ثقافة العنف لدى الأطفال بين الموروث الأسري والتربية الحديثة

ربما أنه من الأخطاء التي لا تزال عالقة في ذهن العديد من الأطفال وحتى الآباء أن ظاهرة العنف رغم ما تعبر عنه من مظاهر سلبية، تعتبر نوعا من الشجاعة التي يتسم بها الطفل وجرأة زائدة عن الحد، لكن الحقيقة عكس ذلك، حيث أنه لا ارتباط بين العنف والشجاعة في شيء بقدر ما هو انحراف أخلاقي ونفسي واجتماعي.
فالعنف عند الأطفال ليس وليد عصر أو لحظة بل هو نتيجة سلوكات ناتجة عن مجموعة مؤثرات منها ما هو نفسي أو اجتماعي أو أخلاقي بحكم الوسط الذي يعيش فيه هذا الطفل ومدى تأقلمه معه، فقد يزداد حدة وقد يندثر ويقل أحيانا أخرى لتبقى معالجة هذه الظاهرة مقتصرة في ذاتها على كل من الأسرة، الحاضن الرسمي والمربي، أو الأستاذ بحكم تعاملهم اليومي مع هذا الطفل .
لقد أضحت ظاهرة العنف ثقافة خاصة تحيط بأطفالنا انطلاقا من المدرسة والشارع ووسائل الإعلام بكل مشاربها، خصوصا المرئي منها بما فيها أجهزة الفيديو والأقراص المدمجة، حيث أننا نكون ربما نحن الذين أنشأنا أطفالنا على أن يكون العنف هو الاختيار الأول بدلا من أن يكون الاختيار الأخير، حيث أن العديد من الآباء خصوصا منهم النساء اللواتي يلجأن حين يأتيهن الطفل من المدرسة أو الشارع شاكيا من أن أحد أصدقائه أو زملائه قد ضربه إلى نهره ومساءلته لماذا لم يضربه هو الآخر وأخذ حقه بيده بدعوى أنه من الضروري والواجب أن يأخذ حقه بيديه لأن ذلك سيجعل الآخرين يخافونه ويهابونه بفرض سيطرته عليهم “ صعصع الدرب “، لأن القوة في نظرهم هي القيمة الأكثر احتراما في المجتمع، أما الضعيف المغلوب على أمره المشتكي دائما فهو جبان ومغضوب عليه ومحط احتقار واستهزاء . وبذلك فإننا نربي العنف في أعماق أبنائنا دون أن ندري ويزداد بما يشاهده هذا الطفل من ممارسات في الشارع والتلفزة بالخصوص، من خلال الأفلام والمسلسلات، وقد يطرح السؤال ما العمل ؟ هل نحجب عن الطفل أفلام العنف، قد لا نستطيع، كما أنه من الأفيد أن يشاهدها على أساس أن نعلمه كيف عليه أن يرفضها وينزعج منها، كما أن عليه أن يعرف كل أنواع الشتائم وأساليب العنف المعبر عنها وغير المعبر عنها سمعا أو مشاهدة سواء بالشارع ويعرف معناها حتى يتمكن من التمييز بين ما هو مباح وما هو عيب خصوصا من خلال ما يعرض على شاشات التلفزة، فهناك منفذ آخر لثقافة العنف دون الأفلام والمسلسلات، والذي يتجلى في ما تقدمه نشرات الأخبار اليومية من خلال ما يحدث في أرجاء العالم من حروب ودمار واعتداءات وإرهاب في حق البشرية، وهو واقع لا يمكن تغافله أو حجبه عن الأطفال، واقع لابد من مشاهدته ثم توضيحه ومناقشته مناقشة بناءة قد يتحول معها مفهوم العنف لدى الطفل إلى ما هو إيجابي، وبالتالي يتغير لديه مفهوم ثقافة العنف وتزرع داخله بذور الكره لهذه الثقافة .
أما عن دور العقاب وما له من انعكاسات على سلوكيات الطفل وأخلاقياته فهو بمثابة رد فعل، لأنه يتحول إلى عنف مضاد، حيث أن الأب أو المربي الذي يلجأ إلى العقاب في حالة ارتكاب الطفل لجرم إما بالضرب أو التأنيب الجارح والماس لشخصيته وإنسانيته، لا تثمرأفعاله تلك عن نتيجة تحد من هذا العنف الصادر منه بقدر ما تؤجج في الطفل الغل المتزايد فيضاعف ما ارتكبه سابقا، وهذا ما نستخلصه من شهادة مجموعة آباء يعاقبون أبناءهم بالضرب المبرح لكن بدون فائدة حيث لم يعد ذاك الضرب يؤثر في أطفالهم ولم يعد يثنيهم عن ارتكاب أخطاء ضارة بهم وبالغير، كما أن الضرب أو العنف المضاد لم يعد رادعا لهم، مما يعكس عدم جدوى هذه الطريقة، وبالتالي وجب من باب الإفادة أن نظهر لهم استياءنا من كل تصرفاتهم غير المقبولة والخاطئة وذلك لمدة تجعلهم يدركون نتيجة ما حصدوه من أفعالهم ثم محاولتهم للبحث عن سبل إرضاء آبائهم بمحاولة تغيير سلوكاتهم خصوصا أن الأطفال يحبون التواصل مع الآخرين – الآباء بالخصوص – الذين هم في حاجة ماسة إليهم كيفما كان الحال معنويا أو ماديا . وكلما كانت التربية داخل الأسرة مبنية على الحب والاحترام والتفاهم بين كل أطرافها وإصلاح الأخطاء بأسلوب يعتمد على الحوار والمناقشة كلما سهل دور المدرسة التي تأتي في المرتبة الثانية ليليها الشارع أو المحيط الخارجي بكل تجلياته، حيث لا يمكن آنذاك التأثير على شخصيته، “ لأنه إذا أردنا أن نتصالح مع ثقافة العنف سنستطيع إن كنا فعلا نريد ذلك “ .

(*)كاتب وإعلامي


الكاتب : محمد الصفى

  

بتاريخ : 16/06/2022