جرة قلم : ألوان…!

في غرفة بأحد المستشفيات يطلق رضيعا صرخته الأولى، ويخرج إلى العالم خائفا متوجسا ومستكشفا…
في الغرفة المجاورة يفارق أحدهم الحياة، ويودعها بعد اكتفى من الخوف والتوجس والاستكشاف…
زوجان يوقعان الميثاق الغليظ وعقد الترابط الشرعي، فيما يفسخ آخران، في ذات اللحظة، اتفاقية الشراكة الزوجية ويعيشان القرار كلحظة تحرر مستحقة…
هنا سجين يتوج بحصوله على شهادة قرر من خلالها فتح بوابة الأمل، وهناك رفيقه الذي لا يزال يتوسط الزقاق الشعبي يداول الأيام ويرتشف الضياع جرعة تلو أخرى … يلعن الحياة ويتأفف… ؛
هي الحياة…
الحياة المتباينة أطوارها تشعل لهيب الفرحة أحيانا وتغلق أبواب الجنة أمامنا في أحيان أخر…
هي الحياة حلوها مرٌ ومرها حلو وجمالها في تذوق الاثنين معا؛
كالقهوة العربية والتي لا يُستشعر مذاقها الآسر إلا بطعم المرار فيها… كتخطيط القلب الذي يأبى الاستقرار وإلا فالموت يلوح في الأفق… كالليل الذي يسبق النهار، مبلسما للأرواح، مجهزا إياها للغد المشرق… كالساعة التي تنبض عقاربها وتلمس رمح السعادة والعذاب، رمح الأمل والألم…
كأفكارنا، كنفسياتنا، كرغباتنا وأحلامنا… تشبهنا الحياة كثيرا، تشبه ذرات الشح فينا والكرم، تشبه ما يميزنا من اختلال وتوازن…!
ثم نتذمر!!
نتذمر حين يصيبنا مكروه ما، نشتكي ونتجهم، نكاد ننسى أن الحياة نسخة مطابقة لنا في صورة أشد شساعة، تفعل كما نحن نفعل ولا تعكس إلا ما تخزنه دواخلنا من مد وجزر، يتغير لونها حسب الفصول والوضعيات التي نعيش، وتسافر وإيانا على متن سفينة القدر، لنحط الرحال بجزيرة ترضينا تفاصيلها تارة، وتشعرنا باليأس تارة أخرى…

فقط الرضا، وحده القادر على تزيين المشهد في أعيننا، وعلى جعلنا نطمئن للقادم دون أن نضيع اللحظات الآنية… هو وحده الذي يُمَكننا من ارتشاف الجمال بقلب سليم مستسلم… ومن استيعاب حركة التخطيط التي تستوجب الحركة وإلا فلا حياة…
وحده الذي يريح الفؤاد ويبعث السكينة، يحثنا على الصبر ويلون الأفق أمامنا، ويدفعنا لاستيعاب الحقيقة، أن الغد صخب من الألوان ولا لون قار له…


الكاتب : مريم كرودي

  

بتاريخ : 12/10/2022