تقرير «الرأسمال غير المادي» وثيقة رسمية تفسر أسباب الحراك الاجتماعي بالمغرب التقرير يوصي بإرساء نموذج تنموي يقطع مع تحقيق الثروة على حساب رفاه و عيش المواطنين

شكلت بؤر التوتر الاجتماعي الذي اشتعل، ولايزال، في مناطق مختلفة من المغرب بسبب سوء توزيع الثروة مجاليا، ترجمة صريحة لما خلص إليه التقرير الذي أنجزه بنك المغرب والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول «الرأسمال غير المادي».
واتضح من التقرير الذي تم تقديمه أول أمس بمجلس المستشارين أن ما يجري اليوم في المغرب من حراك اجتماعي في عدد من المناطق التي عانت لعقود من مظاهر التهميش بدءا باحتجاجات الريف وأحداث واعتقالات أولاد الشيخ، ومرورا بأزمة العطش بزاكورة، وفاجعة  الصويرة، وانتهاء بأحداث جرادة الأخيرة ..كل ذلك يدعم على أرض الواقع ما خلص إليه التقرير الذي اعتبر أن ثمار الثروة الإجمالية التي تضاعفت في المغرب ما بين سنتي 1999 و2013، والتي انتقلت من 5.904 إلى 12.833 مليار درهم، لم تكن متاحة للجميع، على الرغم من أنها ساهمت إلى حد ما في تقليص نسبة الفقر، خلال هذه الفترة، منْ 15,3 في المائة إلى 4,2 في المائة، ومن نسبة الأمية من 48 في المائة إلى 32 في المائة، كما مكّنت منْ التعميم شبه الكلّي للتعليم الابتدائي، والتقليص من العجز في مجال السكن إلى حوالي النصف، والرّبط شبه الكلّي للساكنة القروية بالماء الشروب والكهرباء، وفكّ العزلة عن أكثر من ثلاثة ملايين نسمة في الوسط القرويّ. غير أنّه رغم هذا التقدم المحرَز، لاتزال هناك العديد من التحديات التي يتعين رفعها، ولا سيما ما يتعلق بالبطالة في صفوف الشباب، والفوارق الاجتماعية والجهوية، والثقة.
وتتجلى أهمية التقرير الذي قدم بمجلس المستشارين في كونه يرم ملامح النموذج التنموي الذي ينبغي للمغرب أن يسلكه لمعالجة مظاهر الاختلال التي تطبع مجالات خلق وتوزيع الثروة في البلاد ، لذلك يتحدث التقرير عن «الصعود المجتمعي» وليس عن «الصعود الاقتصادي» فحسب ويضعه كهدف أسمى للسياسات المستقبلية للمغرب. على اعتبار أن «الصعود المجتمعي» سيمكن بلادنا من تحقيق تنمية متواصلة ومستدامة ومدمِجة، ذات وقع أفضل على رفاه المواطنين، وتسريع وتيرة التنمية، وضمان توزيع منصف لثمار النمّو.
ولبلوغ هذا الهدف أي «الصعود المجتمعي « يوصي التقرير باعتماد 7 رافعات أساسية من شأنها تركيز الجهود على الرأسمال غير المادي الذي يشكل خزانا هاما لخلق الثروات والفرص، والعمل على دعاماته الأساسية الثلاث: الرأسمال البشري الذي ينبغي تقوية قدراته وتعزيز قيمه، والرأسمال المؤسساتي من خلال السياسات العموميّة التي ينبغي أن تكونَ أكثر نجاعة، والرأسمال الاجتماعي الذي يجب تعزيزه بضمان فعْلية الحقوق لجميع المواطنين، وتعزيز التماسك الاجتماعي. ومن شأن تطوير هذا الرأسمال غير المادي أن يشجع على تسريع وتيرة التحول الهيكلي لاقتصادنا في إطار نموذج وطني للتنمية المستدامة، ويمكّن من تعزيز إشعاع بلادنا.
فالبنسبة للرأسمال البشري الذي اعتبره التقرير أهمّ مكوّن من مكوّنات الرأسمال غير المادي للمغرب. فإن تطوره يعمل على تحسين الولوج إلى الشغل بكيفية ملموسة، والرفع من الإنتاجية، وإدماج اقتصاد المعرفة، إضافة إلى وقعه على خلق الثروات. وتتجلى أهمّيّة الرأسمال البشري في أنّه يكفي زيادة متوسّط عدد سنوات التعليم بسنتيْن للفرد البالغ لكيْ تزداد الثروة الإجمالية للبلد بأكثر من النصف.
كما يتطلب تعزيز الرأسمال المؤسساتي نجاعة المؤسّسات وتجانس السياسات العمومية على المستوى الوطني والمجالي، الأمر الذي من شأنه المساعدة على توطيد استقرار بلادنا وتحسين جاذبيتها وتشجيع الاستثمار وتعزيز الثقة.
وفي هذا السياق يدعو التقرير إلى ضرورة إرساء تعاقد اجتماعي جديد يهدف إلى تعزيز المواطنة من خلال ضمان نجاعة الحقوق والحدّ من الفوارق الاجتماعية والجهوية بين الوسط القروي والوسط الحضري، وتقوية التماسك الاجتماعي. ومن شأن هذه العمليات تعزيز الاستقرار، ودعم الطلب الداخلي، والمحافظة على السلم الاجتماعي.
ويدعو التقرير أيضا إلى تعزيز أرضية القيم المشتركة وجعل الثقافة رافعة للتنمية  وتعزيز قيم مشروعنا المجتمعي المشترك القائم على التسامح والعيش المشترك والحوار والتقاسم وإشاعة القيم الفردية الإيجابية الداعمة للتنمية. كما يتعلق بحماية وتعزيز الرّصيد الثقافي، المادي وغير المادي لبلادنا، وتحرير المواهب والطاقات وتطوير القدرات الإبداعية
ومن أجل تلبية حاجيات الساكنة في مجال خلق فرص شغل ذات جودة وبأعداد كافية، أوصى التقرير بضرورة الانخراط بكيفية دائمة في مسار الصعود المستدام والمدمِج. لذلك من الضروريّ تحقيق تحول هيكلي للاقتصاد الوطني من خلال تسريع عملية تنويع الإنتاج وتطوير اقتصاد المعرفة وتكثيف النسيج الاقتصادي المنتج.
ومن ملامح النموذج التنموي الجديد الذي يرسمه التقرير، كونه يدعو إلى القطع مع تحقيق نمو الثروة على حساب رفاه وإطار عيش المواطنين والأجيال القادمة من خلال تدبير غير مستدام للرأسمال الطبيعي وعدم احترام البيئة. وبالتالي، يتعين إدراج النموذج التنموي المغربي في إطار دينامية مستدامة. لهذه الغاية، يقترح التقرير إدماج طموحات المغرب والتزاماته المتعلقة بالحدّ من آثار التغير المناخي في السياسات العمومية، واعتماد مقاربة جديدة لحكامة الموارد الطبيعية تحترم البيئة والنظم الإيكولوجية للجهات.
وأخر الدعامات التي يدعو التقرير لإرسائها هي جعل المغرب قطبا للاستقرار والشراكة التضامنية حيث إن المنجزات التي حققها المغرب على مستوى الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكذا على مستوى التعاون، فضلا عن عمقه التاريخي والحضاري المتجذر، قد ساهمت بشكل كبير في تعزيز إشعاعه الإقليمي والدولي. وبغية تقوية دور المغرب كقطب للاستقرار والشراكة التضامنية، من الضروريّ – يقول التقرير – تعزيز موقعه الاستراتيجيّ ومكانته كقطب إقليميّ للاندماج، وكذا تطوير قوته الناعمة.


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 13/01/2018