تمظهراتها المؤلمة توحد جماعات قروية عديدة : «عمالة الأطفال».. عناوين قاسية لواقع الهشاشة الذي تئن تحت وطأته آلاف الأسر

«إن ظاهرة الأطفال المشتغلين تهم 113.00 أسرة، أي ما يمثل 1,3% من مجموع الأسر المغربية» و «هذه الأسر متمركزة أساسا بالوسط القروي (85.000 أسرة مقابل 27.000 أسرة بالمدن)… إنها معطيات رقمية ذات حمولة اجتماعية عميقة كشفت عنها ، مؤخرا، مذكرة إخبارية للمندوبية السامية للتخطيط بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة تشغيل الأطفال (12 يونيو)، تفيد باستمرار «تمظهرات» إحدى المعضلات السوسيولوجية الشائكة، رغم الجهود الرسمية المبذولة – خطط وبرامج إنمائية ذات صلة – للحيلولة دون اتساع رقعة انتشارها.
تمظهرات ترتبط، أساسا، بقساوة الواقع المعيش في أكثر من منطقة على امتداد الجهات الـ 12، والمجسدة في «وضعية الهشاشة» التي تئن تحت وطأتها آلاف الأسر، والتي كانت دراسة سالفة لنفس المندوبية قد نعتتها ب» الفقر متعدد الأبعاد للأطفال «، مشددة على» أن فقر الأطفال يعود بالأساس إلى فقر الكبار وإلى ظروف معيشية سيئة».
ظروف عوز توحد غالبية أسر الدواوير بجماعات قروية نائية، ذات تضاريس جبلية وعرة تؤثث جغرافية أقاليم متعددة «تارودانت، تيزنيت، تنغير، شيشاوة، أزيلال…»، والتي ترى في ولوج أبنائها / بناتها المبكر لـ «سوق العمل»، بإحدى المدن ذات الدينامية الاقتصادية الملحوظة ، السبيل الأوحد للحصول على دراهم معدودات تعين على اقتناء الحد الأدنى من متطلبات المعيش اليومي.
حقيقة قاسية تترجمها ظاهرة «خادمات البيوت «الصغيرات السن أو ممارسة أنشطة تجارية / خدماتية من قبل يافعين وجدوا أنفسهم مجبرين على تجرع مرارة الحرمان من حقهم المنصوص عليه دستوريا في التعليم و التعلم، دون إغفال عودة ظاهرة امتهان «مسح الأحذية» – العاصمة الاقتصادية نموذجا – من قبل أطفال أعمارهم تناهز بالكاد الـ 14 ربيعا، والذين تشكل يومياتهم عنوانا حارقا لشقاء مبكر يبقي باب المجهول مفتوحا على مصراعيه في القادم من السنين؟
وبشأن هذا «الحرمان الإضطراري» من حق التعلم، يقول بعض المنحدرين من جماعات ترابية محسوبة على أقاليم سوس – ماسة: «تعاني العديد من الأسر بجماعات قروية نائية من وضعية الهشاشة، وذلك في غياب مورد رزق قار، حيث تجد الأب يمارس الفلاحة المعيشية البسيطة المتوقف حصادها على انتظام تساقط الأمطار، وفي ظل توالي الجفاف تزداد الحالة عسرا، ومن ثم فهو يرى أن هجرة ابن أو ابنين إلى المدينة، لاكتساب تقنيات التجارة أو غيرها من المهن، فرصة ثمينة لتحسين وضعية أفراد الأسرة المتواجدين بالبلدة، والتخفيف من ثقل العوز وتداعياته القاهرة».
كلام تسنده إحدى خلاصات المذكرة الإخبارية الأخيرة لمندوبية التخطيط، من خلال لفت الانتباه إلى «أن الظاهرة تهم بالخصوص الأسر الكبيرة الحجم، حيث تبلغ نسبة الأسر التي تضم على الأقل طفلا مشتغلا 0,6% بالنسبة للأسر المكونة من ثلاثة أفراد وترتفع تدريجيا مع حجم الأسرة لتصل إلى 3,6 % لدى الأسر المكونة من ستة أفراد أو أكثر»، كما تبين «أن 53,6 % من الأطفال ينحدرون من فئات المشتغلين الفلاحيين…».
هي، إذن، مؤشرات واقعية تحمل في طياتها كل معاني الألم والقسوة، تقف شاهدة على أن نجاعة أي برنامج أو مخطط تنموي يتوخى كسب «معركة» القضاء على «تشغيل الأطفال»، تبقى مقرونة بمدى النجاح في التخفيف عن ساكنة العديد من الجماعات الترابية – خاصة القروية – من وطأة الهشاشة الاجتماعية، التي تسقط في «غياهبها»، مع مطلع كل يوم جديد، عشرات الأسر في أكثر من جهة.


الكاتب : حميد بنواحمان

  

بتاريخ : 21/06/2021