجنا بعدها، غير أنه لم يتوقف عن دعوته بعد خروجه من السجن بل وتابعها حتى في مساجد فرنسا بشكل راديكالي.
بالعودة إلى كريم مولاي، فقد ذكر خلال حواره بجريدة «ليبيراسيون»، بأنه وقبل العملية الإرهابية قد زار المغرب، إضافة إلى مدن عدة فيه كفاس ووجدة تحت هويته الحقيقية، وأن ما كان بحوزته من معلومات لم يكن يتعدى كون الزيارة لا تمثل إلى تدريبا روتينيا معتادا، ومنه كان على علم بأن ولي العهد آنذاك الملك محمد السادس قد زار مدينة آزرو لممارسة رياضة التزلج على الجليد، مؤكدا بأن الاستخبارات المغربية كانت على علم بالموضوع، كما أن الهدف من تلك الزيارات كان لاختبار قدراته ومهاراته، وكيف سيتعامل مع الوضع في بلد على علاقة متأزمة مع الجزائر، مؤكدا لقاءه بأشخاص قد ساعدوه في رحلته بكل من مراكش والراشيدية.
وتابع كريم مولاي، بأن «الغرض من الهجوم الإرهابي (الذي أكد عدم معرفته به)، أولا ضرب الاقتصاد المغربي والإضرار به (قطاع السياحة)، وثانيا ، تعطيل الوضع الأمني بالمغرب، وإطلاق العنان للشبكات الإسلامية المسلحة كما الحال في الجزائر»، مشيرا إلى أن «عناصر من الجيش الإسلامي (المشتغلة مع المخابرات الجزائرية) قد شاركت في العملية أيضا، من خلال استقطاب منفذي الهجمات وتدريبهم، إذ يعود السبب في نظر المسؤولين في جهاز المخابرات الجزائري، إلى استخفاف الحسن الثاني ومقارنة الجهاز بمختبر يسمح بمعرفة مدى تمكن الإسلاميين من تسيير البلاد، ومن الواضح أن قرار العملية الإرهابية، لم يأت من قبل ضابط صغير وإنما من لدن تدرج هرمي يعتلي قمته قادة مهمون في جهاز الاستخبارات الجزائري، وهو ما تيقنت منه بعد عودتي إلى الجزائر وبحثي في الموضوع، وخلال تواجدي بساحة «جامع الفناء» المراكشية في الساعة 10 صباحا، حيث وصل صدى الانفجار».
ولذلك تساءل الكثيرون، عن الهدف من العملية الإرهابية على فندق «أطلس آسني»، وهل كانت رسالة إلى المسؤولين المغاربة تحثهم فيها الجبهة الإسلامية، عن النأي بأنفسهم عن مؤيديها؟ رسالة سبقت ترحيل الحسن الثاني للقائد العسكري للجماعة الإسلامية المسلحة «عبد الحق العيايدة»، من مدينة وجدة التي كان يصول ويجول بها، إلى الجزائر، عبر تسليمه إلى السلطات الجزائرية، حركة تنم عن رغبة مغربية قديمة ومتجذرة في مد يد الصداقة والتعاون إلى الجارة الجزائر، حركة لم يتم تقديرها بالشكل الملائم ولم تعطها السلطات الجزائرية قيمتها الحقيقية.
بعد أحداث الفندق المراكشي بسنة واحدة، توجه الصراع الجزائري لتوسيع دائرة ضجيجه ليشمل المجال الدولي، ولترسى سفينته هذه المرة في فرنسا، حيث أقدمت نفس الجماعة المخترقة وبقوة من قبل الاستخبارات الجزائرية، على القيام بعمليات إرهابية واغتيال الإمام «عبد الباقي الصحراوي» في 11/07/1995 في فرنسا، في سلسلة سوداء من العمليات الإرهابية وبعد شهرين فقط من تولي الرئيس الراحل جاك شيراك لزمام الأمور، في مشهد لا يمكن أن يوصف بالصدفة المحضة.


الكاتب : ترجمة : المهدي المقدمي

  

بتاريخ : 16/04/2021