جليل بناني يتحدث عن علاقة الجن و التحليل النفسي والمرض في المغرب من خلال كتاب جديد

صدر مؤخرا للكاتب والمحلل النفسي، جليل بناني، كتاب جديد تحت عنوان «من الجن إلى التحليل النفسي: مقاربات جديدة للممارسات التقليدية والحديثة». في هذا الحوار، يجيب بناني عن خمسة أسئلة لوكالة المغرب العربي للأنباء حول محتوى هذا العمل الذي يسلط الضوء على أثر المعتقدات التقليدية على الفرد، وإسهام الطب العربي، وكذا على الطب النفسي خلال الفترة الكولونيالية وما بعدها.

 لماذا هذا الكتاب؟

هذا الكتاب هو ثمرة مسار طويل. تابعت تكويني في فرنسا، وأوليت بشكل تدريجي الاهتمام لوقع الثقافة واللغة على بلوة النظريات والمفاهيم والتصنيفات. وتمثل الهدف من بحث في ضرورة الأخذ بعين الاعتبار لمختلف الممارسات التي تميز مسار المرضى وكلامهم. إنهم يقدمون خطابات تجمع بين الشكاوى والمعاناة والمعتقدات الدينية وتلك المتعلق بالسحر، من جهة، والخطاب العلمي من جهة أخرى.
هذه المعتقدات لا يتم التعبير عنها كما هي، وإنما يمكن أن تصدر في لحظة أو أخرى في أحاديثهم بشكل واع ومفكر فيه، أو بشكل لاواع وبشكل غير متوقع. وهذا هو مجال اهتمام التحليل النفسي الذي يمكن المريض من الوعي بحقيقة كونه لم يتحرر بعد من التقاليد المندغمة في دواخله. فالمقاربة القائمة على التحليل النفسي تمكن من الكشف عن آثار وتأثيرات العادات.

 لماذا وظفت في عنوان الكتاب عبارتي «الجن» و»التحليل النفسي»، وهما عبارتان متناقضان تحيل إحداهما على مجال غيبي والأخرى على المجال العلمي؟

بالنسبة لي، لا يتعلق الأمر بوضعهما في موقف تناقض وإنما في موضع تمفصل. فطيلة مسار تطور العلاجات، عاينا ممارسات تقليدية تنهل من السحر والشعوذة والدين، ثم ممارسات منطقية علمية ووصفات للأدوية الطبية وعلاجات عن طريق التفريغ بالحديث.
ويمكن أن نورد هنا الطب العربي الذي ساهم في تطوير التفكير العلمي والملاحظة والمحافظة على الصحة. فقد كان هذا الطب حاضرا بالمغرب في أولى المؤسسات العلاجية للقرنين الثاني عشر والرابع عشر، أو ما يسمى بالماريستان، وكافح الممارسات المرتبطة بالسحر والشعوذة. ثم حل بعد ذلك الطب النفسي الأوروبي في القرن الثامن عشر، وبعده التحليل النفسي في القرن العشرين.
كل هذا التطور، الذي استعرضناه باختصار، يكتسي أهمية كبرى لنقول إن العلم يظل في حركية مستمرة.

 هل تضطلع أضرحة الأولياء في بعض الأحيان بدور في شفاء الفرد المصاب باضطرابات نفسية؟

في واقع الأمر، تعد الأضرحة مكانا للابتهال والاستشفاء بالنسبة لكثيرين. يتم الذهاب إلى «السيد» للإقامة بجوار ضريحه وتلقي بركته ودعواته وإيجاد علاج لاضطرابات ومشاكل متعددة سواء تعلق الأمر بأزمات عصابية أو آلام أو عجز جنسي أو عقم أو غيرها.
والحضور الروحي والانضواء تحت سلطة الولي يفعلان فعلهما في جميع من يتوجهون له طلبا للانفراج أو لإيجاد حلول لمشاكلهم أو تحقيق الشفاء المؤقت أو الدائم دون أن يعني ذلك التخلص من جميع أشكال المعاناة.
لكن مصطلح «التشافي» هنا لا ينطوي على المعنى نفسه المتعارف عليه في مجال الطب. إذ لا يمكن أن يكون سوى حالة عابرة أو يتطور إلى حالة جديدة يجد فيها الفرد توازنا جديدا. أضيف هنا أنه توجد على مستوى بعض الأضرحة ممارسات مخصصة لمواكبة من يوصف بأنه ممسوس بقوى فوق-طبيعية تسكن روحه.

هل يجب اعتماد منهج علمي جديد يربط الممارسات التقليدية بعلاج عن طريق التحليل النفسي؟

صحيح أن المعتقدات ترتبط بالممارسات الشعبية، لكنه لا يتم إغفال علاقتها بالطب، وبالعلاج النفسي والتحليل النفسي. فالمعتقدات ظلت مرتبطة بالعلم سواء بالنسبة للطبيب أو الطبيب النفسي أو المحلل النفسي أو الأخصائي النفسي.
العلاقة التي تربط الممارس بالمريض تتحدد بما يمكن أن نسميه عمل «النقل». هذا النقل يتم في جميع الحالات التي توجد فيها علاقة سلطة، مثل تلك التي تتم بين أستاذ وتلميذه. لكن على مستوى التحليل النفسي وحده تتم بلورة نظرية بشأنها وتوظيفها لإحراز تقدم على مستوى العلاجات من خلال استهداف العمليات اللاواعية المرفوضة. نحلل ما يرويه المرضي لمعالجه وما يعيشه وما يشعر به. وهو ما يعني الانتقال من وضعيات غير منطقية إلى تأويلات منطقية. وهذا يبرز من خلال انتقال المريض من فضاء تقليدي إلى مكان يعتمد المقاربة العلمية. وفي واقع الأمر، لطالما وقفت على انتقال للمعتقدات التي يمكن أن تهم قدرات ولي ما نحو المعالج النفسي الذي يشتغل بالمعرفة العلمية. فهذا الانتقال، وهذه الحركة وهذا التمفصل هو ما يمكن أن يؤسس لمنهج جديد بين الممارستين.

 كيف تقيمون التكفل بالاضطرابات النفسية في المغرب اليوم؟

التكفل بالاضطرابات النفسية بالمغرب يهيمن عليه إدراج الوصفات الطبية التي تمليها تصنيفات مختلف الأمراض. وهي وصفات تبدو ضرورية في بعض منها، وهذا هو الحال بالنسبة للفصام على سبيل المثال، لكن الأمر لا يكون كذلك على الدوام.
فبالنسبة لحالات القلق والرهاب والوساوس والاكتئاب، تظل الوصفات الطبية غير كافية ودون مفعول في بعض الأحيان. وفي هذه الحالات من المناسب بالنسبة المرضى أن يتوجهوا نحو محلل نفسي أو أخصائي نفسي إلى جانب استعمال الأدوية أو عدم استعمالها.
ومع ذلك، ففي بلادنا، يظل أخذ الممارسات التقليدية في الاعتبار ضعيفا بل وغائبا للأسف. إن ممارسي التحليل النفسي لا يجهلون هذه الممارسات، لكنه لا يتم توظيفها إلا نادرا في عمليات بلورة المفاهيم وعمليات التفكير النظرية من طرف مهني الصحة النفسية. بل نجدها في المقابل في الدراسات الانتروبولوجية التي يمكن أن تغني أعمال الأطباء النفسيين والمحللين النفسيين.


الكاتب : أجرت الحوار: صوفيا العوني

  

بتاريخ : 12/05/2022