«الدوار» وتشكيلة البنية
الاجتماعية بالبادية
محمد الحاضي
على هامش العمود اليومي «كسر الخاطر» للإعلامي والشاعر عبد الحميد جماهري عن («الدوار « * نعم ، لقد استقرت وترسخت تشكيلة البنية الاجتماعية بالبادية المغربية في نسق الدوار..وخفت التعبير القبلي، ليس فقط على مستوى الإنتاج المعرفي الكلاسيكي ( الاجتماعي والتاريخي والإتنوغرافي والأنتروبولوجي..) المغربي أو الفرنسي أو الأنكلوساكسوني..، بل وبالأساس على المستوى التداولي الجهوي والمحلي..وإذ يلاقيك أحد المعارف، من دوار مجاور، بتعبير مثل ( ولد قبيلتي..) أو (بن عمي..)، ففقط للتعبير عن دفء تواصلي صار عزيزا في ظل علاقات اجتماعية جديدة ومتجددة، وليس تعبيرا عن قرابة دموية أو قبلية لاتزال ساخنة متدفقة..وحتى صفة ( عروبي) القدحية خفت تداولها بكيمياء صفة الانتماء للدوار، بالموازاة مع حدوث تحولات سوسيولوجية شتى، نوعية وكمية ، في المجال القروي اليوم، ليس هنا مجال بسطها. وأما تداول( عروبي)للبسط والتفكه، فمن توابل الضحك المغربي المأثور
لقد انتصبت وحدة «الدوار « في المجال القروي المغربي ، فأضحى الإنتماء إليها ، بالاسم والصفة، محددا طاغيا على( الهوية) الترابية القروية..وقد تعززت هذه « الهوية « بـ(مقدم)= عون سلطة يعني.., خاص بدوار أو دوارين(حسب عدد السكان ربما…)، وبمدرسة قريبة تجمع أطفال دوار أو إثنين على الأكبر،(أما المستوصفات فمعضلة صحية مغربية عامة إذ نجد مستوصفا واحدا لأكثر من عشرة دواوير..)، وبمسجد خاص لصلاة الجمعة..، وبسرادق خاص للمٱتم والأعراس، وبدكان واحد لبيع التبغ..، وبفرقة محلية للهيت، حتى والهيت متشابه بين الدواوير..وبفريق لكرة القدم..هذه، وغيرها، علامات/مظاهر جرت وتجري بحكم ضغط عجلة الصيرورة حتى وهي بطيئة..
إنما الدوار هذا، يبدو وكأنه قدر سوسيوطبيعي منذور لكي يعيش طبيعته الترابية(المستقلة)الخاصة ، وكأنه وحدة ترابية اجتماعية (مكتفية)بذاتها ولذاتها..وحدة تسعف تجاهل الدولة المركزية وإجحافها في فلسفة سياساتها التنموية العمومية بالبادية المغربية..عدا الكهرباء..وهو على كل حال ، تجهيز مدى..وشبكة طرق معبدة كأهم إنجاز للجماعات الترابية القروية في البادية الغرباوية التي أعرف..وهي منطقة سهلية سهلة..وغنية فلاحيا..
وبالرغم من هذا الواقع المعيش البسيط، فللدوار شبكة بامتدادات وطنية تسمو على هشاشته الخاصة، بوظائف عمومية، صغيرة ومتوسطة وحتى كبيرة…في هذا السلك الوظيفي أو الإداري هنا وهناك..وبرموز بارزة أحيانا ، ولو نادرة، في مجال ما(رياضي أو فني أو ثقافي..) قد تلبي نداء الدوار بالحضور الشخصي..أو بفخر الانتماء إليه.. بهكذا واقع دواري(من الدوار)، وبغيره، يتوجب على النموذج التنموي المغربي المنشود أن يضع في تفكيره الاستراتيجي ، من أجل سياسة تنموية ملموسة مندمجة متوازنة وعادلة ، أن تنمية وحدة الدوار بقواعد لائقة عمرانيا واجتماعيا وخدماتيا وجماليا ، يجب أن تكون هي محك وخصيصة ورهان هذا النموذج التنموي المأمول من فاجعة الزلزال فصاعدا..إذ نحن اليوم «أمام إجبارية العودة إلى الدوار كوحدة أساسية في تكييف فلسفة السياسات العمومية» بتعبير الصحافي المقتدر المبدع عبد الحميد جماهري.
*جريدة «الاتحاد الاشتراكي»
ليومي 23/24 شتنبر2023 عدد 1255
«هوامش على آثار الحياة والموت» لسعيد بوخليط
أصدرت دار جبرا للنشر و التوزيع الأردنية، كتابا جديدا للباحث سعيد بوخليط ، تحت عنوان : هوامش على آثار الحياة والموت : كيف أرى الوجود؟
خمسون مقالة، شَغَلَت بياض عمل تأملِّي خالص قارب، حدود مائتي واثنتين وعشرين صفحة من القطع المتوسط.
نصوص تضمَّنت أساس فلسفة الكاتب نحو الوجود، وفق حَدَّيه الحياة والموت،ثم كيفية انتهائه إلى بلورة وجهات نظر ورؤى، بخصوص حياة الإنسان، موته، ما بعد موته،جدوى حياته، معنى موته، بأن ساءل ثانية من زاوية ذاتية، توخَّت التجرُّد عن الجاهز والمعياري ومختلف المرجعيات اليقينية:
الحياة، الجسد، الآخر، المكان، الزمان، الماضي، المستقبل، السرمدية، التفاؤل، التشاؤم، الفرد، المجتمع، الأجيال، الحرية، الخلود، الذاكرة، الخطأ، نوبات الدهر، الطارئ، المصير، الكوارث، التطلُّع نحو المرافئ الحياتية، العزلة، الانتماء، الاحتشاد، الإنجاب، اللا- إنجاب، السلالة، الأسرة، الارتياب، اللايقين، السمو، الضحالة، الحنين، الموقف، علاقات الآخر، الانطواء، الشفافية، الأقنعة، القبر، أشكال الحيوات، صيغة الميتات، المصير، القدر، الوجود/ الخطأ، الوجود/ الذاكرة، النسيان، الوحدة، التعدد…
جملة محاورات ذاتية،صاغت في نهاية المطاف بيانا شخصيا حول حكايات الحياة والموت، وما يدخل بينهما، ثم في خضمِّهِما.
يقول سعيد بوخليط :’’ أرسيتُ معالم هذا العمل التأمُّلي، ضمن سياق فترات متباعدة. انصبَّت هواجسه جملة وتفصيلا، حول أسئلة الوجود الحارقة والمؤرِقة، في خضمِّ الرافدين الكبيرين :الموت والحياة، ثم مابينهما. عندما ارتأيتُ، بأنَّها هواجس قد أخرجت نسبيا مافي جعبتها، واستوفت قليلا من نزوعها، قرَّرتُ ساعات معدودة قبل دَوِيِّ زلزال مراكش يوم الجمعة 8 سبتمبر على الساعة الحادية عشر ليلا وخمس دقائق، توثيق آخر مقالة وإنهاء صفحات الكتاب قصد التفكير في وجهة أخرى. وأنا بصدد تدبيج ماتبقى من أفكاري، بخصوص حيثيات الحياة والموت،حدثت بغتة أكبر هزَّة أرضية عرفها المغرب المعاصر، بكل تبعاتها المفجعة إنسانيا. اختبرتُ لحظتها الموت حقا.عاينتُ صراحة في ومضة بريق، جلُّ تضمينات هذا الكتاب››.