نوفل البعمري رئيس المنظمة المغربية لحقوق الانسان : تقييم عقد من سياسة الهجرة يستدعي مراجعة شاملة وحقوقية
نظمت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، يوم السبت 4 أكتوبر 2025، ندوة وطنية بالرباط، بشراكة مع مؤسسة فريديريك إيبرت، تحت عنوان: “10سنوات من تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء: قراءات متقاطعة”، بهدف تقييم حصيلة عقد من السياسات العمومية في مجال الهجرة واللجوء، واستشراف آفاق إصلاحها في ظل المتغيرات الوطنية والإقليمية والدولية.
في افتتاح هذه الندوة، أكد رئيس المنظمة، الأستاذ نوفل البعمري، أن مرور عشر سنوات على تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء يشكل لحظة تقييم ضرورية لرصد المنجزات ورصد الاختلالات، في أفق بناء سياسة هجرة أكثر عدالة وإنصافًا.
وأشار البعمري إلى أن الاستراتيجية شكلت تحولا في تعاطي المغرب مع ملف الهجرة، حيث انتقل من بلد عبور إلى بلد استقبال، مما فرض تحديات جديدة. ومن أبرز الإنجازات التي سجلها المغرب خلال هذه الفترة: تسوية الوضعية القانونية لأكثر من 50 ألف مهاجر، إدماج الأطفال المهاجرين في التعليم، وتمكينهم من الولوج إلى الصحة والسكن والعمل، إلى جانب إطلاق برامج إدماج خاصة بالنساء وطالبي اللجوء.
ورغم هذه المكتسبات، نبه إلى استمرار تحديات هيكلية تعيق تحقيق أهداف الاستراتيجية، من بينها غياب قانون شامل للجوء، تصاعد خطاب الكراهية والتمييز، ضعف التنسيق المؤسساتي، والتحديات الأمنية المرتبطة بالهجرة غير النظامية. ودعت المنظمة، في هذا السياق، إلى تسريع المصادقة على القوانين المتعلقة بالهجرة واللجوء، وتأسيس هيئة وطنية لمحاربة التمييز، وتعزيز الإدماج الاقتصادي والاجتماعي للمهاجرين، وتوسيع حقهم في الصحة.
وختم البعمري كلمته بالدعوة لإعادة التفكير في السياسات العمومية المتعلقة بالهجرة، بما يضمن نموذجًا مغربيًا إنسانيًا يحترم الحقوق ويكرّس قيم التضامن والعدالة.
نحو سياسة هجرة عادلة وشاملة
انطلقت الندوة من واقع متغير يتمثل في تحول المغرب تدريجياً من بلد عبور إلى بلد إقامة للمهاجرين واللاجئين، نتيجة عوامل متعددة من بينها الموقع الجغرافي، الاستقرار الداخلي، وتزايد تدفقات الهجرة بسبب أزمات إنسانية واقتصادية في بلدان الأصل.
وقد أبرزت المنظمة في سياق الندوة، أن المغرب لم يعد فقط محطة مؤقتة للمهاجرين غير النظاميين، بل أصبح أيضاً وجهة للطلبة، والعمال النظاميين، وطالبي اللجوء. وهو ما فرض على الدولة ضرورة توفير شروط الإقامة الكريمة، مثل فرص الشغل، والرعاية الصحية، والتعليم، وخدمات الاستقبال والإدماج.
تمحورت أشغال الندوة حول أربعة محاور أساسية: -تقييم حصيلة الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء -السياسة الوطنية للهجرة في ظل التحولات الإقليمية والدولية -دور المجتمع المدني في إدماج المهاجرين واللاجئين -التحديات الراهنة لاستمرار وفعالية هذه الاستراتيجية
وشهدت هذه المحاور نقاشات معمقة ساهم فيها فاعلون حقوقيون، وخبراء، وممثلون عن المجتمع المدني، حيث تم تحليل الإنجازات والتحديات واقتراح مداخل للإصلاح.
وأشار المتدخلون إلى أن الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء، التي أُطلقت سنة 2013 بدعوة ملكية سامية إثر تقرير للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، شكلت تحوّلاً نوعياً في تدبير ملف الهجرة بالمغرب. وقد قامت على مقاربة تشاركية وحقوقية، تهدف إلى إدماج المهاجرين كفاعلين في التنمية والتنوع الثقافي.
غير أن تنفيذ هذه الاستراتيجية واجه عدة صعوبات، من بينها غياب الإرادة السياسية الكافية لدى بعض المتدخلين، وغياب التنسيق المؤسساتي، ونقص التمويلات، واستمرار المقاربة الأمنية في بعض جوانب التعامل مع الظاهرة.
توصيات من أجل مراجعة شاملة B
اختُتمت الندوة بمجموعة من التوصيات، التي تؤكد الحاجة إلى:
-إطار قانوني وطني مستقل للهجرة يعزز الحماية القانونية للمهاجرين واللاجئين.
-مكافحة خطاب الكراهية وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان.
-تحسين برامج الإدماج الاقتصادي والاجتماعي.
-تدبير عقلاني وإنساني للهجرة والحدود، بالتعاون مع الشركاء الدوليين.
-إشراك المهاجرين في وضع البرامج والسياسات الموجهة إليهم.
-القطع مع المقاربة الأمنية الصرفة، واعتماد منظور حقوقي وتنموي.
-تعزيز دور المجتمع المدني في تتبع وتقييم السياسات العمومية ذات الصلة.
-تمويل الجمعيات العاملة في المجال، وإدماجها في عمليات الترافع والتكوين.
-إدماج النوع الاجتماعي في معالجة قضايا الهجرة.
-تكوين الصحفيين والإعلاميين حول الهجرة واللجوء، لتحسين الصورة النمطية المنتشرة عن المهاجر.
نحو مرحلة جديدة في تدبير الهجرة
في ختام الندوة، شددت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان على أن مرور عشر سنوات على إطلاق الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء يشكل فرصة ثمينة لإجراء تقييم جاد وموضوعي، يفضي إلى تجديد الالتزامات وتجويد السياسات، بما يتلاءم مع تحولات الظاهرة وتعقيداتها المتزايدة.
كما أكدت أن نجاح أي استراتيجية مستقبلية رهين بإرادة سياسية واضحة، ومشاركة فعالة من مختلف الفاعلين، من سلطات ومجتمع مدني وشركاء دوليين، في أفق بناء مجتمع منفتح، متضامن، يضمن الحقوق والكرامة للجميع دون تمييز.