توجه عدائي للرئيس التونسي تجاه المغرب -المغرب يقاطع قمة تيكاد التي احتضنتها تونس ويستدعي سفيره للتشاور

  تنديد واسع في المغرب والقوى السياسية التونسية تندد بالانحراف الخطير لدبلوماسية قيس سعيد

 

أثار قرار الرئيس التونسي توجيه الدعوة للكيان الانفصالي للمشاركة في القمة الثامنة لتيكاد، وما تلا ذلك من استقبال في المطار، أثار موجة تنديد واسعة في المغرب الذي أعلن عدم المشاركة في هذه القمة واستدعاء سفيره للتشاور.
الرئيس التونسي لم ينتهك فقط القواعد التي تنظم منتديات الشراكة من قبيل منتدى تيكاد، حيث قام بمخالفة الاتفاق الذي سبق أن وافقت عليه تونس، وبعث دعوة بشكل إنفرادي إلى زعيم الميليشيا الانفصالية، بل إنه قام بخرق التقاليد الذي انبت عليها الدبلوماسية التونسية منذ عقود، خصوصا فيما يتعلق بالنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وقرر الانحياز إلى خصوم الوحدة الترابية للمغرب، ملحقا ضررا كبيرا بالعلاقات الأخوية الراسخة التي
ميزت دوما العلاقات
بين البلدين والشعبين.
لقد جاء هذا القرار العدائي، الذي أثارا تنديدا واسعا في الداخل التونسي أيضا، ليضيف إلى معاناة تونس سياسيا واقتصاديا، عزلة دبلوماسية، بدأت
بوادرها تتضح منذ مدة، في خرق للتوافقات العربية، وفي معارضة لتوجهات أغلب دول القارة، ليزج
بتونس في تخندق لا يخدم مصالحها، ويهدد علاقاتها الخارجية وينزع عنها ما
ظلت تتميز به
دبلوماسيتها من حياد إيجابي ونأي عن الانحياز في الصراعات
التي تعرفها المنطقة.

 

المغرب يرد على موقف الرئيس التونسي بإلغاء مشاركته في قمة تيكاد الثامنة ويستدعي سفيره للتشاور

قرر المغرب عدم المشاركة في القمة الثامنة لمنتدى التعاون الياباني الإفريقي (تيكاد)، التي احتضنتها تونس يومي 27 و28 غشت الجاري، والاستدعاء الفوري لسفير صاحب الجلالة بتونس للتشاور، وذلك عقب موقف هذا البلد في إطار مسلسل (تيكاد)، والذي جاء ليؤكد بشكل صارخ هذا التوجه العدائي.
وأبرزت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، في بلاغ لها يوم الجمعة، أنه «بعد أن ضاعفت تونس مؤخرا من المواقف والتصرفات السلبية تجاه المملكة المغربية ومصالحها العليا، جاء موقفها في إطار منتدى التعاون الياباني الإفريقي (تيكاد) ليؤكد بشكل صارخ هذا التوجه العدائي».
وأضاف المصدر ذاته أن تونس قررت، ضدا على رأي اليابان، وفي انتهاك لعملية الإعداد والقواعد المعمول بها، بشكل أحادي الجانب، دعوة الكيان الانفصالي، مبرزا أن الاستقبال الذي خصصه رئيس الدولة التونسية لزعيم الميليشيا الانفصالية يعد عملا خطيرا وغير مسبوق، يسيء بشكل عميق إلى مشاعر الشعب المغربي، وقواه الحية.
وتابع البلاغ أنه وأمام هذا الموقف العدائي، الذي يضر بالعلاقات الأخوية التي ربطت على الدوام بين البلدين، قررت المملكة المغربية عدم المشاركة في القمة الثامنة لقمة (تيكاد)، التي تنعقد بتونس يومي 27 و28 غشت الجاري، والاستدعاء الفوري لسفير صاحب الجلالة بتونس للتشاور.
وشددت الوزارة على أن هذا القرار لا يؤثر، بأي شكل من الأشكال، على الروابط القوية والمتينة القائمة بين الشعبين المغربي والتونسي، اللذين يجمعهما تاريخ ومصير مشتركين.
وخلص البلاغ إلى أن هذا القرار لا يشكك في تشبث المملكة المغربية بمصالح إفريقيا وعملها داخل الاتحاد الإفريقي، ولا في التزام المملكة في إطار (تيكاد).

تونس تبرر بمزيد من المغالطات والمغرب يدحض ادعاءاتها

أمام بلاغ الخارجية المغربية، الذي كشف التوجه العدائي لتونس، والذي يلحق ضررا كبيرا بوشائج الأخوة التي جمعت دائما البلدين، لم تجد تونس ما ترد به سوى الإمعان في المغالطات، حيث ادعت وزارة الخارجية التونسية في بلاغ لها، أن الاتحاد الإفريقي قام في مرحلة أولى بصفته مشاركا رئيسيا في تنظيم ندوة طوكيو الدولية بتعميم مذكرة يدعو فيها كافة أعضاء الاتحاد الإفريقي بما فيهم الجمهورية الوهمية للمشاركة في فعاليات قمة تيكاد-8 بتونس، ووجه رئيس المفوضية الإفريقية، في مرحلة ثانية دعوة فردية مباشرة لهذا الكيان المصطنع لحضور القمة، مضيفا أن «تونس احترمت جميع الإجراءات الترتيبية المتعلقة باحتضان القمة وفقا للمرجعيات القانونية الإفريقية ذات الصلة بتنظيم القمم والمؤتمرات واجتماعات الشراكات»، معلنة في الأخير دعوة سفيرها بالرباط حالا للتشاور.
ولتوضيح الأمور، ودحض هذه المغالطات، أكد الناطق باسم وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، أن البيان الصادر عن وزارة الشؤون الخارجية بالجمهورية التونسية مساء الجمعة، في محاولة منها لتبرير التصرف العدائي وغير الودي للسلطات التونسية تجاه القضية الوطنية الأولى والمصالح العليا للمملكة المغربية، «ينطوي على العديد من التأويلات والمغالطات».
وأوضح الناطق باسم الوزارة أن «البيان لم يزل الغموض الذي يكتنف الموقف التونسي، بل ساهم في تعميقه»، مضيفا أن منتدى «تيكاد» ليس اجتماعا للاتحاد الإفريقي، بل هو إطار للشراكة بين اليابان والدول الإفريقية التي تقيم معها علاقات دبلوماسية.
وأبرز المصدر أن المنتدى يندرج ضمن الشراكات الإفريقية، على غرار الشراكات مع الصين والهند وروسيا وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية، وهي شراكات مفتوحة فقط في وجه الدول الإفريقية التي يعترف بها الشريك. وبناء عليه، فإن قواعد الاتحاد الإفريقي وإطار عمله، التي يحترمها المغرب بشكل تام، لا تسري في هذه الحالة.

وبخصوص دعوة الكيان الانفصالي إلى منتدى تيكاد-8، أوضح الناطق باسم الوزارة أنه تم الاتفاق منذ البداية وبموافقة تونس على أن تقتصر المشاركة على الدول التي تلقت دعوة موقعة من قبل كل من رئيس الوزراء الياباني والرئيس التونسي.
وأشار في هذا الصدد إلى أن مذكرة شفوية رسمية صادرة عن اليابان في 19 غشت 2022 تؤكد بشكل صريح أن هذه الدعوة الموقعة بشكل مشترك «هي الوحيدة التي بدونها لن يسمح لأي وفد بالمشاركة في تيكاد-8»، وأن «هذه الدعوة غير موجهة للكيان المذكور في المذكرة الشفوية الصادرة تاريخ 10 غشت 2022 «، أي الكيان الانفصالي. وفي هذا الإطار، تم توجيه 50 دعوة إلى الدول الإفريقية التي تقيم علاقات دبلوماسية مع اليابان، ولذلك لم يكن من حق تونس سن مسطرة خاصة بتوجيه الدعوات بشكل أحادي الجانب ومواز وخاص بالكيان الانفصالي، وفي تعارض مع الإرادة الصريحة للشريك الياباني.
وشدد الناطق باسم وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج على أن البيان الصادر عن تونس ينهج نفس التأويل فيما يتعلق بالموقف الإفريقي، الذي ظل على الدوام قائما على المشاركة الشاملة للدول الإفريقية، وليس أعضاء الاتحاد الإفريقي، وهو يستند إلى قرار قمة الاتحاد الإفريقي رقم 762، الذي يوضح أن إطار عمل تيكاد ليس مفتوحا في وجه جميع أعضاء الاتحاد الإفريقي، وأن صيغة المشاركة مؤطرة بنفس القرار ومن خلال ترتيبات مع الشريك، مضيفا أنه حتى قرار المجلس التنفيذي الصادر في يوليوز 2022 بلوزاكا اكتفى بـ «تشجيع المشاركة الشاملة» مع اشتراطه «الامتثال لقرارات الاتحاد الإفريقي ذات الصلة»، وهي في هذه الحالة القرار 762.
وفيما يتعلق بمسألة الحياد وإشارة البيان إلى «احترام قرارات الأمم المتحدة» بشأن قضية الصحراء، سجل المصدر أن امتناع تونس المفاجئ وغير المبرر عن التصويت على قرار مجلس الأمن رقم 2602 الذي اعتمد في أكتوبر الماضي يثير شكوكا حقيقية ومشروعة بشأن دعمها للمسار السياسي ولقرارات الأمم المتحدة.
وبخصوص الاستقبال الذي خص به رئيس الدولة التونسية زعيم الميليشيا الانفصالية، اعتبر الناطق باسم الوزارة الإشارة المتعنتة في البيان التونسي إلى «تأمين استقبال لجميع ضيوف تونس على قدم المساواة» مبعث اندهاش كبير، مع العلم أنه لا الحكومة التونسية ولا الشعب التونسي يعترفان بهذا الكيان الوهمي. إنه تصرف ينطوي على عمل عدائي صارخ وغير مبرر، لا يمت بصلة إلى «قواعد حسن الوفادة المتأصلة لدى الشعب التونسي» التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تنطبق على أعداء الإخوة والأصدقاء الذين لطالما وقفوا إلى جانب تونس في الأوقات العصيبة.

موجة تنديد واسعة في تونس

الموقف التونسي، الذي أثار تنديدا واسعا من طرف الرأي العام المغربي، ومختلف القوى السياسية والنقابية، أثار أيضا موجة تنديد واسعة في تونس.
كما أثار هذا العمل «العدائي» و»غير المسبوق» استياء العديد من الشخصيات داخل المشهد السياسي التونسي، التي نددت ب»انحراف خطير» على المستوى الدبلوماسي على حساب العلاقات المتميزة و الأخوية القائمة بين البلدين.
وفي تعليقه على استقبال زعيم الانفصاليين بتونس، قال رئيس حزب المجد، عبد الوهاب هاني، إن الأمر يتعلق ب»انحراف خطير» إزاء ثوابت الدبلوماسية التونسية.
وكتب رئيس حزب المجد على صفحته على (فيسبوك)، أن هذا الفعل سيعرض بلا شك «المصالح العليا لتونس ومصداقيتها لصعوبات كبيرة»، واصفا إياه بأنه «انتحار سياسي».
وتساءل الناشط في المجتمع المدني عن أسباب تخصيص استقبال بحفاوة كبيرة لزعيم كيان انفصالي، فيما لم يستقبل قيس سعيد رؤساء دول أفريقية «أشقاء» آخرين لدى وصولهم إلى مطار تونس العاصمة.
وأشار إلى أن «الرئيس التونسي اكتفى بإرسال رئيسة الحكومة لهم، و التي استقبلتهم في جو بارد وبدون حفل استقبال رسمي».
بدوره، استنكر الدبلوماسي التونسي السابق، إلياس قصري ، بشدة هذا الفعل الذي يمثل قطيعة من جانب تونس مع سياسة التوازن بين جارتيها المغاربيتين المغرب والجزائر.
وأضاف قصري أنه من خلال هذا الفعل «تخرق تونس سياسة التوازن بين جارتيها في شمال إفريقيا وتنحاز إلى الجزائر ضد المغرب الذي لم يخف استياءه وقلقه».
وأوضح في تدوينة على صفحته على (فيسبوك) أنه «لسوء الحظ، فضلت القيادة السياسية والدبلوماسية التونسية أن تمنح (الوفد الانفصالي الصحراوي) ترحيبا غير عادي بتونس؛ يفوق ذلك الممنوح لوفود الدول الإفريقية التي نحافظ معها على علاقات تاريخية ومتميزة».
واعتبر السفير التونسي السابق في سيول ونيودلهي وطوكيو وبرلين أنه «كان من الممكن أن نتوقع نقلا أفضل للتكنولوجيا والمعرفة بفضل التعاون الوثيق مع اليابان من خلال استضافة قمة (يكاد 8)».
وقال إنه بعد المشاكل الاقتصادية ونقص الحبوب والأدوية والسكر وحبوب القهوة والبنزين، «جاء الدور على الدبلوماسية لتجعلنا نخشى المبادرة التالية التي ستقودنا إلى مزيد من العزلة على الساحة الدولية».
من جهته، أكد الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي، غازي الشواشي، أن سلوك تونس يعكس «ارتجالا» و»عدم كفاءة» وانعدام رؤية واضح فيما يتعلق بعلاقاتنا الدبلوماسية.
وكتب الوزير السابق الشواشي، على مواقع التواصل الاجتماعي «ماذا تفعل البوليساريو في القمة الاقتصادية التي تجمع الدول الأفريقية باليابان، خاصة وأن الأخيرة لا تعترف بالكيان الانفصالي؟».
بدوره، أكد الأمين العام لمنظمة العمل التونسية، محمد الأسعد عبيد، أن استقبال زعيم انفصاليي البوليساريو «سيؤدي إلى عزل تونس عربيا و إفريقيا ودوليا»، معتبرا هذه الخطوة بمثابة «انتحار سياسي غير مسبوق» للدبلوماسية التونسية.

دول إفريقية تأسف لغياب المغرب عن القمة وغينيا بيساو تنسحب

أعرب الرئيس السنغالي ماكي سال، الذي يتولى رئاسة الاتحاد الإفريقي، عن أسفه لانعقاد النسخة الثامنة من منتدى التعاون الياباني الإفريقي (تيكاد)، الذي افتتحت أشغاله السبت بالعاصمة التونسية، في غياب المغرب، «العضو البارز في الاتحاد الإفريقي».
وقال ماكي سال، في افتتاح أشغال المؤتمر، إن «السنغال تأسف لانعقاد منتدى التعاون الياباني الإفريقي (تيكاد) في غياب المغرب، العضو البارز في الاتحاد الإفريقي، لعدم وجود توافق في الآراء حول قضية تتعلق بالتمثيلية».
وأعرب الرئيس السنغالي عن أمله في ‹إيجاد حل دائم لهذا المشكل في المستقبل لما فيه حسن سير منظمتنا وشراكتنا في أجواء هادئة».
كما أكد مصدر دبلوماسي أن رئيس غينيا بيساو، الرئيس الحالي للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (سيداو)، أومارو سيسوكو إمبالو، انسحب من القمة الثامنة لمنتدى التعاون الياباني الإفريقي، وذلك احتجاجا على مشاركة «البوليساريو « التي فرضتها تونس.
بدورها أعربت ليبيريا السبت عن أسفها لغياب المغرب عن النسخة الثامنة من منتدى التعاون الياباني الإفريقي، داعية إلى «تعليق أشغال هذه الدورة إلى حين تسوية المشاكل المرتبطة بالمساطر» بعد دعوة أحادية الجانب لكيان (البوليساريو) الانفصالي للمشاركة في هذا الحدث.
وقال وزير الشؤون الخارجية الليبيري، دي ماكسويل ساه كيمايا في افتتاح هذه الدورة بتونس إن «ليبيريا تعرب عن أسفها إزاء غياب المغرب عن تيكاد-8. وقد تفاجأنا للحضور المفروض لوفد (ما يسمى بالبوليساريو) في انتهاك لمساطر تيكاد».
وفي هذا الصدد، دعا المسؤول الليبيري إلى احترام المساطر والقواعد الخاصة بتوجيه الدعوات المعمول بها في إطار هذه القمة.
وأكد أهمية احترام المساطر والقواعد المتعلقة بتوجيه الدعوة إلى الأشخاص والوفود التي تم إرساؤها بشكل مشترك مع اليابان، داعيا إلى الامتثال لقرارات الاتحاد الإفريقي المرتبطة بشكل المشاركة في لقاءات الشراكة.
كما أعربت جزر القمر عن أسفها لغياب المغرب، «إحدى ركائز إفريقيا»، عن القمة الثامنة لمنتدى التعاون الياباني الإفريقي.
وقال رئيس جزر القمر، غزالي عثماني، في افتتاح هذه القمة «أود أن أعرب عن أسفنا لغياب المغرب، إحدى ركائز إفريقيا لأسباب تتعلق بالامتثال للقواعد التي تم وضعها من أجل تنظيم قمة تيكاد».
وأعرب غزالي عثماني عن أمله في أن «لا يؤثر ذلك على انتظارات شعوبنا من هذه الشراكة الإستراتيجية بين إفريقيا واليابان».


الكاتب : إعداد : عزيز الساطوري

  

بتاريخ : 29/08/2022