تَشَكُّلاَت الفِعل السوسيولوجي عند عبد الصمد الديالمي

 

لابد للمهتم بالسوسيولوجيا في المغرب أن يسجل الحضور الفكري المتميز الذي حققه عالم الاجتماع المغربي د.عبد الصمد الديالمي، سواء بإنتاجاته المكتوبة أو مقابلاته الصحفية المثيرة بسجالياتها القوية، أو باستراتيجية تفكيره، والكيفيات اللامهادنة التي يَطْرق بها القضايا اللاهبة المُربِكَة حقا للمؤسسة التقليدية؛ والمزعجة إلى أبعد الحدود للعقل الاتباعي الاجتراري في مجتمعنا .
فغير خاف أن مدار اشتغالات الدكتورعبد الصمد الديالمي يتمحور بالأساس حول الجنس والجنسانية الموضوعتان اللتان قادتاه رأسا إلى الاقتراب أكثر من طبيعة المجتمع المغربي وتعميق النظر فيه سَبْراً لأغواره بالاعتماد على أَسْلاب العمل السوسيولوجي الاختباري المصغي جيدا للواقع في أدق تفاصيله. فقد سمحت له دراسته التأسيسية التي وقَّعَها بعنوان “المرأة والجنس في المغرب” من بناء سؤالاته الاستفهامية التي ستشكل حجر الزاوية في مشروعه العلمي وهي: ما موقف الشباب من الجنس؟ ما موقف السلطة من الإشكالية الجنسية؟ أضف إلى ذلك ماهو منظور الإسلام للجنس؟ وكيف يتعاطى الفقه مع القضايا المستجدة حول هذه الموضوعة في مجتمع داهمه التحول على كافة المستويات والصُّعد؟
إنها السؤالات ذاتها المحركة لإسهامنا الذي يروم ، جهد المستطاع، النظر في المنجز السوسيولوجي لعبد الصمد الديالمي من أجل إعادة بناء طروحاته الأساسية ومحاوره الكبرى .

أولا : ملاحظات حول
السوسيولوجيا الوطنية
إلى الجيل الجامعي المغربي الذي تتلمذ للرواد المغاربة واضعي اللبنات الأساسية للسوسيولوجية الوطنية؛ تنظيرا وممارسة، ينتمي الأستاذ عبد الصمد الديالمي بكل تأكيد.
انٰهَمّ هؤلاء الرواد بعيد لحظة الاستقلال السياسي بتشييد معرفة سوسيولوجية حَرَّكها حذر فكري من المعرفة الغربية؛ ويقظة إبستيمولوجية من التراث العربي الإسلامي الجاثم على ذاتنا المطمئنة إلى وهم الوحدة وميتافيزيقا الكلية عوض منطق التكرار التوَّاق للاختلاف الذي يشغل حاضرنا، ويهم مستقبلنا.بهذا المعنى سينصب نظر المدرسة السوسيولوجية المغربية على الإشكاليات ذات الارتباط بمرحلة تصفية الاستعمار؛و مشروع بناء الدولة الوطنية وما واكب ذلك من نقاشات وتحليلات، ومنظورات كانت، بمعنى ما، صدًى لما كان يعتمل في الساحة الدولية من صراعات فكرية قوية وتوجهات سياسية متصادمة تراوحت بين الغَرْبَنَة والتحديث ذِي المنزع الاشتراكي أو الليبرالي(= الاغتراب )؛ أو الموصول بالمشروع القومي العروبي بكل أطيافه (= الاعْتِراب)؛ أو ذاك المرتبط بحركة القارات الثلاث المنافحة عن” الإبداع الذاتي” و”الخصوصانية “؛ المقولتان المركزيتان في التحليلات الفكرية لدى منظري ما سمي آنئذ بالأمم الجديدة.
في خضم هذا المخاض الفكري والسياسي، تخلقت المدرسة السوسيولوجية الوطنية المغربية التي تفاعلت، في الوقت نفسه، مع رؤى وتيارات فكرية وفلسفية مَوَّارة، شكلت على نحو ما الخلفية النظرية، والقاعدة الثقافية للنقاشات وأثناء مطارحة القضايا الهامة في ذلك المنعطف الدقيق التي شهدها عالمنا؛ على اعتبار أنها انصبت بشكل جوهري على سؤالات التنمية التي ستجنح بالأبحاث المختلفة صوب توصيف طبيعة التشكيلة الاجتماعية والاقتصادية المغربية؛ وفحص بنياتها وانتظاماتها الداخلية في أفق إنتاج معرفة حقة تشمل كل مفاصل المجتمع؛ وتسعف في إمعان النظر مليا في معاطب التطور؛ وللإشارة بأصبع مستقيمة إلى معرقلات التغير.
واعتبارا لهذا اقتضى الأمر درأ المناولات الماكروسوسيولوجية لفائدة المونوغرافيات والبحوث، القطاعية الرامية إلى تفهم دقائق الظواهرالاجتماعية وكيفيات تشكلها في الزمان والمكان .
وتبعا لهذا تطارح الباحثون مواضيع لها وصل بإشكالية التقليد والتحديث والبنى المخزنية ثم بمكونات الطبقة السياسية، وآليات الارتقاء الاجتماعي والسياسي بالإضافة إلى علاقة الدولة بالإدارة والمجتمع، وبطبيعة التشكيلة الاجتماعية والاقتصادية المغربية، إلى جانب الثقافة الشعبية بما هي حقل خصيب لتشابك الرموز وتداخل العلامات التي تسائلنا من أجل الحفر عميقا في الذاكرة الجماعية للوقوف على جروح مجتمعنا المطمورة في تمثلاتنا وأفكارنا؛ فضلا عن قضية المرأة في التراث الإسلامي الموضوعة الرئيسية في أعمال العالمة الاجتماعية المغربية، فاطمة المرنيسي .
ولأن الباحثين المغاربة يضعون هاته القضايا أمام السؤال السوسيولوجي؛ ويشرحونها بمبضع وتقنيات البحث العلمي، فقد نظر إلى السوسيولوجيا- ولايزال هكذا الأمر- كتخصص مزعج، وإلى ممارسيها كمشاغبين بحسبانهم يمارسون الشك الباعث على السؤال والموقِظ لشعلة التفكير.
ألا يرى الحس المشترك إلى السوسيولوجيا- والفكر الفلسفي – النظري – كفرع معرفي مزعج؟ أوَلَيس التساؤل السوسيولوجي علامة على حيوية الذهن؛ ودلالة على يقظة الوعي المخلخل للعادة ، وللتمَثُّلات المتجذرة في الأذهان؟
إن فضح الانخداع الذي يرعاه الجميع ويَحُضُّ عليه هو يقينا مهمة من المهام الصميمية للسوسيولوجيا كممارسة نقدية ، وعلم للإرادة الحرة. وتأسيسا على هذا ليس غريبا أن تُوَقِّعَ الطبقة القيادية بالمغرب، بالنظر إلى عدم تثبتها ؛ في تبين الفرق بين السوسيولوجيا و”السُّوسْياليزم” على قرار وَصْدِ أبواب معهد علم الاجتماع بالرباط في وجوه مرتاديه وأساتذته سنة 1970 ، معللة إجراءها الإداري بزعم مغرض وواهٍ مؤداه ” أن السوسيولوجيا لاتنتج إلا جهلة ومشاغبين” و”ليتوزع دم قبيلة السوسيولوجيا بين قبائل العلوم الإنسانية بكلية الآداب”.
هذا، بلاغرو، هو المناخ الذي تشكلت فيه البوادر الأولى للمدرسة السوسيولوجية الوطنية والمَسَاق الذي تبرعم في خضمه الجيل الذي ينتسب إليه الأستاذ عبد الصمد الديالمي فكريا، وثقافيا، وسياسيا، وانْوَسَمت به مرحلة دقيقة جدا من تاريخ المغرب الراهن على، إثر إنعاش سياسة التَّقْلَدة التي انتهجتها الدولة المخزنية ؛واحتداد الاصطراع بين القوى المتعارضة داخل المجتمع بحيث انتهجت فيما بينها أسلوب العنف والعنف المضاد على مدار المرحلة الزمنية التي امتدت من الستينيات إلى مطالع سبعينيات القرن المنصرم.

ثانيا – المجتمع المغربي
من خلال جِنْسَانِيَتِه:
بمجرد التحاقه جامعة فاس سنة 1977 أستاذا للسوسيولوجيا، سينهمك عبد الصمد الديالمي برسم مساره كعالم اجتماع ؛ وسينكب في الوقت عينه على إنجاز مشروعه العلمي حول الجنس والمجتمع؛ وهو المشروع الذي” كان مزعجا لزملائه ولكثير من مناضلي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب آنذاك، لا لشيء سوى لأن موضوع بحثه وكيفيات اشتغاله عليه وتدريسه لم يكن لأن يهضم بسهولة ” إلى حد أن” الدْيَالْمِيَات ظل النعت الذي يصف به أساتذة وطلبة كثر أي اقتراب من أطروحة وأنماط تحليل عبد الصمد الديالمي ” ، خصوصا أولئك الذين لم يكن لهم نصيب من الاطلاع على كتابات “فاطمة المرنيسي” التي تمحورت حول المسكوت عنه في تاريخ الإسلام والتأويل الذكوري القبلي لأصحاب السير والتفاسير. من ثم فالقول بأن عبد الصمد الديالمي” سيرحل بالسوسيولوجيا الوطنية بعيدا عن إشكالات المؤسسين وسؤالهم الأساسي حول كيفيات التعاطي النقدي مع السوسيولوجيا الكولونيالية وموضوعاتها “، هو في تقديري كلام مجانب تماما للصواب لأنه غاب عن كاتبه ارتباط عبد الصمد الديالمي بالمدرسة السوسيولوجية الوطنية. وآية هذا الكلام اعتراف الديالمي نفسه بفضل أساتذته العلمي عليه حينما يقول:”بفضل قراءة “رايش”، خرجت بالخصوص بمشروع علمي هائل، ضخم… بدأته تحت إشراف أستاذي الدكتور محمد جسوس سنة 1975 . كانت أول أطروحة جامعية في المغرب حول المرأة والجنس. بهذه المناسبة ، لن أنسى ذكر أستاذي الآخر الذي جعلني أحتفظ دائما بنكهة سيكولوجية في أعمالي، أقصد الدكتور عبد الواحد الراضي، الأستاذ الأول الذي جعلني أكتشف وأحب علم النفس. الآن وبعد ثلاثين سنة بالضبط من قراءة “الثورة الجنسية” كبر المشروع وأصبح يتمحور حول مفهومين أساسيين، الإسلام والجنس …” .
إلى جانب ذلك خصص الدكتور عبد الصمد الديالمي الكثير من كتاباته للنسوية الكولونيالية القائمة على التمييز التفاضلي بين المرأة الأمازيغية والمرأة العربية، فقام بنقدها ليتخلص من خلفياتها العرقية والدينية.
إن رهان الاقتراب من حقل ملعون كهذا يحف به الكبت التهميش ، وتعريته من منظور سوسيولوجي، هو”ضرب من الإيمان الموضوعي بالفلسفة الوضعية، ومساهمة في إرساء سيادة خطاب علمي وعقلاني”بصدد القضية الجنسية باعتبارها إشكالية تقبل الدراسة والتنظير. ذلك أن القضية الجنسية إن كانت خصبة فهي بالغة التعقيد والخطورة لاندراجها ضمن علاقة الرجل بالمرأة؛ وبكل ما يرتهن بهاته العلاقة كالحق في التعليم، والعمل، والاقتراع، والسلطة، وبالحق في المتعة أي بالبناء الديموقراطي ، وبكل ما يمكن من:
1- طرح مسألة التنمية كمقصد للعلوم الاجتماعية. وقد حدده عبد الصمد الديالمي في هذه الموجهات :كيف يمكن أن تتحقق التنمية دون الانتقال من الجنسانية الممزقة بين الدين والعلمنة إلى الجنسانية المدنية المندمجة؟ وبأي معنى يستطيع الفرد- المواطن أن ينتج في ظل القمع الجنسي، وفي ظل التحريم والتجريم؟ وهل بوسع المكبوت جنسيا أن يحب حقا ويعمل بوعي ويدرس بجد وأن يتواصل بشكل إيجابي مع الغير ويتعايش معه باتزان؟
يكتب عبد الصمد الديالمي في هذا الصدد :”إن التنمية (= البشرية) تنمية جنسية أيضا. وتقوم التنمية الجنسية على الحق في الجنس(= المستقل عن الزواج )إذ “لا تنمية مع العنف الجنسي بكل أشكاله وسياقاته.”
2 – الاقتراب أكثر من الأفكار الاجتماعية والتصورات العفوية السائدة في مجتمع لايقدم نفسه بالسهولة التي نخالها.
فلئن كان”سيغموند فرويد” قد اعتبر الكبت الجنسي مكونا أساسيا من مكونات الحضارة والثقافة ؛ فإن”فلهلم رايش” استطاع بارتكازه على منظوره الراديكالي الثوري في السِّيكْسبُول” Sex – pol أن يربط بين الكبت الجنسي وضعف قدرة الفرد على النقد والتمرد. فحينما تحظر المجتمعات القمعية الجنس على الفرد فهي بهذا تساهم في إضعاف قواه الذهنية؛ وتعطيل ملكاته في النقد والتقييم والمحاججة؛ ومن ثم إلى شل كل قدراته على التمرد والمواجهة، والاحتجاج والثورة لأجل تغيير الأوضاع ؛ لتحل محلها سلوكات المحافظة، ومواقف سياسية سلبية تطبعها اللامبالاة بسبب الشعور بالنقص وتبكيت الضمير؛ ويغلب عليها منحى التسلط والنزوع إلى الديكتاتورية . لذلك يدين” فلهلم رايش”المجتمعات الطبقية مثلما يدين كل حضارة قمعية تراتبية مضادة الجنس لأنها ” تخلق بنية طبعية تمتنع باطنيا عن الجنس وتعجز عن بلوغ الأورجاسم الحقيقي” ؛ المُخَلِّص الحقيقي من التوتر الجنسي، والمحرر الفعلي من الإعاقة الباطنية ، وبحسبانها عِلَّة أساسية مُفَجِّرة للأَعْصِبًة Névroses التي تزيد من تفجيرها وتفاقمها الأوضاع المُتَرَدِّية الموصولة بالسكن، ونمط التنشئة، والمرتبطة بالاستغلال، والقانون والإيديولوجيا المهيمنة.. لأن داخل كل صراع طبقي يَثْوي بالتأكيد صراع جنساني وكبت جنسي 30 يعرقل انفتاح الفرد، ويُعَثّر حريته وانطلاقته في الحياة ؟ .

ثالثا – الجنس في مجتمع متحول :

بالارتكاز على نتائج أبحاثه الميدانية التي استمرت لأزيد من خمس وثلاثين سنة؛ لاحظ عبد الصمد الديالمي حصول انفجار جنسي هائل لدى المغاربة، ذكورا وإناثا، من مختلف الشرائح العمرية صاحبه تغير لافت في مسلكياتهم ، وتصوراتهم وثقافتهم الجنسية .
نستطيع رَدَّ هذا النشاط الجنسي المكثف إلى تداخل ديناميتين اثنتين: دينامية خارجية وأخرى داخلية .

الدينامية الخارجية :
تعيش المجتمعات الإنسانية اليوم طفرة كبرى همت العلوم، والاقتصاد، وشملت السياسة، والاجتماع كما الثقافة دون أن توفر باقي مناحي الحياة الأخرى كتمثل الذات، والنظرة إلى العالم، ونظام الصيرروة .
وليس من شك أن هذه الطفرة تؤشر على إقبال الإنسانية على حضارة جديدة متغايرة جذريا عما درجنا عليه وعهدناه من استمرارية تاريخية على مدار القرون الثلاثة الماضية بالنظر إلى مايلي :
1 – الفرص المهمة التي يحملها العلم بكشوفاته الجديدة و اختراعاته المثيرة ومناهجه الخارقة وتقنياته العجيبة التي اكتسحت الإنتاج والإدارة؛ وكذا العلاقات الإنسانية حيث أحدثت شروخا عميقة في البنيات الاجتماعية والفكرية للمجتمعات وخلخلة في الحيوات الشخصية للأفراد بسبب قوة انتشار الثقافة الجماهيرية؛ وصدى وسائل الاتصال الحديثة مما كان له انعكاس على وجدانيات الناس، وحميمياتهم، وارتباطهم بأغيارهم، وعلاقاتهم بالزمان والمكان، وعلى الشعور بالاستقلالية والحرية والمسؤولية الفردية جراء الانهيار التدريجي للأنساق التقليدية التي تؤطر؛ الأفراد والجماعات فكريا، ودينيا وأخلاقيا.
2 – انفجار: الانفتاح؛ الكوني؛ الذي: يَسَّر: تقارب: الإنسانية على؛ الكوكب؛ الأرضي بشكل غير مسبوق: عملا بما سماه “هنري كيسنجر” قواعد القرن الواحد والعشرين” التي صَيَّرت العالم ” قرية صغيرة “مشرعة الأبواب لانكسار متاريس الزمان وحدود المكان .
3 – هيمنة قانون القوة والمنافسة على أوسع نطاق؛ واحتداد التزاحم بدون عراقيل أو قيود .
فلا مكان في عالم اليوم لمن لا يمتلك الفعالية، أو لمن يفتقر للاقتدار العلمي، والتسلح بالمعرفة والاحتماء بالتكنولوجي. عالم اليوم هو عالم المفاجآت بامتياز لأنه فضاء مفتوح على الرجات المباغتة والهزات الفجائية. إنه عالم اللايقين واللاثبات وعالم اللااستقرار.
زمن الكوكبية هو زمن المراجعات المنتظمة لتصوراتنا، وإعادة تشكيل دؤوبة لمرجعياتنا، ونماذجنا الإرشادية التي درجنا عليها في التربية والتعلم، وفي السياسة والثقافة، وردود الأفعال كما التطلعات والآفاق. إنه اختصارا زمن حضارة مستفزة تحملنا على إعمال التفكير في زادنا الثقافي بصيغ جديدة بغاية إعداد مستقبل أضحى فيه اقتصاد السوق التبضيعي، والتشييئي يحتل الصدارة، وإله المال مرتكز ثقافة النيو-ليبرالية الأساس، وجيش الأوليغارشية العالمية المتحكم في كل شيء والعامل على تفكيك الدول وتمزيق كياناتها بزرع بذور الشقاق والفوضى والنزاعات المسلحة، والسطو على البيئة وتشويهها على نحو ممنهج لا سابق له ..

الدينامية الداخلية :
مكنت مفعولات الكوكبية الشاملة من تكسير بنيات المجتمعات التقليدية، وأنساقها الثقافية، وإحداث هزات قوية على مستوى الهويات جراء ضعف “متانة الأسوار التي تحمي الثقافات الوطنية المحلية، وهشاشة الحدود الفاصلة بين المنظومات الثقافية”. ومكنت، بالموازاة مع ذلك، من وقوع سلسلة من التطورات لها وصل متين باليومي نحو العلاقات الاجتماعية، والممارسات السلوكية والتصورات والذهنيات وبالقناعات الإيديولوجية الخاصة، يجدر بنا تصنيفها في هكذا نقط:
1 – تأزيم النهج التبعي للاقتصاد المغربي. فمن المعلوم أن هذه الأزمة بلغت أوجها في مستهل عقد ثمانينيات القرن الفارط جراء التطبيق الصارم ل” برنامج التقويم الهيكلي ” الذي فرضته المؤسسات المالية الدولية على المغرب فتحصل منه تغير في الوظائف الاقتصادية للدولة -العناية كتحرير الأسعار وخفض النفقات العمومية في القطاعات الاجتماعية، ولاسيما في قطاعي التعليم والصحة وتراجع صارخ في فرص الشغل بالأساس تجميد المشاريع الكبرى التي سبق للدولة تدشين انطلاقتها إبان الوفرة الاقتصادية على إثر تدفق عائدات البلاد من الفوسفاط؛ وانتعاش الصادرات المغربية في منتصف السبعينيات.
من ثمة كان لسياسة التقشف المنتهجة والتي عمقتها حدة الجفاف، انعكاسات سلبية على المجتمع والإنسان تمثلت في تسارع الهجرة القروية باتجاه المراكز الكبرى وتداعيات التمدن العنيف على المجال الحضري وما ارتبط به من مشاكل ترتهن بالشغل والسكن وبتراجع القدرة الشرائية للمواطنين.. نتج عنها انهيار المنظومة القيمية وتفكك البنى الأسرية فالتعاطي لمختلف أنواع المخدرات، ناهيك عن تنامي الانحراف والجريمة. إنها الظواهر التي أذكت استياء الطبقة الاجتماعية المعدمة والفئات غير المندمجة في الدورة الاقتصادية التي أشعلت فتيل انتفاضة يونيو 1981 وأحداث 1984 فغضب دجنبر 1990.
2 – عندما بات العثور على عمل قار إشكالا حقيقيا حتى بالنسبة للفئات المتعلمة نظرا لفقدان الشهادات والاستحقاق لكل قيمة اعتبارية في سوق الشغل؛ وابتغاء مواجهة شبح العطالة المضني، لم يجد الشباب بجنسيه مناصا من اللجوء إلى الحلول الفردية الذاتية كالبحث عن النجومية السريعة في مجالات الرياضة والفن أو الاختيار القسري للهجرة الدولية أو في تجر شبح عالم الكحول والمخدرات أو الانخراط في أعمال السمسرة أو بتجريب أسلوب” النضالية الاحتيالية ” للحصول على تزكية حزبية لخوض غمار الاستحقاقات الانتخابية؛ أوالارتماء في أحضان التأسلم طلبا لاندماج اجتماعي؛ أو بحثا عن توازن مفقود لتضميد جراح نفس مكلومة ودفاعا عن هوية لاتطمئن لشيء قدر اطمئنانها لتطابقها وثباتها. .
3 – وفي السياق نفسه لاحظ عبد الصمد الديالمي إقبالا لا نظير له على العمل الجنسي بديلا للعمل القار إذ صار أمرا واقعا زادت من تعاظمه سيرورة التفقير التي سرعت الانتقال من البغاء الهامشي إلى العمل الجنسي غير المهيكل وغير المنظم.
عوامل متعددة ومتداخلة ساهمت في تفجير هذا النشاط الجنسي المتنامي نذكر منها :
أ – تطور المستوى التعليمي وتمديد فترته وولوج المرأة عالم الشغل المأجور .
فقد لاحظ عبد الصمد الديالمي أن معدل سن الزواج بالمغرب ارتفع بالنسبة للنساء (وهو ما يلاحظ في صفوف الرجال أيضا) من 17.3 سنة 1960 إلى 26.4 سنة 1997 لينجم عن ذلك تأخر سن الزواج وارتفاع مطرد في نسبة العزاب .
ب – الدور الهام الذي لعبته بعض الوسائط الثقافية في الرفع من درجة الوعي الصحي للوقاية من الأمراض المنقولة جنسيا؛ أو درءا لحمل غير مرغوب فيه خارج إطار الزواج .
ج – تقدم علم الجراحة الطبي الذي توصل إلى رتق غشاء بكارة بعض الفتيات على إثر فقدها لسبب أو لغيره؛ فمعلوم جدا ما للبكارة من رمزية قصوى في المجتمعات البطريركية التي جعلت من أنثروبولوجيا الشرف، وعذرية الفتيات تخصيصا، شأنا ذكوريا بالأساس وملكية عائلية بامتياز.
د – انتشار إيديولوجيا الاستهلاك الجنسي عبر وسائل الإعلام المختلفة المسموعة؛ والمكتوبة والمرئية .
ه – دافع البحث عن شريكات جنسيات لدى العديد من الذكور كتعبير عن رغبة دفينة في امتلاك حريم مستحيل؛ أو لمصادفة متعة جنسية “غير محترمة” يعسر تحقيقها في إطار العلاقة الزوجية أو لاقتناص لذة عابرة مع عشيق؛ أو كنية مبيتة يرجح أن تكون انتقاما من زوج عنيف؛ أو خائن في بعض الأحايين.
مكن العمل الجنسي ممارسيه من تغيير أنماط سلوكهم؛ و مظاهرهم الخارجية المتمثلة في تسليع الجسد ومسرحته بارتداء الألبسة الفاخرة واقتناء مجوهرات وسيارات فارهة أسعفتهم في الحصول على خدمات وامتيازات” الرشوة الجنسية ” ومراكمة مكاسب مادية مهمة جدا؛ وأرصدة بنكية معتبرة يسرت لهم السكن في شقق راقية وساعدتهم على فتح صالونات للحلاقة والانخراط في أسلوب حياة المجتمع الاستهلاكي، والاستسلام لإغراءاته اللاتقاوم وليغيروا أوضاعهم الطبقية ومراكزهم الاجتماعية وليتحول العمل الجنسي بالنتيجة إلى اقتصاد حقيقي للبغاء وإن بشكل سري وغير مُمَأْسس ينشط القطاع السياحي وينعش الدورة الاقتصادية في أوج فتورها بجلب العملة الصعبة التي أفاد. من سيولتها العمال الجنسيون ومساعديهم وبعض شركات الأسفار، ووسائل المواصلات وأرباب الفنادق والعلب الليلية وشركات الخمور ومروجو المخدرات وصالونات التجميل وبعض الموظفين.
وترتيبا على ذلك لم يعد “البغاء” موضوعا يثير التقزز والخجل في كثير من مجالس الناس وفي الحافلات والمقاهي وبين الجيران ووسط الأسر في الحفلات الخاصة. لأن “حمى البغاء “ركبت كل الرؤوس لتتقبله أسر عديدة لم تعد تشعر بأية غضاضة وهي تتواطأ مع بناتها بدفعهن إلى جلب المال عبر الاتجار في اللذة من أجل مواجهة تكاليف الحياة المرتفعة . فقد صار المجتمع سوقا جنسيا، وتجارة بين بائع ومشتر تخضع لقانون العرض والطلب ومعاملة لها قنوات وأثمنة لا احتكام فيها للأخلاق والمثل والقيم الإنسانية، إلى حد أن العمل الجنسي أمسى نشاطا تجاريا رائجا لدى الطالبات الجامعيات اللواتي عمدن إلى تقديم خدمات جنسية لزبنائهن الراغبين في اقتناص لحظات تجمع بين اللذة الجنسية والمتعة الفكرية مما سمح لعبد الصمد الديالمي وبالحديث عن”الشيخات المثقفات”.
تُجْلِي هذه المعطيات التي سقناها؛ وبما لا يدع مجالا للارتياب، اتساع رقعة العلاقات الجنسية داخل المجتمع المغربي الذي غدا سوقا جنسية، كما تجلي أيضا أن العمل الجنسي أضحى سلوكا احترافيا-مهنيا يمارس بكل الأشكال والطرق، وفي وكل الأماكن الآمنة منها وغير الآمنة، الملائمة وغير الملائمة من لدن كل الشرائح العمرية لكلا الجنسين وكل الفئات السوسيو مهنية. إن دل هذا على شيء فإنه يدل على أن إطار الزواج لم يعد كافيا تماما لاستيعاب كل السلوكات الجنسية كما كان عليه الأمر في ما سبق جراء تجاوز جنسانية اليوم حدود الزواج؛ وحدود الشرع، والقانون لتتكرر يوميا معبرة عن نفسها بصورة صريحة في الفضاء العمومي.
وتبعا لذلك فإن اجتياح الرغبة وملحاحية إشباعها بكل الطرق يجعل من مقولة الاستمساك / الصيام الجنسي بالنسبة للشباب لاعقلانية بالمرة ؛غير واقعية بالمطلق في محيط أضحى كله مغريات تجذبه إلى الاستهلاك الجنسي، أو تطالبه بالزواج مع أنه عاطل ليس بمستطاعه إعالة نفسه .
ضمن هذا المساق عبر مبحوثو عبد الصمد الديالمي، غير ما مرة، عن ضرورة إيجاد مسالك مقبولة للتوفيق بين أحكام القيمة التي ترى إلى الممارسة، الجنسية خارج التمأسس الزوجي زنا وفسادا وحراما وبغاء إن لم نقل فاحشة ودنسا وقذارة يلزم اجتنابها ، وبين الحق في الممارسة الجنسية قبل الزواج كحق إنساني أساسي وحرية فردية إذ لابد للاجتهاد الفقهي أن يتفهم حاجات الشباب الطبيعية، وحقهم الإنساني في الجنس دونما خوف من أية تبعات قانونية ؛ أو أي إحساس بالذنب. لنتوقف عند نص لعبد الصمد الديالمي ينتقد مقتضاه موقف الفقيه الذاهل عن تطورات العصر ويؤزم نظرة “العالم “الحسيرة عن رؤية الواقع المجتمعي المتقلب. يقول: “فأنا أتعجب لأن كل العلوم تتطور وكل المهن تتطور وتقبل التطور التاريخي إلا مهنة الفقيه فتتشبث بهوية لا تعرف الإنصات إلى طلبات الواقع، وهذا الموقف ينفر الشباب من الإسلام من خلال نفورهم من الفقهاء، لأنه يرى فيهم رقباء ينتجون إسلاما يمنعهم من تحقيق المتعة خارج زواج أصبح متعذرا…” ولاسيما أن شريحة عريضة من شباب اليوم تلفي نفسها وعاجزة تماما عن العثورعلى سكن قار لتكوين أسرة بالنظر إلى الأزمة البنيوية التي يتخبط فيها الاقتصاد المغربي التي جعلت من المجتمع المغربي مجتمعا مسدودا.
إن الإنصات لقول المستَجْوَبين هو إنصات لنبض الواقع وإصغاء لإيقاع بلد داهمته تحولات شمولية، تعبر عن علمنة موضوعية للمجتمع وعن انتقال جنسي حقيقي يؤشر في العمق عن حداثة جنسية صامتة غير واعية تعبرعن ذاتها من خلال الانفجار الهائل للسلوكات الجنسية بما هي تعبير عن الذاتية في شفافيتها وفرادتها؛ وعقلانيتها ، ثم عن استقلاليتها وحريتها في التصرف والفعل والاختيار رغم سطوة التقليد؛ ورغم صلابة مقاومته التي تتبدى في سيادة الأخلاق الجنسانية الإسلامية التي تترجمها فصول بعينها من القانون الجنائي المغربي المجرم منطوقها صراحة ” للفساد والبغاء ” ولكل أضراب “الدعارة “.إنه “التناقض بين قانون صارم وبين ليونة تطبيقية انتقائية يسمح للدولة بأن تصيب عصفورين بحجر واحد: من جهة تبقى” وفية “لإسلاميتها الدستورية ومن جهة أخرى تسمح للعمل الجنسي بان يوجد في واضحة النهار.. وأن يقوم بتأدية وظائفه النفعية المتعددة.
تناقض يفصح بصورة جلية عن تخلف القانون عن الواقع ؛ وتلك هي بالتحديد المفارقة التي تجعل الإنسان المغربي (= كما العربي) عرضة للحملات الأمنية التطهيرية الموسمية والانتقائية. فلئن كانت الدولة تشن تلك الاعتقالات وتباشر تلك الاستنطاقات الظرفية التي تتوسل بها تطبيق القانون لحماية الأخلاق العامة ولإظهار الدولة بمظهر راعية مثل وقيم، المجتمع وحامية الإسلام، فإن عبد الصمد الديالمي يلفيها مأسسة لا مستساغة للتدخل في الحياة الخاصة للمواطنين من التعامل الاحتقاري الحاط من قيمة الأفراد؛ والمحتقر لحاجاتهم الإنسانية الطبيعية المشروعة؛ وإحراج رغباتهم وحميمياتهم كآدميين، وربما لتحسيسهم بأنهم مجرد كائنات لم تَرْقَ بعد إلى مرتبة المواطنين الذين لهم الحق في ممارسة حرياتهم، بعيدا عن كل حجر من الغير. لذلك يحتمل أن يكون سلوك الدولة هذا، إلى جانب البؤس الجنسي المترتب عن الحرمان السكني أو ضيقه؛ من الدوافع التي تحمل الشباب على الإقدام على ما يسميه عبد الصمد الديالمي” الترميق الجنسي- المكاني” المتمثل في “اقتناص جنس سريع وخائف في أماكن غير ملائمة غابة، مصعد، سطح، مرحاض، سيارة…)…” أو من السببيات التي تجنح بهم نحو تطوير شخصيات أصولية متشددة تجد عزائها وسلوانها في الحركات الدعوية الإسلاموية .
إن إقرار عبد الصمد الديالمي بالانتقال الجنسي لهو إقرار بوضع فعلي ومرحلة قائمة وحاصلة بالتأكيد؛ ثم بتحول يجري في المجتمع المغربي رغما عن المرجعية الدينية الإسلامية، ورغما عن الأخلاق الجنسية التقليدية .

على سبيل الختم :

من كل ما سبق يُحَصِّلُ الدكتور عبد الصمد الديالمي القول إن هذا الانفجار الجنسي، الذي يتبدى بمظاهر شتى، ليس بمطلق الأحوال انحرافا أو تجاوزا للقانون؛ ولا فتنة أو تفككا أو جاهلية جديدة ؛ كما تَزْعم الأصولية الإسلامية وتَدَّعِي ، بقدر ماهو استجابة لمداهمة الحداثة ولطبيعة التحولات التي فرضتها على البنى الاجتماعية ولم تستثن منها الذهنيات ولا المنظورات التي نحت منحى التمرد على الأخلاق المضادة للجنس .ذلك أن الممارسات غير الزواجية، فضلاً عن الترميق الجنسي الارتزاقي، وكل أشكال التحايلات، والتواطؤات و الابتزازات؛ هي مؤشرات موضوعية على معركة حقيقية جارية تطالب بالعدالة الجنسية؛ وبالحق في اللذة ضد البطريركية وإيديولوجيتها القانونية، وضد الفقيه المتمذهب.
واعتبارا لكل هذا، فإن ما يبدو خللا أو فتنة، وانحلالا ليس يعدو سوى تعبير عن معالم جنسانية عصرية حداثية ترفض الأبيسية، وتسائل مرجعياتها اللاهوتية كيما تضع سلطتها القانونية في أزمة.
إن هاته السلوكات الجنسية رفض للأبيسية كمنظومة منبنية على وجود سيطرة رجولية -قضيبية وسيادة المعيارية الغيرية، ومرتكزة على اللامساواة والتمييز بين الجنسين وعلى سطوة الكبيرع لى الصغير. وبهكذا معنى فالأبيسية هي من حيث أبعادها العميقة نظام اجتماعي-سياسي قامع لتطلعات أطفاله، كابت لجنسانيتهم، حذر منها لئلا يكتشفوا، بطريقة أو بأخرى، جنسانية جديدة مضادة قد تكون دافعا إلى فضح لاعدالة الأبوية، بتكسير الأساطير التي ترتكز عليها وتؤسس لها .ثم إنها تستفهم النظرية الفقهية على ضوء”سوسيولوجيا الفقه “الدراسة التي تنصب على” بنية الفقه التنظيمية، أدواره، قيمه ووظائفه…(و) لمهنة الفقيه والنظام الفقهي وهي دراسة من خارج الحقل الفقهي يقوم بها غير الفقهاء ” من أجل تجاوز الفهم السطحي والمبسط للظواهر الدينية؛ وبقصد إنتاج إسلام ملائم للعصر بعيدا عن التقليد والاجترار؛ وثقافة الاتباع والتكرار، بحيث تستلهم الأسلحة النظرية القادرة على تقديم الإيضاحات الممكنة “حول واقع تاريخي هو واقعنا الذي لم نشعر صراحة بطابعه اللامنطقي والعبودي والرجعي” ، باعتماد الإبيستيمولوجيا، ومناهج العلوم المعاصرة، المحرضة على الشك وإبداع السؤال المستفز والهادف إلى الاقتراب من القضايا بخطابات تساير الراهن وتتماشى؛ والإيقاع المتحرك والمتسارع للحياة، بعيدا عن الأساليب الفقهية في التحجيرعلى الإسلام بحصره في قراءة نصية وعظية وإرشادية تُطَمْئِنُ الذات وتريحها من هم السؤال، وهاجس البحث وفضيلة الاجتهاد.
و أخيرا لا آخرا، إنها ممارسات جنسية تطالب بمراجعة فصول بعينها من القانون الجنائي تجنبا لجنسانية ممزقة سمتها اتساع الهوة بين معايير دينية تقليدية تسترسل في الاعتقاد بأن الجنس قبلة الزواج فاحشة وإثم؛ وسلوكات جنسية ما انفكت تتعلمن دون أن تعي علمنتها تلك، وهو ما يترتب عنه طلاق بين المعايير والسلوكات التي تسم مرحلة الانتقال الجنسي كمرحلة يفقد فيها الدين سطوته على الحياة الجنسية العمومية، لتنتظم كل السلوكات وفق المبادئ العقلانية للدولة المدنية التي تَتَعَلٰمَن فيها المعايير والسلوكات الجنسية معا؛ ليغدو المعتقد الديني شأنا خاصا يعني الفرد-المواطن وحده دون غيره، لا قانونا يؤسس لنظام الحياة في المجتمع.

(نعتذر عن حذف
الاحالات لطول المقالة).


الكاتب : د. ناصر السوسي

  

بتاريخ : 16/02/2024