لا أحد يعرف منذ متى أغلق ذلك المطعم أبوابه. لم نره مفتوحا على الإطلاق. ولدنا وهو مغلق. وربما سنموت، وسيظل مغلقا. سمعنا عنه الكثير. قيل لنا إنه كان ملكا للباشا الݣلاوي، وكان يستقبل فيه ليلا أشخاصا غامضين يتكلمون لغات غير بشرية. يأتون ركضا في الليل، وينصرفون بسرعة حين يتهيأ الظلام للنوم. لم يسبق لأي أحد أن رأى وجوههم، كأنها مغطاة بشكل تام برغوة سوداء. يحرصون على التخفي، كما يحرص هو على إخفاء هويتهم عن الجميع، ولا يسمح بالاقتراب إلا لرئيس الطهاة الأبكم وفريق مصغر من الخدم أتى به من بيته. وقيل لنا أيضا إن هؤلاء الليليين كانوا من وجهاء الجن، يأتون إلى المطعم لغرض واحد يعرضه عليهم الباشا: أن يستمروا في حمايته من الشرور التي تحدق به، مقابل أن يهيْ لهم بامتنان شديد أطباقا شهية غير مملحة من لحم التمساح والخليع والمرغاز، وتشكيلات متنوعة من كعب الغزال وغريبة والفقاس. كانوا يحبون الليل واللحم والحلوى، وكان يربي التماسيح في إسطبل خاص بالخيول أقامه بنواحي أوريكا في الطريق إلى أوكيمدن. يفعل ذلك من أجلهم في خط مستقيم، وبورع كامل. وحدث ما لم يكن في الحسبان. اختفى الكلاوي ذات ليلة كأن الأرض خسفت به. قالوا أشياء كثيرة عن اختفائه. قالوا مثلا إن الفرنسيس ساقوه إلى باريس ليصنعوا له قامة تليق بسلطان، وقالوا إنه جن بسبب اضطرابات غريبة ترتبط بخطأ ارتكبه مع حلفائه الليليين، وقالوا إن رجالا من حاشيته غدروا به ودفنوه في أرض خلاء محظورة على الجن. لكن آخرين ربطوا بين اختفائه وحكاية التماسيح المسعورة التي اجتاحت منازل أوريكا واعتلت سطوحها. لا أحد يعرف كيف وصلت تلك التماسيح إلى السطوح، ولا أحد استطاع أن يجد تعليلا علميا لوجودها في تلك الأماكن العالية.
منذ ذلك الحين، تُرك المطعم لحاله. ظل فارغا، لا أحد يدخل إليه، ولا أحد يخرج منه. غير أن أهل الجوار يؤكدون أنهم ظلوا يسمعون أصواتا غريبة تأتي ليلا من المطعم، وقال بعضهم إنه رأى تماسيح مُحَمَّلَةً بقصاع وجفان تخرج من المكان ثم تحلق في السماء كالصحون الطائرة. وتحدث آخرون عن ظواهر غريبة، مثل ظهور غابة كثيفة لفّت المطعم بظلالها وحجبته ليالي كثيرة قبل أن تختفي، ويُحكى أن الناس كانوا يسمعون صراخ الكلاوي يعلو ويهبط حد الإغماء، وأنهم استطاعوا أن يدركوا أنه يعيش حياة بعيدة في مكان ما من مغامراته النسائية اللاهية. سمعوا أيضا أصوات نساء ينسخن ذلك الصراخ ويبعثرنه كيفما اتفق، ليس بدافع الغيرة كما قد يذهب بنا الظن، بل بدافع الانتقام. سمعوا أشياء كثيرا، ولم يجرؤ أي أحد منهم على الاقتراب..
ودون أن نبالي باعتراضات أهل الجوار وتحذيرهم لنا من الأذى الذي قد يلحق بنا، حملنا المصابيح اليدوية وعوّلنا على الدخول إلى المطعم. قالوا لنا: «بوسعكم أن تنتظروا إلى الغد. احملوا الصباح معكم وادخلوا!»، فأجبناهم: «ما جدوى أن ننتظر إذا كان بوسعنا أن نجعل الليل سائلا. نريد أن نعرف ما الذي يفيض به المكان»..
ودخلنا، لكننا لم نخرج.. وها نحن في ساعة متأخرة من ظلام الحكاية!
*من المجموعة القصصية «تماسيح مصممة لقول شيء ما»