جديد الرواية المغربية : «رجال الدار البيضاء: (مرس السلطان)» لأحمد المديني

 

«كازا» كما لم تكتب بعد

 

من «بلاد نون»، حيث عمل أحمد المديني في عمله الروائي الأخير (2018) على كشف أساليب السلطة في تسيير وإخضاع المحكومين، المقصيين في الهامش، يتلهون بغيم الخرافة، يتلبسهم الخوف من عصا المخزن، يعود إلينا المديني من قلب المدينة الغول هذه المرة:
«إنها الدار البيضا، واسعة وعريضة».
الدار البيضاء برجالها «اولاد كازا الواعرين»، تيمة العمل الروائي الجديد للروائي والناقد والقاص أحمد المديني الذي اختار هذه المرة الغوص في ذاكرة المدينة، انطلاقا من بؤرة مركزية هي ساحة «مرس السلطان» بشوارعها ومقاهيها ووجوهها الكالحة والبشوشة.. بسحنات البدو القادمين من البوادي والهوامش بعوائدهم وثقافتهم.
نستعيد مع المديني، إذن، حماس شباب السبعينات، وأحلام الثورة على واقع لا مكان فيه للفقراء والعمال، اتحاد طلبة المغرب، الصدامات مع السلطة، الاغتيالات السياسية، الصراعات النقابية وما جاورها من انتهازية ووصولية.
من هذه البؤرة /الساحة، تتخلق وتنبري شخصيات الرواية والأحداث والوقائع والأماكن، يتموج الزمن بين واقعي وتخييلي، يتداخل، يتمدد، يتراجع، يقفز الى الأمام، فيما الكاتب يمسك بزمام عقاربه بحنكة روائي تمرس طويلا في الكتابة.
«رجال الدار البيضاء: مرس السلطان» الصادرة هذا الأسبوع عن المركز الثقافي للكتاب في طبعتها الأولى(2021)، رواية اختارت الواقعية المجنحة في الخيال لتعرية وجوه السلطة التي وإن تعددت صورها، فإنها توحدت في قسوتها ووحشيتها تجاه كل الحالمين بالتغيير.
يقودنا أحمد المديني هذه المرة، معصوبي العينين، إلى ظلمات الكوربيس، إلى مخافر الشرطة ، إلى مضايقات الصحافة، نعبر معه أزقة مرس السلطان، «مصطفى المعاني»، «زنقة أكادير».. ، متوجسين، قلقين، نعبر فوق جمر المرحلة متحسسين رؤوسنا، ندخل معه مخافر السبعينات ونخضع لجلسات «سين وجيم»، ننقل حدقاتنا بين العابرين والجالسين في «براسري مدام غيران».. نعرج على «الباطوار» لنتوه وسط «تكتكة» آلات الطبع في انتظار الإذن بطبع «الجريدة» أو منع صدورها..
في كلمة للناشر عن الرواية يقول:
«هي الدار البيضاء، كما لم تكتب بعد، في زمن الاحتقان والجيل المترع بالآمال.
بحثا عن مصير جماعي وملاذ فردي، في آن، من بؤرة مركزية، ساحة (مرس السلطان) الشهيرة فيها، وبوصلة زمنها الحار، بدءا من السبعينيات، انطلقت منها الشرارات مدوية بالرعود، متوهجة بالوعود، بإرادة وأحلام رجال لهم أسماء وشهداء وألف نداء وأهواء، وامتداد حتى عهود الرماد. واقع جمر تقبض عليه في هذه الرواية الواقعية جدا، كأنك تعيشه، وآخر خيالي يقمطه ويغذيه، تحلق فوقه وقدماك مغروستان في الأرض.
هكذا ستحملك رواية أحمد المديني الجديدة بين أديم وسماء، واقع وخيال، يتداخلان ويتحاوران في معمار متماسك، وخط سردي متعرج، ذهابا وإيابا بين المعيش ونشاط الذاكرة، العين والإحساس، فهي كتابة بصرية واستبطانية، توثيقية وتخييلية، جماع تجربة طويلة لروائي دأبه التجديد، ومشهود له بأعمال تقع اليوم في قلب الرواية العربية المعاصرة».
نقرأ من الرواية:
«ستعبر أرتال السيارات في هذه الساعة ثم يأخذ السير يخف تدريجيا، والموظفون والسابلة يعودون إلى بيوتهم. هيا، كل واحد يمشي لداره، كالنمل يدخل مساكنه، يفسحون لليل كي يأخذ حقه، ولأصحابه أن ينالوا حظهم. في كل المدن، في الدار البيضاء خصوصا، عيشان وعالمان، في قلبهما شعبان، واحد للنهار، وصخبه وكسبه وحوادثه وزمجراته، والثاني، هو الفسيح، الهادئ، الساحر، بيت الأسرار ، وملتقى الرفقة والأحباب، ومجلس السرور ومخادع الحبور، ويفضي الى الخفي ، الحفي والمجهول، حين ييأس الخلق من أنفسهم وكل شيء، يزورهم الحلم، فيؤنس الوحيد، ويواسي المكاوم، يؤجل قليلا عالم النهار، نهار الدار البيضاء في قلبه (مرس السلطان)، إذ يهجم بالحقيقة الفاضحة».ص95
«أنت تستغرب لغتنا الغامضة. نحن نسميها الغوص، كل الناس تقريبا يستعملونها، لكل جماعة غوصها، بينما أنت تسكن في لغة الصمت. تعلمناها وراء القضبان، الزنزانة مدرسة ذات أبجدية خاصة، إذا احتوتك تدفعك عنوة لتعلم لغتها، فتسري على لسانك بيسر وسلاسة تستغرب لها أنت نفسك، تعوض لسانك السابق لئلا يبقى غير عضلة داخل فمك تصلح للتذوق فقط. ليس في عالم الزنازن ما تتذوقه اللهم طعم المرارة، طبعا هذا إحساسي. حذار أن يتسرب إلى روحك كثير منه وإلا وجدته علقما، وسيقتلك عندئذ بجرعات قليلة، وهي جاهزة، متوصلة» ص105.


الكاتب : تقديم: حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 08/01/2021