ثَمَانِيةُ أَيامٍ حُسُورَا …

1

مَتَى أَسْتظِلُّ بِسماءٍ مِنْ نُحَاسٍ ؟
فَقَدِ ارْتَدَّتِ النَّهَاراتُ،
كَمَا لَوْ أنَّهَا تَحَسَّسَتْ دِفْءَ مَا يَأْتِي،
و اعْتذرَتْ لِعَيْنَيْنِ
تَقَنَّعَتَا بِشُحُوبِ الْفَجْرِ، وَ سَالَتَا …
فهلْ أَسْتعيرُ مِنْ ظُلْمةِ الَّليلِ وَمْضَةً
تُنْجِي صَدَايَ مِنْ دِنَانِ الذُّهُولْ ؟!

2

بِي أَرْوِقَةٌ مِنْ غُبَارٍ،
لا أُمَيِّزُهَا عنْ نِهايَةِ الْأَقْدَارِ
لَا و لَا عَنْ سَحَابةِ حُلُمِي الْفَقِيدْ !
بِها حَلَّتْ غَفْوَتِي،
إذْ تَعَجَّلَتْ حُشُودُ كَلِمَاتِي نِهَايَاتِهَا
و حاصَرَتْنِي – أنَا الْفَصْلَ الْخَامِسَ –
سِنُونُ الشَّغَفِ بِالْهَاوِيَاتِ …
تِلْكَ الَّلوَاتِي لِذِكْرَاهَا خُضْتُ :
حِسَابَ التاريخِ، وَ خَيْبَاتِ الشُّعَرَاءِ،
وَ مُرَاوَدَةَ الْحَقِيقَةِ الْمُدَثَّرَة !!

3

و هَا حَنَّ إِلَى شَفَتَيَّ مَكْرُ الْأَقْدَاحِ
سَاوَمَنِي هَالَةَ الْجَسَدِ الْمُثْقَلِ
بِقَيْظِ الْعَابِرَاتِ فِي عَرَقٍ؛
و اللَّائِي عَنْ خِصْرِ السَّاعَاتِ
غابَتْ – مَعَهُنَّ – كُلُّ عَاداتِ السَّوَادِ،
حين يَحُفُّ صَقِيلَةَ بَيَاضِهِنَّ !!
و لِأَنَّ نَسْخَ الَّلحْظَةِ مَعْجَزَةٌ،
فقدْ شَيَّدْتُ لِعُمْرِي
حَدّاً يَقِينِي الْعَوْدَةَ،
أنَا الرَّافِضَ تَأْشِيرَةَ إِيَّابٍ
ما بَيْنَ قُبْلَةٍ وَ قُبْلَهْ.

4

أَقَسْوَةً مِنِّي،
حينَ أُمْطِرُ عَيْنَيْهَا،
لِتَصِيرَا سِجْنَ سَفَرِي، ذَا الرحيلْ ؟
أمْ هُوَ صَعْقَةُ جَهُولْ
مَنَحَتْ عَتَادَهَا لِلْفَلَاةِ،
لِتَطِيرَ الْأَسْرَارْ،
مُحَلِّقَةً، نَائِيَةً عَنِ الْجُرُوحِ …
و الْقَرَارْ !!
عَفْواً أيُّهَا الْمُعَرِّشُ الْمُتَعَرِّشُ،
الْعَنِيدُ. السَّخِيُّ، يَا دَمْعُ؛
تَمَاوَجُ فِي الصَّدْرِ كَمَا الْخَدِيعَةُ
فِي الْبِدَايَةِ
وَ أَعْجَبُ لِاخْتِنَاقٍ صَدَّقْتُهُ
بِالنِّهَايَةِ.
فَعِطْرُ الْبَيَاضِ يَكْشِفُ
تَفْصِيلَ لَيْلٍ بَهِيمْ،
وَ خَطِيئَةُ فَجْرٍ،
لَنْ يَمْحُوهَا بُصَاقُ فَتْوَى
مَا دَامَ الْجَحِيمُ بُغْيَة !
أمَّا رِحْلةُ أَصَابِعَ
بِتَضْريسِ جَسَدٍ … فَحَرِيقٌ
لا يبحثُ عَن إِطْفائِه …
غَيْرُ أَخْرَقْ !
وَ حِكَايَةُ شُرُودٍ،
فِي صَمِيمِ قَلْبٍ،
إلى النُّبُوَّةِ أَقْرَب،
إذِ الصَّلاةُ فِي السُّلَافِ
وَ الْحَجِيجُ إِلَى الشَّغَافِ
وَ السَّعْيُ بينَ اللَّحْظِ وَ السِّجَافْ.

5

لَا أَكْتَفِي – فِي اعْتِقَادِي –
بِطفْلٍ ضَجِرٍ مِنَ الدَّرْسِ،
لَكِنِّي أَسْعَى إِلَى انْتِحَالِ وَجْهِهِ
عِنْدَ التَّوْبِيخ !
كما لا أَشْعُرُ – في عزلتي –
بِذِكْرى أَطْيَافٍ مِنْ أَرَقٍ؛
بَلْ أَهَبُ نَفْسِي لِرِيحٍ
تُنْذِرُ بِالدَّمَارْ !
ثم إني لا أَسْعَدُ – في صلاتي –
بِضَميرٍ مُؤَنَّبٍ، يَلْتَهِمُ الدُّعَاءَ بِقَلْبٍ،
خَلَا منَ الْحُبِّ،
إلَّا بَعْدَ الْمَعَاصِي !!
ذاكَ مَصِيرِيَ الْأَعْزَلُ
وَ أَقْدَارِيَ تِلكَ، الْقَابِعةُ بينَ التُّحَفِ،
وعَجيبِ النَّوَايَا.

6

مَا كَانَتْ – أَبداً – طَرِيقِي
مُمَهَّدةً لِلسَّرَابِ،
لا و لا مُغَلَّقَةً في وجهِ الْعَتَهِ،
قَدْ عَرَاهَا أُفُولٌ وَ صَدَأْ … عَصِيَّانِ،
شَلَّا حِرَاكِي، إِذْ هَمَمْتُ
بالْخَطْوِ فِيهَا،
و كنتُ رَاجياً خُلْوَةَ قَلْبٍ
تَكَلَّسَتْ نِيَاطُهُ،
مِنْ أَحْلَامٍ مُجْهَدَهْ، وَ أحلامٍ مُوصَدَهْ !!
فَهَلْ أَكْتَفِي بِقَليلِ الْحُبِّ
و كَثيرِ الْوَطَنْ،
أَمْ أَضَعُ كِلَاهُمَا فِي كَفِّي
وَ أَعْجِنُ بِهِمَا رَغيفَ الْمِحَنْ ؟!
فيا لَعْنَتِي،
طَمْئِنِي نَوَامِيسَكِ، وَ اعْشَقِي الْفِتَنْ؛
ما كنتُ وَئِيدَ الْبَرَاكِينِ
ما كُنْتُ ظِلّا لِأَحَدٍ
ما اصْطنَعْتُ بُؤْسِي
مَا أَخْلصْتُ إِلَّا لِلْعَلَنْ.

7

كُلمَا حَاولْتُ الْحُلُمَ،
إلَّا انْفَلَتَتْ خُيُوطُهُ،
تَفِرُّ مِثْلَ السَّمَكِ بِالْمَاءِ.
فأنَا الْوجْهُ الْمُتَفَرِّدُ،
لَا يَقْبَلُ قِسْمَةَ، وَ لا رَائحةً … أخرى
غيرَ مَا بِهِ مِنْ ضَحَالَةٍ وَ قَلَق،
هَذا نَزْلِي، هذا وَعْدِي:
كُلمَا حَلَّقْتُ، وُلِدْتُ
و كَيفمَا كَبُرْتُ، عَانَيْتُ.
مَنْ أَثْنَانِي – غَيْرَهَا حِينَ
الْخَجَلُ تَسَيَّدَ وَجْنَتَيْهَا –
عَن شُطُوطِ أُفْقِهَا،
كَالطَّريدَةِ كانتْ،
تَلْهثُ في رِحْلةِ هُرُوبٍ،
وَ هواءُ الْكَونِ لَا يَكفي … رِئَتَيْهَا.

8

مِثْلَ دَمْعِيَ سَائِلا كَالشمْعِ،
يَكادُ يَخْنُقُنِي نَحْرُها
حين تَغِيبُ بِالداخلِ أَرْضُهَا.
أنا الرُّقعةُ و الْبَيَادِقُ هِيْ
أنا النجمُ و السماءُ هِيْ
أنا الْحَطَبُ و النارُ هِيْ
أنا الإسمُ و المُسمَّى هي
أنا الهديةُ و الطفلُ هيْ.
صَدِّقُونِي يَا كُتَّابَ عَنَدِي
مُذْ تَعَاطفَ الْحُلْمُ وَ جَسَدِي
وَ ضَمَّهُ فِي عِنَاقٍ أَبَدِيّ،
حقَّقْتُ لِلْفِطْرَةِ عَارَها الْخَلَدِيّ
و ارْتَعَشْتُ فِي رَقْصَةٍ
أَنَارَتْ مَسَارِبَ الْمَدَدِ؛
لَيْتَهَا حَذَّرَتْنِي، خَدَّرَتْنِي، جَدَّدَتْنِي،
لَيْتَهَا نَاوَرَتْ، عَانَدَتْ … لَيْتَهَا،
وَ مَا اكْتَفَتْ بِالْكَمَدِ.


الكاتب : جواد المومني

  

بتاريخ : 25/07/2025