نادرا ما نسمع عن أن نجوم هوليوود يتصارعون من أجل العمل مع أحد المخرجين، ولكن هذا هو ما يحدث بالفعل مع المخرج الأميركي تيرينس ماليك لأنه استطاع رغم قلة أعماله، التي لم تتخط خمسة أفلام في 38 عاما أن يحقق نجاحا لم يستطع نظراؤه من المخرجين أن يحققه وربما بعد قائمة طويلة من الأعمال السينمائية ما وضع الكثيرين في حيرة، وأصبح الكل يترقب أفلامه التي دائما تثير الغموض والجدل، وهذا هو ما أراد منظمو مهرجان كان الحصول عليه بعرض فيلمه الأخير في المسابقة الرسمية لينافس على جائزة السعفة الذهبية.
وفي فيلمه الخامس «شجرة الحياة» يبدو ماليك أكثر رغبة في التعويل على «شاعريّة» ما يقدّمه حتى من ذي قبل، فهو العمل الذي قال إنه رغب في تقديمه منذ بداية مسيرته في السبعينات، وظل يَستكشفه على مدار سنوات متتابعة، حتى استطاع في النهاية أن يبدأ فيه، جامعاً قصة مبهمة عن جيلين متتابعين من أسرة واحدة منذ الخمسينات وحتى الآن، ولكن في جوهر ذلك هناك قصة أخرى عن نشأة البشرية ذاتها، والأمر ليس مبالغة، فطوال مسيرته التي استمرت لثلاثين عاماً كان دائما ما يَنْسِج ماليك كل فيلم كـ(قصيدة شعر)، تلمس فيها النور وتسمع الطبيعة وترى في الشخصيات ما هو أبعد من ظاهرها، وتحاول ـ ككل شعر جيد ـ اكتشاف المعنى الحقيقة للحياة.
حكاية الفيلم
ويشير نجوم العمل الذي يضم براد بيت وشون بن وفيونا شو وجيسيكا شستاينالي أن الفيلم يتحدث عن كل شيء في الحياة، فهو يدور حول أسرة بها ثلاثة أطفال أكبرهم هو جاك، وكانت الحياة بالنسبة له جميلة في أبهى صورها، حيث يعيش وسط أسرة رائعة فالأم بالنسبة له هي رمز للحب والحنان بينما الأب ويلعبه النجم براد بيت يحاول تعليمه كيف يعيش وسط العالم ويراعي مصالحه ولكن تنقلب الأمور إلى صورة سوداء عندما يختبر جاك أول تجاربه مع المرض والمعاناة والموت فيتحول العالم أمامه إلى مكان يصعب العيش فيه. ويكبر الطفل ويشعر أن روحه تائهة في العالم الحديث، ولكنه يحاول مسامحة والده ويغفر له ليأخذ بعد ذلك خطواته الأولى في الحياة، وتنتهي القصة بزرع الأمل من جديد وتسليط الضوء على الجمال والمتعة في كل شيء حول جاك، والفيلم ملحمة انتظرها الجمهور بفارغ الصبر يهدف إلى استكشاف معنى (وجود الحياة) في ساعتين و18 دقيقة هي زمن وقت العرض.
قالب شعري
ويعرف عن تيرينس ماليك أنه لا يحب التحدث والظهور الإعلامي إلا قليلا، وقد فضل التحدث عن فيلمه بعد أن يراه الجمهور والنقاد ليكون الحديث عنه ذا قيمة، وعلى الرغم من التكتم الشديد عن أي تفاصيل لكواليس العمل في حوارات النجوم المشاركين في الفيلم إلا أنهم أجمعوا أن العمل مع هذا المخرج هو معجزة لأنه يتيح الفرصة للجميع وفى نفس الوقت يحتفظ بما يريده في خياله ليجمع في النهاية بين إبداع الممثل ورؤيته الإخراجية للعمل، ويقول النقاد عن أعماله إنه دائما يفضل أن تحتوي على نظرية ما ولكن في قالب شعري حيث تشعر أنه عمل يجمع بين الرمزية والخيال والحقيقة وهو ما يميزه كمخرج، وقد رشح تيرينس ماليك لجائزة أفضل مخرج في مهرجان كان عن فيلمه «أيام من الجنة» عام 1978 ورشح لجائزة السعفة الذهبية عن الفيلم نفسه، كما رشح لجائزتي الأوسكار كأفضل مخرج وأفضل كاتب سيناريو معدل عن فيلمه «الخط الرفيع الأحمر» عام 1999، كما فاز بجائزة الدب الذهبي عن الفيلم نفسه في مهرجان برلين السينمائي. رفيع المستوى
ماليك في فيلمه الخامس يصنع توازناً مُدهشاً قل تواجده لـ(فيلم سعفة)، فهو واحد من أكثر مخرجي العالم فنية اليوم، في فيلم يحمل قيمة رفيعة المستوى، وبالإضافة إلى ذلك فهو يجمع فيه نجمين هوليووديين بحجم (براد بيت) و(شون بين)، ما يجعل تتويجه في النهاية هو الأكثر احتمالية في ختام تلك الدورة.