فضاءات الذاكرة التاريخية صروح لتثمين الرصيد التاريخي الوطني واحتضانه
مصطفى الكثيري: مراكز تكوين ابناء المقاومين هدفها مساعدتهم على التشغيل الذاتي
عن طريق خلق مقاولات صغيرة ومتوسطة حتى لا تبقى تصوراتنا يشوبها الريع
تواصلت، أول أمس الأحد، الأنشطة والاحتفالات الكبرى التي نظمتها المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بمناسبة تخليد الذكرى 67 لمعركة الدشيرة والذكرى 49 لجلاء آخر جندي من الأقاليم الجنوبية، وكانت آخر محطة لهذه الاحتفالات بمدينة بوجدور التي برمجت عمالتها والمندوبية السامية للمقاومين وأعضاء جيش التحرير عدة برامج وأشطة تخليدا لهذه المناسبة، في مستهلها قام وفد المندوبية السامية للمقاومين وأعضاء جيش التحرير يتقدمه الدكتور مصطفى الكثيري بمعية عامل إقليم بوجدور إبرهيم بن إبراهيم والسلطات المدنية والعسكرية والقضائية والمنتخبة وممثلي القبائل وغيرهم، بزيارة إلى مقبرة مدينة بوجدور للترحم على شهداء الوطن المجاهدين، بعد ذلك نظمت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بتنسيق وتعاون وبشراكة ودعم من المجلس الإقليمي لبوجدور وبتعاون مع المجلس الجماعي لبوجدور، وتحت شعار “صيانة الذاكرة الوطنية تأكيد للتشبث بأهداب العرش العلوي المجيد وترسيخ لقيم المواطنة”، مهرجانا خطابيا بالقاعة الكبرى لعمالة الإقليم حضره الدكتور مصطفى الكثيري المندوب السامي للمقاومين وأعضاء جيش التحرير ، وإبرهيم بن ابراهيم، عامل جلالة الملك على بوجدور، إضافة إلى عدد من الشخصيات المدنية والعسكرية وبرلمانيي الإقليم والمنتخبين ورجال السلطة القضائية والإدارية والأمنية والعسكرية ورؤساء المصالح اللاممركزة وأعضاء المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية وشيوخ وأعيان وممثلي القبائل وممثلي الأحزاب السياسية ونشطاء المجتمع المدني وممثلي المنابر الإعلامية فضلا عن نساء ورجال الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير وذوي حقوق المتوفين، وبعد الكلمات الترحيبية باسم كل من أسرة المقاومة وجيش التحرير، والمجلس الإقليمي، ثم المجلس الجماعي بإقليم بوجدور، ألقى المندوب السامي كلمة عبر فيها عن مشاعر اعتزازه وفخره وهو يجدد اللقاء “بهذه الربوع المجاهدة المشهود لأهلها بالشموخ والإباء في هذا اليوم الذي يؤرخ لمناسبتين غاليتين وعزيزتين على قلوبنا والراسختين في أذهاننا ألا وهما الذكرى67 لمعركة الدشيرة الخالدة والذكرى 49 لجلاء آخر جندي أجنبي عن الأقاليم الجنوبية للمملكة “، وهما الحدثان اللذان يعكسان، يقول المندوب السامي، مدى التضحيات الجسام التي قدمها أبناء القبائل الصحراوية في سبيل الدفاع عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية وذودا عن حمى الوطن وحياضه ووفاء لروابط بيعة الرضا والرضوان التي تربط ساكنة وقبائل هذه الربوع بملوك الدولة العلوية”.واستحضر المتحدث بهذه المناسبة “مخرجات مؤتمر “أم الشكاك” التاريخي الذي انعقد في 15 أبريل 1956 بحضور ممثلي وأعيان القبائل الصحراوية، حيث تم انتخاب وفد من الشرفاء والأعيان والعلماء والمجاهدين والمقاومين وممثلي كافة القبائل الصحراوية شدوا الرحال إلى الرباط مؤكدين ولاءهم وإخلاصهم لعاهل البلاد جلالة الملك المغفور له محمد الخامس معلنين تشبثهم بهويتهم الوطنية ووفائهم الدائم لروابط البيعة التي تجمعهم منذ الأزل أبا عن جد بالعرش العلوي المجاهد، وقد خاطب جلالته رعاياه الأوفياء معلنا عزم المغرب على تحقيق وحدته الترابية”، كما استحضر مصطفى الكثيري مساهمة قبائل هذه الربوع من الوطن في الانطلاقة المظفرة لجيش التحرير بالجنوب المغربي سنة1956 لاستكمال الاستقلال وتحرير الأقاليم الجنوبية التي كانت ترزح تحت نير الاحتلال الإسباني حيث خاضوا معارك وملاحم بطولية خالدة منها معارك ضد الاستعمار الفرنسي كمعركة “أم العشار” و”مركالة” و “السويحات” سنة1956، و”الرغيوة” و”وادي الصفا” و”الروضة” سنة1957 وغيرها، وأيضا معارك ضد الاستعمار الإسباني ومنها انتفاضة “أيت باعمران” سنة 1957 ومعركة “بوجدور” سنة 1957 ومعركة “الدشيرة” سنة 1957، إضافة إلى اشتباك آخر بمنطقة “اريدال” وهجوم “سبخة توزوني” وغيرها من المعارك، كما تحقق استرجاع منطقة طرفاية سنة 1958، ثم استرجاع مدينة سيدي إفني سنة 1969 ثم المسيرة الخضراء في 6 نونبر 1975 م، التي جسدت عبقرية الملك الحسن الثاني . وفي يوم 28 فبراير1976رفرفت راية الوطن في سماء العيون مؤذنة نهاية الوجود الاستعماري في الأقاليم الجنوبية الصحراوية المجاهدة، وفي 14 غشت 1979 وفد على عاصمة المملكة ممثلو وأعيان وشيوخ سائر قبائل إقليم وادي الذهب لتجديد وتأكيد بيعتهم لجلالة الملك الحسن الثاني معبرين عن تعلقهم بأهداب العرش العلوي، كما ذكر المندوب السامي بالثورة الهادئة التي يقودها جلالة الملك محمد السادس بعزيمة راسخة وإيمان قوي في سبيل بناء المجتمع الحداثي وإنجاز الأوراش الكبرى في مختلف أرجاء المملكة وإرساء دعائم الجهوية المتقدمة كآلية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبشرية…كما لم يغفل مصطفى الكثيري الحديث عن “ملف قضيتنا الوطنية الأولى قضية الوحدة الترابية المقدسة للتأكيد على التعبئة المستمرة واليقظة الموصولة لأسرة المقاومة وجيش التحرير كسائر فئات وأطياف المجتمع المغربي والإجماع الوطني وراء جلالة الملك” .
في ختام هذا المهرجان الخطابي تم تكريم صفوة من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير المنتمين لإقليم بوجدور مع توزيع إعانات مالية وإسعافات اجتماعية على مجموعة من المنتمين لأسرة المقاومة وجيش التحرير قبل أن تتم تلاوة نص برقية الولاء والإخلاص المرفوعة إلى جلالة الملك، بعد ذلك تم تنظيم زيارة لفضاء الذاكرة التاريخية ببوجدور .
فضاءات الذاكرة التاريخية صروح عالية لحفظ الرصيد التاريخي
الوطني وتثمينه
تميزت احتفالات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بهاتين الذكريين بتنظيم زيارات ميدانية لفضاءات الذاكرة التاريخية بكل من العيون والسمارة وبوجدور، ثم مركز تكوين أبناء المقاومين بمدينة العيون، والذي يهدف، حسب تصريح مصطفى الكثيري، إلى مساعدة أبناء المقاومين وتكوينهم لخلق مقاولات صغيرة ومتوسطة، وذلك في إطار نظرة جديدة بهدف إيجاد طرق للتشغيل الذاتي والعمل المقاولاتي، الذي يتمحور حول الاقتصاد الاجتماعي، الذي تدخل في إطاره التعاونيات كذلك، وهو العمل الجديد الذي انخرطت فيه المندوبية، مبرزا أن الأقاليم الجنوبية في المرتبة الأولى من حيث المقاولات الصغرى والمتوسطة المدعومة من المندوبية، معتبرا أنها تجربة جديرة بالإشادة وأعطت المطلوب منها، كما تنظم سنويا لقاءات تواصلية مع أسرة المقاومة على صعيد الجهات، والتي تحاول المندوبية تنظيمها على صعيد الأقاليم، يردف مصطفى الكثيري، لشرح ورش التأمين الصحي، وهو الورش الذي أعطى نتائج كبيرة حيث لم نعد نتوصل بأي شكوى من أسرة المقاومة حول هذا الموضوع، وهو ما يؤكد ما لهذه اللقاءات التواصلية من نتائج. يقول المندوب السامي.
هذا ويكتسي ورش صيانة وتثمين الذاكرة التاريخية الوطنية والعناية برصيد الكفاح الوطني والتحريري كأحد الأوراش المفتوحة منذ سنة 2001 في برامج عمل المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، أهمية كبرى ويتسع لروافد متنوعة، منها تثمين وإغناء الرصيد التاريخي واستجلاب الوثائق التاريخية المودعة بمراكز الأرشيف الأجنبية، وفي مجال الكتابة التاريخية وتنظيم الندوات والمحاضرات والملتقيات الفكرية وتخليد الذكريات الوطنية والانفتاح والتفاعل مع المجتمع والتواصل مع المستهدفين من الشباب والناشئة والأجيال الجديدة من تلاميذ المؤسسات التربوية والتعليمية وطلبة الجامعات ونشطاء المجتمع المدني والفاعلين الجمعويين وصيانة الموروث الثقافي والحضاري، الذي أضحت فضاءات الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بنيات عمومية حاضنة له.ومن أهم وأبرز ما تم إنجازه في هذا المضمار،حسب ما توصلنا به من معلومات من المسؤولين بالمندوبية، إحداث فضاءات جديدة للذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير وفقا للاستراتيجية الناجحة والطموحة التي اعتمدتها ونهجتها المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير منذ سنة 2007، والتي تتوخى إحداث شبكة من فضاءات الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير في سائر أرجاء المملكة، وحيثما تبين أن الحمولة التاريخية لكل ربع من الوطن تستوجب إقامة مثل هذه الفضاءات التي تشكل رديفا للمؤسسة التربوية والتعليمية ومنارة وطنية مشعة بالفكر الوطني وجسورا ممدودة للتواصل مع الناشئة والأجيال المتعاقبة، والتي راعت فيها المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير التوزيع المتكافئ والانتشار الواسع عبر التراب الوطني، حرصا على دعم الرسالة النبيلة لهذه المؤسسة بهدف الحفاظ على الموروث التاريخي ذي الصلة بتاريخ الحركة الوطنية والتحريرية والمقاومة والفداء، وكذلك بمناحي الحياة العامة والخاصة لأفرادها ومد جسور التواصل والتفاعل بين الأجيال جيلا عن جيل ومع الذاكرة التاريخية للوطن على امتداد التراب الوطني.
وإلى متم شهر أكتوبر 2024 بلغ عدد فضاءات الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير التي أمكن فتحها104، وهذه الفضاءات توجد في وضعية اشتغال وتؤدي مهامها وأدوارها التربوية والتثقيفية والتواصلية مع الذاكرة التاريخية ومع جمهور المستهدفين والوافدين عليها والمتلقين لأنشطتها من مختلف الفئات السوسيو ثقافية والعمرية.
كما تخلد المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بإشراك أسرة المقاومة وجيش التحرير والسلطات المحلية وجمعيات ومنظمات المجتمع المدني سنويا في سياق التوجه الهادف إلى التعريف بالمحطات التاريخية للمقاومة والتحرير والرصيد النضالي للشعب المغربي من أجل الحرية والاستقلال والوحدة الترابية، ذكريات وطنية وأحداثاً تاريخية بلغ عدده 36 ذكرى تندرج في سجل ملحمة الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال والوحدة الترابية بجميع ولايات وعمالات وأقاليم المملكة، وذلك بتنظيم مهرجانات خطابية ولقاءات تواصلية وأنشطة ومسابقات تربوية وثقافية وفنية وترفيهية ورياضية وإقامة معارض للوثائق والصور التاريخية ولكتب وإصدارات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير.
ومن بين الأنشطة المخلدة لأمجاد وروائع ملحمة ثورة الملك والشعب الخالدة التي شكلت انطلاقة حاسمة في تاريخ الكفاح الوطني نظمت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير أنشطة وندوات علمية وأياما دراسية تغيأت استحضار انتصارات وبطولات الكفاح الوطني والمقاومة والتحرير وتناولت هذه التظاهرات الفكرية والثقافية فصولا وجوانب من تاريخ الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال والوحدة الترابية.
كما تم توقيع اتفاقيات التعاون والشراكة تهم مجال صيانة الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير وإبراز تاريخ الكفاح الوطني، وذلك اعتبارا للمقاربة التشاركية مع قطاعات حكومية ومؤسسات عمومية وهيئات منتخبة وجمعيات ومنظمات المجتمع المدني في دعم توجهات ومبادرات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير في مجال صيانة الذاكرة التاريخية الوطنية وإبراز تاريخ الكفاح الوطني.
وهكذا بلغت حصيلة عمل المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير في هذا الإطار ما مجموعه 141 اتفاقية تعاون وشراكة وبرتوكول اتفاق، منها 45 مع كل من قطاع التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة وقطاع التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار ومع المعاهد العليا للدراسات والأبحاث والترجمة.
كما تعمل المندوبية على نشر الدراسات والمؤلفات المتعلقة بفترة الإصلاح الوطني، كموسوعة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير بالمغرب التي أضحت مصدرا ومرجعا لا غنى عنه لكل من يرغب في التعرف على سير وتراجم المجاهدين للعمل الوطني وقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير وأعلام النضال الوطني ، وفي هذا السياق تم إصدار 29 مجلدا من موسوعة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير، كما يتم إثراء وإغناء المكتبة الوطنية بنشر ما استجد لديها من دراسات وأبحاث تاريخية ذات الصلة بالحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير لإبراز جوانب جديدة واستخلاف زوايا مغمورة من أمجاد وروائع تاريخ الكفاح الوطني، إضافة إلى
الأطاريح الجامعية ومؤلفات كتب جماعية وأيام دراسية وكتاب الطفل، وقد بلغت حصيلة الإنتاجات الفكرية إلى حدود تاريخه ما مجموعه 910 عنوانا. وتم أغناء مركز الوثائق التاريخية للمقاومة والتحرير ب75640 وثيقة مرقمنة من مركز الأرشيف بقصر فانسان بفرنسا، وبالتالي وصل مجموع الوثائق المستجلبة من قصر فانسين منذ بداية هذه العملية سنة 2009 إلى غاية سنة 2024، رقمنة 4.134390 صورة وثيقة، كما بلغ إجمالي الحقائب المرخصة 1340 حقيبة تاريخية تضم 1.309.736 صورة وثيقة.