يستغرب المتتبع للشأن الاجتماعي في عالمنا القروي بعض ملامح التراجع غير المبرر عن بعض ما سبق أن تم تحقيقه في الماضي البعيد، خاصة عندما يتعلق الأمر بتقريب مصالح الإدارة ، بكافة أصنافها ، من المواطنين. أشرت في تحقيق سابق إلى أن دائرة إيغرم إقليم تارودانت، تشرف على أربع قيادات وست عشرة جماعة قروية وبلدية واحدة، أغلبية دواوير هذه الجماعات لا تتوفر على «شريان الحياة» المعبر عنها بالطرق.
هذه الدائرة كانت تتوفر على مركز القاضي المقيم بإيغرم التابع للمحكمة الابتدائية بتارودانت فور إحداثها بعد الحصول على الاستقلال، كانت الجلسات تعقد مرة أو مرتين إلى ثلاث في الأسبوع ، يقوم القاضي أثناءها بحل ما يمكن حله من النزاعات القابلة للصلح ويتم إرسال من لديهم قضايا معقدة إلى ابتدائية تارودانت فالاستئناف بأكادير.
مركز القاضي المقيم بإيغرم كانت تعرض عليه قضايا المرأة المعنفة أو الرجل المعتدى عليه أثناء الترامي على ملك الغير، وتلك التي تخص الزواج والطلاق وما يتعلق بشؤون الأسرة … وكان الموظفون من كاتب الضبط وغيره والقاضي المقيم، يتواجدون باستمرار، لكن تم إغلاق البناية في التسعينات في سياق الحديث عن «التخطيط لتقريب الإدارة من المواطنين» ، غير أن الواقع المعيش يشهد بعكس ذلك ، إذ تم إبعاد الإدارة من قاطني جماعات الدائرة، حيث أصبح على القروي الفقير فقرا مدقعا، أن يبيع ملابسه وفراش نومه وبقرته – إن كانت لديه بقرة – لتوفير مصاريف التنقل من أعلى الجبل إلى المحكمة الابتدائية بتارودانت، وهذا يعني الكراء في أحد الفنادق الشعبية غير المصنفة، وطبعا سيطالب بالعودة إلى جلسة ثانية فثالثة … ثم الاستئناف من هذا الطرف أو ذاك إلى أكادير. وعلى ذكر محكمة الاستئناف، فإقليم تارودانت الشاسع ب 89 جماعة 82 منها قروية وسبع بلديات، لا يتوفر بعد على محكمة الاستئناف ؟
المواطنون في دائرة إيغرم يطمحون إلى إعادة «فتح مركز القاضي المقيم» و»قاضي القرب» إلى ملحقة المحكمة الابتدائية بإيغرم ، خاصة و أن هناك بنايتين مغلقتين تنتظران «استئناف الخدمة»، في وقت نحن بحاجة ماسة إلى تقديم المساعدة للمرأة القروية التي تعاني من الهشاشة، والتي أحيانا يتم تطليقها وتعنيفها لأتفه الأسباب وكأنها غير معنية بمستجدات مدونة الأسرة ، مع العلم أنها لا تملك «لغة الأرقام» للتنقل إلى تارودانت وأكاديــــر .
في سياق المعاناة دائما، يضطر سكان دواوير جماعات المنطقة إلى شد الرحال صوب الوكالة التابعة للمكتب الوطني للكهرباء بإيغرم لأداء فاتورة ما استهلكوه من الكهرباء، وكثيرا ما تكون مصاريف التنقل تضاعف فاتورة الكهرباء ثلاث مرات؟ والسؤال الذي يطرحه متتبعو الشأن المحلي بالمنطقة: لماذا لا ترسل الفاتورات إلى كل جماعة وتعيين من يتولى استخلاصها بالمقابل طبعا ، أو انتقال موظف الوكالة بسيارته إلى هذه الجماعة أو تلك؟