كشفت منظمة مراسلون بلا حدود، في تقريرها السنوي بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، عن صورة قاتمة لواقع الإعلام في المغرب، رغم التقدم الظاهري في الترتيب العالمي.
فقد انتقل المغرب إلى المرتبة 129 من أصل 180 دولة، محققا صعودا بـ15 درجة، غير أن هذا التقدم لم يخف ما وصفه التقرير بالتحكم الممنهج في المشهد الإعلامي، وخاصة من طرف رئيس الحكومة عزيز أخنوش، الذي بات اسمه يرتبط مباشرة بتركيز النفوذ الإعلامي وتوجيهه.
التقرير يرسم ملامح مشهد إعلامي هش، يتسم بغياب التعددية الفعلية وتحول الصحافة إلى أداة ترويج بدل أن تكون سلطة مضادة.
ووفق المعطيات الواردة، فإن رئيس الحكومة استغل مكانته الاقتصادية والسياسية لمراكمة النفوذ داخل المنظومة الإعلامية، عبر مضاعفة الضغوط والمتابعات القضائية ضد الصحفيين المستقلين، وسحب الإعلانات، وحرمان المؤسسات غير المنخرطة في خط الولاء من الدعم العمومي.
لكن المقلق في الأمر، هو بروز أشكال جديدة من التحكم، أبرزها التوظيف المكثف للإعلانات التجارية و»المؤثرين الرقميين» لتلميع صورة الحكومة ورئيسها، عبر نشر محتوى موجه يطغى عليه التهليل والتمويه، على حساب النقاش الحقيقي المرتبط بقضايا القدرة الشرائية للمواطنين، وتدهور الطبقة المتوسطة، والتغطية على قضايا الفساد والريع.
وتزداد خطورة هذا المسار حين يصبح جزء من آلة التحكم تلك ممولا من المال العام، كما حصل حين كشفت إحدى الوزيرات، خلال لقاء حزبي، عن تخصيص دعم يفوق مليار سنتيم لأحد المقربين، في ما اعتبر نموذجا صارخا لتحويل الدعم إلى امتيازات حزبية وشخصية،دون أن نسمع أي صدى لذلك في الإعلام الموجه، سواء كان ورقيا أو إلكترونيا وفي صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التي يديرها ممن تم توظيفهم لخدمة هذا التوجه.
في مقابل هذه الممارسات، تقصى المؤسسات التي اختارت أن تبقى وفيه لخطها التحريري، ويتم خنق أي صوت مهني لايساير هذا الإيقاع، ويتم الترويج لمصطلحات تسخر من معاناة الناس وتعيد إنتاج خطاب الريع، كما في حالة مصطلح «لفراقشية» الذي تحول من نكتة إلى عنوان لمرحلة فساد ناعم.
منظمة مراسلون بلا حدود دعت إلى مراجعة شاملة للإطار القانوني والتنظيمي للإعلام، وفصل المال عن السياسة، ووقف المتابعات الانتقائية ضد الصحفيين،وهي توصيات تعكس الحاجة الماسة إلى فتح أفق جديد لحرية الصحافة في المغرب، يعيد الثقة للمواطن في الكلمة الصادقة، ويبعد الحقل الإعلامي عن هيمنة المصالح الفئوية والسلطوية.
ففي نهاية المطاف، وعلى المعنيين أن يدركوا ذلك، أنه لا ديمقراطية بدون صحافة حرة، ولا إعلام حر في ظل التحكم والتواطؤ والريع المقنن.