تلفزة طو..طاليس

 

لو أن المشاهد العربي تأمل لحظة، وقرر البحث عن عدد العاهات المزمنة التي تطل أو تفرض نفسها عليه كل مساء عبر شاشة التلفزيون الحكومي سواء من خلال برامج معينة أو وجوه مقدمي بعض البرامج أومن الممثلين وأشباه الممثلين، وما يلعبونه من أدوار و يتقمصونه من شخصيات ،وما يقدمونه على موائد الأخبار، لو أن المشاهد العربي فكر لحظة بتدوين ما يتلفظ به مقدمو بعض البرامج ذات الشهرة، من معلومات من ألفاظ وبذاءات ، وما يعرضونه من منتوجات استوديو آخر ساعة، أو ما يسمى عبثا سلاسل ومسلسلات وسيتكومات انطلاقا من سيناريو أو نص إبداعي، لتأكد له بما لا يدعو مجالا للشك، أن مستقبل ملايين الأطفال في العالم العربي ، لا سيما منهم تلاميذ المدارس.. في كف عفريت. ولاقتنع أكثر من أي وقت مضى أن التلفزيون العربي بماضيه حاضره ومستقبله، سفاح الشعوب ،وقاتل طموحها ،ومفرمل نهضتها بامتياز. بل واحد من أخطر مجرمي العصر على الإطلاق.
قطعا سيصاب المهتم بسيكولوجيا المتابعة والتحليل بمرض عضال، وسيكتشف إلى أي حد هو ضحية لأكبر عملية نصب وارتجال تواصلي مؤدى عنها، إذ في بعض الأعمال ذات المشاهدات القياسية لن يعثر الباحث على جملة واحدة مفيدة ، بل سوف يصادف ركاما من كلام الدرب ، وجمل من قاموس العامية فارغة المحتوى عديم الفائدة ، وعبارات تافهة ومبتذلة من المعيش اليومي خالية من أي حس جمالي، كما ستصادفه عاهات مرضية جسدية وذهنية يتم تسويقها عملا إبداعيا مبهرا، فيما هو مجرد عاهات مستديمة في الكوميديا و وانزياحات درامية مخدومة، لا تجد حرجا في تصدير غبائها وتفاهاتها ،كما لو كانت تؤدي واجبا وطنيا. يحدث هذا في أقطار عربية راكمت نخبها آلاف التجارب الإبداعية، وأنجبت العديد من الكتاب والروائيين والمفكرين والفنانين..
أصعق حين أقرأ في جينيريك بعض الأعمال التلفزيونية المقدمة، أنها من إنجاز نخبة من الكتاب المبدعين «محترف الكتابة» فتبرز أسماء مغمورة ،وتجارب باهتة لا تكوين أكاديمي ولا رصيد معرفي ، وأتساءل: هل عبارة «امسخوط الوالدين ،واش بغيت تخرج علي – يعطيك موصيبة.. واش بغي تحمقني ..» تحتاج إلى محترف كتابة ؟ عبارات جوفاء فارغة مستقاة من الشارع العام ، يكررها ممثل مثل ببغاء. هل مثل هذا السقوط الكلامي المدوي يحتاج لكاتب عبقري ومؤلف محترف يستحق الظهور ويتم نقشه في ذاكرة المشاهدين على مر الزمن؟ جربوا وتأملوا ما يتفوه به بعض الممثلين، تجاوزا، فستكتشفون أن نبوءة السوسيولوجي المغربي محمد جسوس قد تحققت . وأن جيلا من الضباع طور التنشئة، فيما تم تلقيح الأوصياء على البرمجة التلفزيونية ومروضي شاشة الحديقة الحيوانية الكبرى، ضد كل أشكال النقد، حتى يكملوا مهمة التضبيع بنجاح.


الكاتب : عزيز باكوش

  

بتاريخ : 08/02/2023