علاقات المغرب إسبانيا – 3 – بين الرسمي والشعبي

تكريس صورة استعلائية متغطرسة

يستدعي البحث الوافي والمستفيض في مجريات العلاقات بين المغرب واسبانيا ماضيا حاضرا وآفاقا للمستقبل، بأن لا يقتصر الأمر على الشق الرسمي المرتبط بتدبير الملفات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والتجارية والمالية وغيرها، بل علينا أن نولي بالغ الأهمية أيضا للشق الشعبي والنبش في تلك الصورة المتجدرة في المتخيل الشعبي القابعة عند كلا الطرفين المغربي والاسباني، على اعتبار أن الشعوب تظل دوما طرفا فاعلا وأساسيا تتأثر وتؤثر في العلاقات بين الدول.

تلح علي فكرة أليمة، جراء مواقف اسبانية مجحفة متكررة متصاعدة في حق المغرب، وهو يسعى لإعادة العلاقات إلى طبيعتها مع بلدهم. لا أدلها ما حصل مؤخرا، لما عبرت شخصيات سياسية مسؤولة وأصوات من داخل البرلمان/ الكورتيس، ومنابر إعلامية اسبانية عن مواقف غريبة في محاولة للتشويش على خطوات التفاهم المغربي الاسباني، منتقدة الموقف الشجاع والمنصف الذي اتخذته حكومة رئيس الوزراء بيدرو شانسيز، لتصحيح العلاقة مع المغرب وفي مقدمتها ملف الصحراء.
ينزعج المغاربة أيضا عندما يسعى الاسبان لاسيما بعد انضمامهم إلى عضوية الاتحاد الأوروبي الجنوح بعلاقاتهم وأزماتهم مع المغرب إلى البيت الأوروبي بحثا عن الدعم والضغط التضامني. لذلك إذا كان المغرب يميل في السابق إلى عدم الدخول في مشاكل مع اسبانيا، تجنبا لعدم الاصطدام مع الاتحاد الأوربي، خاصة بعد اختياره كشريك متميز عبر الوضع المتقدم، الذي يمنحه امتيازات اقتصادية ومالية، فقد غير من نهجه التكتيكي في تعامله مع اسبانيا والاتحاد الأوربي في أزمته الأخيرة مع مدريد لما رفع سقف التحدي، وهو النهج الدبلوماسي الذي حظي بدعم شعبي واسع.
ليس بالأمر القليل الدلالات حين يسجل المغاربة، تلك الصورة النمطية السلبية، الدونية والعنصرية التي يروجها الإعلام الاسباني الوطني والجهوي عن المغرب، الذي دأب على ترديدها ومند سنوات طوال دون تغيير أو محاولة بذل جهد لفهم ما يجري بالمغرب. فمهما كان الوضع سلبا أو إيجابا، فإما أن المغرب بلد متخلف وبالتالي فهو مصدر للخطر والبؤس والمشاكل، أو في وضع متقدم فيصبح بذلك منافسا وقوة إقليمية وجبت محاصرته وعرقلة وثيرة نموه والدعوة للتحالف مع خصمه الإقليمي.
في هذا السياق، يلاحظ مثلا الانشغال المبالغ فيه للصحافة الاسبانية بقضايا المغرب، حيث يتم نشر مقالات بمعدل 50 مقالا يوميا، 90 %منها مناوئ للمغرب في حملة إعلامية شرسة مسعورة، مليئة بالأكاذيب والآراء والمعلومات المغلوطة والمفبركة بغاية تضليل الرأي العام الاسباني وترسيخ عقدة العداء وتسميم أجواء العلاقات بين البلدين. باعتبار أن هذا الجــار الجنوبـي العنيد، مصدر إزعاج وقلق، مستغلة قضايا: الصحراء، البوليساريو، المخدرات، الهجرة، التهريب، المياه الإقليمية، التنافس الإقليمي.
بينما في المغرب يلاحظ أن الاهتمام الإعلامي بإسبانيا ظرفي، تتصاعد وثيرته زمن الأزمات، كقضايا الصيد البحري، وجزيرة ليلى، والهجرة، وآخرها أزمة الانفصالي ابراهيم غالي. وبمجرد انتهاء مثل هذه الأزمات ينصرف الإعلام المغربي إلى الانشغال بقضايا أخرى، بخلاف الجانب الاسباني الذي لا يكل من التعبئة المناوئة.
ويجب أن لا يغيب عن الأذهان بالمناسبة، تلك الحملة الغريبة المستفزة التي بلغت حد السب والتجريح باستخدام أوصاف دنيئة في حق المغاربة، بمناسبة المباراة التاريخية التي جمعت المنتخب المغربي بنظيره الاسباني في كأس العالم بقطر يوم 06 دجنبر 2022. وقد تضاعف سعارهم وعداءهم حين تمكن الفريق الوطني من هزمهم عن جدارة وليس من قبيل الصدفة كما رددوا. هو نمط راسخ لدى منابر وقوى سياسية وإعلامية ومدنية ولوبيات إسبانية تعودت على تكريس صورة استعلائية متغطرسة بتفوق بلدهم الأبدي على المغرب. هي فعلا «عقدة المورو» .
هناك عامل آخر مؤثر في النفسية المغربية ويتعلق الأمر بهجرة المغاربة إلى الديار الاسبانية للعمل أو الدراسة، وحسب المعهد الوطني الاسباني للإحصاء فإن الجالية المغربية تحتل المرتبة الأولى بحوالي 734.402 شخص/ 2020، من بين مجموع الأجانب المقيمين بإسبانيا البالغ 5.02 مليون شخص.
لكن الهجرة ظلت مشكلة مقلقة في حاجة ماسة إلى إرادة سياسية لكي تصبح ورقة رابحة للتنمية المشتركة، من شأنها أن تساهم في تحسين صورة اسبانيا بالمغرب وتغيير نظرة اسبانيا للمجتمع المغربي، التي ظلت وبشكل معمم، سجينة/ كليشي، مسلط على نوع معين من المهاجرين القرويين الأميين أو من ذوي التعليم المحدود، متغافلة عن شريحة أخرى من المغاربة مستثمرين كفاءات وطلاب. وهي صورة نمطية عن المهاجر المغربي، الذي يشعر بالدونية وبالتهميش دون أي اعتبار إنساني، مما يدفعه إلى الانغلاق والعزلة عن المجتمع، والعيش على الآمال والأحلام المكسورة. ويشكل ملف الهجرة إلى جانب قضايا أخرى، مادة خصبة للإعلام وعدد من الساسة للنيل من سمعة المغرب.
يتضح مما سبق وبالملموس أن هناك تعابير إسبانية نمطية غير ودية مستفزة متجدرة، ينزعج منها المغاربة، تقف حائلا أمام التعايش المشترك التضامني المنفتح المعبر عما يجمع بين المغاربة والإسبان من ثراء إنساني وأواصر ثقافية وحضارية وتراث أندلسي غني، لازال تشهد به معالم غرناطة، قرطبة، اشبيلية، ألميريه، الرباط، فاس، مراكش، طنجة، تطوان …


الكاتب : محمـد بنمبارك دبلوماسي سابق

  

بتاريخ : 25/03/2023