«تكريس دونية المرأة في الأمثال الشعبية المغربي»

الأمثال الشعبية عائق إبستمولوجي أمام بناء مجتمع الحداثة

 

نظم فرع المنظمة المغربية لحقوق الإنسان بالقنيطرة يوم 17-05-2024، ندوة حقوقية كانت عبارة عن قراءة في كتاب الأستاذ عمر المنديلي «تكريس دونية المرأة في الأمثال الشعبية المغربية «.
وقد قدمت هذه القراءة كل من الأستاذتين عائشة زكري وأمينة الفشتالي/ نورد هنا قراءة ذ. أمينة الفشتالي ، على أن ننشر قراءة ذ عائشة زكري في عدد لاحق.
يشكل كتاب «تكريس دونية المرأة في الأمثال الشعبية المغربية « للأستاذ عمر المنديلي إضافة قيمة إلى منشوراته السابقة حول مجموعة من القضايا الحقوقية والثقافية والاجتماعية ، فالأستاذ المنديلي عمر حقوقي متمرس، وعضو في المجلس الوطني للمنظمة المغربية لحقوق الانسان وعضو نشيط بمكتب فرع المنظمة بالقنيطرة وعضو لجنة التربية والتكوين .
إن أهمية قراءة هذا الكتاب اليوم تندرج ضمن سياق وطني راهني تشهده بلادنا، والمتمثل في ما تعرفه الساحة الوطنية المغربية من حركة مجتمعية واعية بضرورة تعديل مدونة الأسرة، حيث لا تزال قضايا التمييز ضد المرأة وغياب المساواة بين الجنسين تلقي بظلالها على المدونة .
وضمن هذا السياق يشكل هذا الإنجاز للأستاذ المنديلي نقطة قوة وجرعة وعي للتفكير النقدي من أجل مراجعة وتمحيص الأمثال الشعبية المغربية المجحفة في حق المرأة .
-1- سننطلق أولا من قراءة عنوان الكتاب «تكريس دونية المرأة في الأمثال الشعبية المغربية «فهو يقدم فكرة ملخصة عن الكتاب تتيح للقارئ اللقاء بما يرمي إليه مضمونه . كما تشعرنا هذه الفكرة في ظل ما تعرفه المرأة من تكريس لدونيتها ، بضرورة مواجهة الأمثال الشعبية التي لا تزال تضطهد المرأة داخل واقع مجتمعي يوصف بمجتمع ما بعد الحداثة .
وتعليقا على صورة الغلاف نجد أنها صورة جد هادفة ، تعكس فحوى و مضمون الكتاب إذ نجد المرأة المغربية في ظل واقع حداثي( يعبر عنه اللباس ) لاتزال تعاني من استمرار ما يسميه BORDIEUبالهيمنة الذكوريةla domination masculine والتي تقف حاجزا أمام تحقيق إنسانيتها الكاملة ، إذ تجد نفسها تخوض نضالا من أجل العدالة والمساواة ضمن واقع معطوب مختل باختلال كفتي الميزان في الصورة والتي تخبرنا عن وجود إنسان من الدرجة الأولى، وآخر من الدرجة الثانية داخل هذا الواقع المجتمعي.
أما المفاهيم المعتمدة في العنوان فتلخص موضوع الكتاب وتحمل دلالة سيكولوجية قوية .
-1-مفهوم دونية المرأة: l’inferiorité de la femmeيعرفه استيفن موريتز قائلا ( بأنه ذلك الشعور العميق والمستمر لدى عموم أفراد مجتمع ما بعد كفاية المرأة وانحطاط قدرها ) .
إذن هو مفهوم سوسيولوجي مشترك بين الذكور والإناث .
-2- الأمثال الشعبية :
هي نص لغوي مكثف الدلالة مختصر العبارات، وليد تجربة إنسانية عاشها الناس في زمن محدد عبر واقعة باسم صاحبها وتشكل فرعا من فروع الثقافة الشعبية التي تتناقلها الأجيال .
وإذن الأمثال الشعبية مفاهيم ثقافية ماضوية استجلبناها إلى حاضرنا عبر النقل كما هي ،دون تبصر ودون تغير .
-3- تدل الكلمة النابضة للعلاقة بين المفهومين أي كلمة»تكريس» على مدى تغدية الأمثال الشعبية لدونية المرأة وتكريسها ، كما تحيل هذه الكلمة الناظمة أيضا على حالة الاستيلاب l’aniélationالتي تعيشها المرأة حيث تساهم هي نفسها من خلال استبطان وترديد الأمثال الشعبية المسيئة لها، في تكريس دونيتها بالنسبة للرجل، وتنقلها للأجيال اللاحقة باعتبارها الآلية الرئيسية في التنشئة الاجتماعية la socialisation
-4-تفصح كلمة الكاتب المثبتة في الغلاف الخلفي للكتاب: على أن الرجل في المجتمع المغربي لا يخرج عن الدائرة التي تربى داخلها، إذ يظل يحمل جزءا من تفكيرها .وهذا ما يجعله مصابا بعمى ثقافي منظم نتيجة ما تكلس في فكره وذهنه من صور مسيئة للمرأة استدمجتها عبر عملية التنشئة الاجتماعية .
-5- يعبر استدعاء الكاتب بطريقة ميكانيكية للموروث الثقافي الماضوي الجاهز لأجل حل وفهم وتغيير قضايا راهنية على أنه مصاب ببخل معرفي يكشف عنه تجنب أو غياب استعمال العقل النقدي المنطقي لديه للكشف والإجلاء عن حقيقة أمثال شعبية مكرسة لدونية المرأة .
البخل المعرفي:  le principal défau de l’humanité n’ést pas l’igniorance mais le refus de savoir .S.DE BEAUVOIR
لقد حرص الكاتب بداية على تعريف المثل الشعبي قبل التساؤل عن الصور التي يرسمها للمرأة المغربية هذا المثل حيث توقف على معنى المثل في ذخائر التراث الإنساني، وأشار إلى مدى تأثره في النفوس من خلال وروده في الكتب المنزلة، وكذا تضمين الحكماء والفلاسفة له عبر ومن خلال خلاصة تفكيرهم .
أحالنا الكاتب من خلال تحديده لمعنى المثل وخصائصه وصيغه ووظيفته على مفهوم سوسيولوجي يطلق عليه دوركايم العقل الجمعي CONCIENCE COLLECTIVE ويقصد به مجموع النظم الفكرية التي يجدها الفرد عند الولادة جاهزة فيتلقاها وعلى أساسها يشكل فكره .لكن نتساءل ألا يشكل الإذعان «للعقل الجمعي «ظاهرة الانصياع إلى قراراته بغض النظر عن صوابها أو خطئها ؟ ألن يكون ذلك سوى خضوع لسلوك القطيع ؟ خصوصا وأن ثقافة الأمثال الشعبية هي جزء مشكل للعقل الجمعي . يقول عنها غرامشي في كتابه «قضايا المادية التاريخية «أنها جزء من التاريخ ومن تطوره والذي يخص مرحلة معينة .
وإذن ما هو دور الأمثال الشعبية وبنيتها الفكرية النقلية الماضوية الثابتة هنا و الآن في سياق مجتمع ما بعد الحداثة حيث غيرت الثورة الرقمية وثورة الاتصالات مفاهيمه الثقافية والاجتماعية ؟
ألن نجد أنفسنا أمام حالة فصام أو اشكيزوفرينيا إذا ما حاولنا فهم وتغيير واقع متحول من خلال فكر ثابت ؟
لكن يبدو أن ما يبقي الأمثال الشعبية على قيد الحياة هو ما تملكه من خصائص فنية ولغوية تسهل تناقلها عبر الأجيال ، فالإيجاز والإيقاع الموسيقي الرنان والتعبير عن تجارب معقدة وفق مبدأ الندرة البلاغي أي تجويع اللفظ وإشباع المعنى، وما يفترض فيها من حكمة تجعل من الذهنيات المكرسة لدونية المرأة تعتمدها كردة فعل مناسبة .
هكذا بنى الكاتب حضور صورة المرأة المغربية في الأمثال الشعبية بشكل تبدو من خلالها مخلوقا ناقصا لا يكتمل بذاته إلا في ظل ما تقدمه الأسرة والعلاقات العائلية من ضمانة لها .
كما حددت هذه الأمثال مكانة المرأة في المنزل و في المطبخ بشكل خاص ، بل وصل التطرف بها أحيانا إلى أن يكون مكانها هو القبر إذ يقول المثل «البنت إما رجلها أو قبرها «.
إنه مثل فيه رائحة الوأد الجاهلي .لكن ألا تدخلنا هذه الصور المجحفة في حق المرأة أمام ما عرفه المجتمع المغربي من تعبير وتطور اقتصادي واجتماعي في الزمن ؟
فالزمن يثبت أن المرأة المغربية خرجت تعمل خارج البيت منذ 50سنة ، وحققت من التقدير والاعتراف في الوسط المهني ما جعلها تتولى مناصب ريادية تقود المجتمع، وأصبحنا نتحدث عن المرأة الزميلة في العمل ،والصديقة والرفيقة .
وداخل الأسرة النووية أصبحنا نتحدث عن الزوجة الشريكة وبالتالي يصبح الربط الجدي بين المرأة وبين صفات مسيئة لها مجرد إجحاف وتكريس لدونيتها .فلقد وصفت في الأمثال المرأة بالشيطنة والمكر والخداع والكيدية والسم .. الخ حيث جاء في المثل الشعبي «إذا حلفو فيك رجال بات ناعس وإذا حلفو فيك نسا بات فايق «.
إن هذه الصفات تفترض مراجعة وتبصرا، فقضية الكيدية مثلا مغطاة بالغبار لأنها صفة تخص حتى الرجال .
فإذا كان كيد النساء قد ورد في القرآن على لسان ملك مصر بخصوص زوجة العزيز ، فإن النبي يعقوب هو كذلك حذر يوسف من كيد إخوته إذا ما قص عليهم رؤيته، وفوق كل هذا فهذه أحداث خاصة لا يصح سحبها على كل الأزمنة ، ما جعل الكاتب يطرح سؤالا إشكاليا ( من ضمن تساؤلات أخرى ) مفاده : لماذا لا يزال المجتمع الحالي محافظا على الأمثال الشعبية رغم قدمها ؟
قد تفتحنا قولة سيمون دوبوفوار على إدراك جانب من هذا الإشكال ، حينما تعتبر أن الذكر يسعى إلى الحرية من خلال تسييج حرية المرأة .
إن إسقاط تجارب ماضوية نقلية ثابتة على واقع المرأة هنا و الآن هو سياج يحمي الهيمنة الذكورية وسلطتها وسيادتها من خلال ما تعتبره هذه الهيمنة حجة السواد الأعظم، كي تقول المرأة هكذا يفكر المجتمع أما أنت فلا تفكرين وبدليل المثل «الأولين ما خلاو للخرين ما يقولو «.
إن الأمثال الشعبية هي ما يتحدث نيابة عن المرأة حيث تغيب كينونتها الذاتية وتستدرج شهرزاد إلى السكوت عن الكلام المباح من أجل ترديد أنشودة السمع والطاعة.
ويبدو لنا الأستاذ المنديلي، المدافع والمناصر للقيم الإنسانية ولكرامة المرأة باعتباره أن الهيمنة الذكورية ليست ضرورة اجتماعية وإنما هي مجرد معطى أنتروبولوجي، وذلك بإدراج علاقة التعارض بين المرأة والرجل ضمن إطار انتروبولوجي ، وذلك بإدراج علاقة التعارض بين المرأة والرجل ضمن التعارضات الثقافية المختزنة في اللاوعي الجماعي يشأن علاقة الطبيعة بالثقافة. فلقد أثبتت الدراسات الأنتروبولوجية أن البطريك الذي تبنت المجتمعات القديمة خيار هيمنته كما يكشف ذلك كلود ليفي استروش هو الأب المالك للنساء ولأجسادهن يجعل من المرأة : الكائن / الأرض ، له الحق في استغلالها من حيث خصوبتها وإنتاجيتها .
وختاما نستخلص أنه لا منطق نساير به الواقع هنا والآن سوى منطق الواقع لأن الأمثال الشعبية المكرسة لدونية المرأة ستظل تشكل عائقا إبستمولوجيا ( معرفيا) أمام تطبيق ما لدينا من أفكار تنويرية حداثية على مستوى الواقع، لذلك نتمنى الوصول إلى مدونة أسرة بنفس تحديثي قوي يضمن المساواة بين الجنسين ويلغي الإشكاليات التمييزية للعلاقة بين الرجل والمرأة.

عضو مكتب فرع المنظمة بالقنيطرة


الكاتب : أمينة الفشتالي

  

بتاريخ : 03/07/2024