تكاد تجمع الدراسات الإعلامية الحديثة أن مستقبل الإعلام يتمثل في الذكاء الاصطناعي حيث تسعى وسائل الإعلام إلى توظيف تقنيات الثورة الصناعية الرابعة كالروبوتات والهوليجرام والواقع المعزر، ومع هذا التطور التكنولوجي المتسارع تتلاشى الحدود الجغرافية والقيود المؤسساتية، مع إمكانية الوصول الحر والسريع للمعلومات، كما أن الجمهور المتلقي أصبح أكثر تحكما في الرسالة الإعلامية، وهذا ما يجعلنا نؤكد بأنه يمكن تجاوز مقولة مارشال ماكلونهان ”إن العالم أصبح قرية صغيرة” بالقول ”إن العالم أصبح شاشة صغيرة”
والدليل على ذلك أن كل التقارير تجمع بأن خمس شركات تتربع عرش السوق الإعلامية وهي: جوجل – أمازون – أبل – میکروسوفت – فايسبوك، وبصرف النظر عن القيمة السوقية لهاته الشركات، فهي تشكل تهديدا حقيقيا على النظم السياسية العالمية، وهذا التهديد انتقل إلى مجال الصحافة.
معلوم أن هذه الشركات تمتلك كما هائلا من المعلومات عن المستخدمين (المبحرين) عبر العالم، لكن الخطورة لا تكمن فقط في امتلاك هذه المعلومات، بل تتجلى في القدرة على توظيف هذه المعلومات من خلال برمجيات ذكية قادرة على جمع وتحليل هذه البيانات، وربطها بنفس طريقة تفكير العقل البشري، ومن ثم توظيفها في اتخاذ القرارات حسب السياق الذي يحدد لها ( نموذج السيارات الذكية)، لقد تجاوزت النظم الذكية مرحلة التعلم العميق وأصبحت تحاكي البشر في الانفعالات والتفكير والتنبؤ بمشاعر الآخرين.
وعموما فإن هذه النظم الذكية منشغلة بشكل ممتد زمانا و مكانا بجمع المعلومات والبيانات الضخمة الضخمة وربطها وتخزينها، وهو ما يدفعنا إلى الحديث عن عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي ، نتوقف أساسا عند نموذجين:
أنترنت الأشياء : الذي يعتمد عليه في تنظيم شبكات المروروفي التحكم في نظم الملاحة وكاميرات المراقبة داخل المدن…
أنترنت الحياة : وهي نتيجة حتمية لاندماج النظم الذكية لاتصالات الجيل الخامس، وقدراتها الخارقة حيث تمكن من قراءة الأفكار والمشاعر بين الأفراد بينهم آلاف الكيلومترات وبدون حاجة للكلام.
كل هذه المعطيات تؤكد حتمية الانتقال إلى صحافة الذكاء الاصطناعي، التي تعتمد على تطبيقات ذكية غالبا ما تساعد الصحفي في تنفيذ الأعمال الرتيبة لتوفر له الوقت والجهد وتضاعف له الإبداع، فقد تقوم النظم الذكية بمراجعة النصوص وتصحيحها، لكن اختيار المواضيع والكتابة الابداعية فتبقى مهام الصحفي، الابداعية فتبقى من مهام الصحفي ويمكن للنظم الذكية ترتيب الأخبار وتركيب نصوص الكرافيك، إلا أن الصياغة قتبقى من مهام الصحفي، كما يمكن للنظم الذكية أن تقدم تقارير موضوعاتية انطلاقا من تحليل البيانات، محاورة الضيف فهي من صميم مهام الصحفي، كما يمكن للنظم الذكية أن تقوم بتغطية الأخبار خلال الأحداث الخطيرة كالكوارث والحروب، لكن جمع حيثيات القصة وإيجاد الخيط الناظم بينها، أضف إلى ذلك ضاعة الأفلام الوثائقية ذات الرؤية الإبداعية فهو مجال محفوظ للصحفي.
هذا ما يفرض على الصحفي التجديد المستمر لمهاراته من خلال:
ضبط تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، خصوصا ما يرتبط بالمجال الإعلامي، ببذل الجهد في تملك قواعد إدارة البيانات وأسالب تحليلها وأسس الإحصاء وإعداد التقارير / أسس الإحصاء
تعلم مهارات التفكير النقدي والتحليل المتعدد المداخل لتقييم المعلومات التي يقدمها الذكاء الاصطناعي .
* أستاذ شعبة علوم الإعلام والتواصل الاستراتيجي
– ألقيت هذه المداخلة في ندوة ” الإعلام المغربي في ظل المستجدات القانونية والثورة الرقمية ” المنظمة من طرف النقابة الوطنية للصحافة المغربية فرع جهة الشرق بشراكة مع جامعة محمد الأول بوجدة