بفعل ارتباطي الطويل ب «معاناة» العالم القروي بإقليم تارودانت منذ بداية السبعينات وإلى الآن ، ترسخت لدي القناعة بكون العالم القروي بصفة عامة وإقليم تارودانت بصفة خاصة، تواجهه إكراهات عديدة في المجالين التعليمي والصحي، مما يساهم في الهجرة الكلية بعد الجزئية إلى المدن الكبيرة كالدار البيضاء والصغيرة كأيت يعزة وتارودانت لضمان الدراسة لأبنائهم.
للتذكير فمنذ التقسيم الجماعي لسنة 1992 والجماعات القروية الثلاث: «جماعة والقاضي، جماعة النحيت ،جماعة تيسفان»، تطالب المسؤولين بواسطة دورات عادية واستثنائية ومراسلات عادية إلى العمالة وإلى نيابة التعليم بإقليم تارودانت، ببناء إعدادية وداخلية لأبناء وبنات ساكنة هذه الجماعات، خاصة وجماعة النحيت ومنذ خمس سنوات تتوفر على المدرسة الجماعاتية، كما تتوفر على النقل المدرسي لمائتين وسبعين تلميذا وتلميذة .كما تتوفر جماعة والقاضي وجماعة تيسفان على نفس العدد فأكثر لكل منهما، مع العلم بأن أحد المحسنين من جماعة والقاضي منح هكتارين من ملكه الخاص كوعاء عقاري وحفظها وسلمها لمندوبية التعليم بتارودانت إلى جانب رؤساء الجماعات الذين عقدوا شراكة مع المدير الإقليمي للتعليم وتكونت لجنة سداسية مساعدة تقوم بالاتصال بالمسؤولين في النيابة وفي العمالة وفي الأكاديمية بأكادير منذ بداية 2015 وإلى الآن علما بأن المطالبة بإعدادية وداخلية تعود لسنة 1993. كما سبق أن نشرنا تحقيقات عن «إيغرم» أوضحنا فيها أن إعدادية / ثانوية الأرك لا تستطيع استيعاب تلامذة ست عشرة جماعة قروية وبلدية واحدة هي بلدية إيغرم، وهذه الأخيرة تعاني أزمة مائية خانقة ، حيث لا يتوفر الماء الشروب في الصنابير سوى ساعة واحدة للساكنة وكذا لخمسمائة تلميذ وتلميذة يوميا بداخليتها، ورغم أن المسؤولين وقفوا على هذا الخصاص الحاد في مادة حيوية كالماء ، فقد أعطوا الانطلاقة في السنة الماضية لبناء ثلاث دور الطالب، وذلك للحاصلين على المنح بمعدل أقل من واحد في المائة من المستحقين لها غير الممنوحين من الذكور، والذين «يكدسون» في الخيرية التي لا تتوفر على أدنى الشروط المادية والمعنوية المساعدة على متابعة التحصيل الدراسي، لتكون النتيجة أن قلة قليلة هي التي تتمكن من» الصمود» في وقت تغادرها الأغلبية قبل منتصف السنة الدراسية، ما يعني استمرار الهدر المدرسي ؟
في السياق ذاته ، للسنة الخامسة على التوالي، واصل سكان جماعة النحيت التحرك من أجل جمع المنح، بشكل تطوعي، من خلال مواقع التواصل الاجتماعية ، لإنقاذ بناتهم من التشرد، وقد تم دفعها برسم السنة الدراسية الحالية بإعدادية أكادير الكبير بمدينة أيت ملول، لتفتح أبوابها لخمس وثلاثين تلميذة، حيث توفرت الدراسة والداخلية، وقد تعاطت إدارة المؤسسة والداخلية وطاقم التدريس إيجابا مع هذه الخطوة وأبدى الجميع تضامنه، دون نسيان المداومين من المحسنين ممن يقومون بدفع المنح نيابة عن الدولة وعن وزارة التربية الوطنية، هذا إلى جانب مجهودات جمعية التمدرس التي وفرت النقل لهن من منازلهن إلى أيت ملول، في بداية السنة ونهايتها وفي كل عطلة، كما تقوم بالمراقبة المستمرة.
يحدث كل هذا ، رغم عقد الشراكة المشار إليها الموقعة سنة 2015 بين الجماعات الثلاث: «و القاضي، النحيت، تيسفان» مع نيابة التعليم بتارودانت ، من أجل إنقاذ مئات اليافعين من معاناة خيرية إيغرم ومساعدة الأسر، التي هاجرت مرغمة إلى تارودانت وأيت ايعزة أوالدار البيضاء ،على العودة بعد الاطمئنان على أبنائها ، ورغم أن الأطراف المعنية سبق أن عقدت اجتماعات مع عامل الإقليم وداخل مكتب المدير الإقليمي بتارودانت وداخل مكتب مدير الأكاديمية بأكادير، ورغم وجود روافد من الجماعات المجاورة «أبناء جماعة امي نتيرت، أبناء جماعة أضار، أبناء جماعة سيدي احمد اوعبد الله»، فلايزال نصيب أبناء الجماعات الثلاث المشار إليها مجرد وعود تتوالى كل سنة؟
في سياق معاناة المنطقة على مستوى قطاعات حيوية أخرى ، نشير لوضعية القطاع الصحي ، فقد تم تعيين طبيب في المركز الصحي لجماعة النحيت، لكن فوجئ السكان بإرساله إلى ناحية أخرى» تلبية لطلب فلان وفرتلان ممن يملكون نفوذا واسعا»، يقول عدد من أبناء المنطقة ، مضيفين « إنها ليست المرة الأولى، بل هي المرة الرابعة التي تضرب فيها مصالح السكان عرض الحائط ، دون اكتراث بمطالبهم المشروعة في ما يخص توفير الحد الأدنى من شروط التطبيب والعلاج » ؟
جماعات « والقاضي ، النحيت ، تيسفان » بتارودانت: إكراهات «تعليمية» متعددة والسكان يكتتبون لجمع المنح لأبنائهم
الكاتب : محمد مستاوي
بتاريخ : 26/09/2018