تخوض النقابة الوطنية للتعليم العالي إضرابا وطنيا يومي 29 و30 ماي 2019، بعد ان استنفدَت إمكانية الحوار المنتج مع الوزارة. جريدة «الاتحاد الاشتراكي»، التقت جمال الصباني الكاتب العام للقابة الوطنية للتعليم العالي، وأجرت معه هذا الحوار، للتدقيق في أسباب ودواعي هذا الإضراب الوطني الذي يتزامن مع نهاية الموسم الجامعي، ثم للتعرف أكثر على الملف المطبي للنقابة ونقط الخلاف مع الوزارة في ذلك.
– ما هي الأسباب التي أدت إلى دعوة النقابة الوطنية للتعليم العالي إلى إضراب وطني يومي 29 و30 ماي 2019؟
– إذا أردنا تلخيص ما وقع، فيمكنني أن أقول إن بعد مسلسل طويل من الحوار مع الوزارة الوصية، انطلق منذ أول لقاء للمكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي مع سعيد أمزازي وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي يوم الخميس 26 يوليوز 2018، مرورا بأشغال اللجنة المشتركة الخاصة بالملف المطلبي خلال شهر أكتوبر ونوفمبر ودجنبر 2018، ثم اللقاء مع الوزير ليوم الجمعة 15 فبراير ويوم الثلاثاء 14 ماي 2019، اقتنعنا في المكتب الوطني، بأن لدى الحكومة إرادة حقيقية لربح الوقت، والتملص من الالتزامات والوعود.
إن الحوار الجاد والمسؤول، هو الذي يفضي إلى توافق واتفاق تعمل الحكومة على ترجمته إلى إجراءات ملموسة على شكل مشاريع قوانين أو مشاريع مراسيم، لكن نحن أمام وضعية غير طبيعية منذ يناير 2012، حيث أصبحنا أمام طريقة جديدة في تدبير الحوار، طريقة لا تؤدي فيها الحوارات إلى نتائج ملموسة، رغم الاتفاقات ورغم البلاغات المشتركة.
منذ يناير 2012 وقعت النقابة الوطنية للتعليم العالي، عدة بلاغات مشتركة، وكل هذه البلاغات المشتركة تعتبر اتفاقا مع الحكومة، وبالتالي كان من المفروض المرور إلى أجرأتها أو على الأقل أجرأةِ جزء كبير منها.
– ما هي النقط الأساسية في الملف المطلبي للأساتذة الباحثين والنقابة الوطنية للتعليم العالي؟
– كما في علمكم، بالإضافة إلى الأهداف الاستراتيجية التي تناضل النقابة الوطنية للتعليم العالي، قصد بلوغها، والمتمثلة في توحيد جميع مؤسسات التعليم العالي داخل الجامعة وإعطائه الإمكانات المادية والبشرية وفق المعايير الكونية ودمقرطة واستقلالية التسيير،تتم بلورة الملف المطلبي للنقابة في المؤتمرات المتتالية للنقابة باعتبارها أعلى هيئة تقريرية، ويشكل بذلك برنامج عمل آني لأجهزتها التنفيذية. إذن بعد المؤتمر الحادي عشر، الذي عقدته النقابة في أبريل 2018 اشتمل الملف المطلبي على عدة نقط، ضمنها ثلاثُ نقط حصل فيها الاتفاق مع الوزارة الوصية منذ يناير 2012 كما تشهد على ذلك البلاغات المشتركة بين النقابة والوزارة. فهكذا وقع المكتب الوطني بلاغا مشتركا في 25 يناير وبلاغا مشتركا في 12 مارس 2013 مع لحسن الداودي وزير التعليم العالي آنذاك، وبلاغا مشتركا بتاريخ 13 أكتوبر 2017 مع محمد حصاد وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي وقتئذ ، وأخيرا بلاغا مشتركا مع سعيد أمزازي وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي بتاريخ 28 مارس 2018. وتتضمن كل هذه البلاغات المشتركة مع القطاع الوصي النقط الثلاثَ، وهي:
مراجعة بعض بنود القانون 01.00
وضع نظام أساسي جديد للأساتذة الباحثين
معالجة بعض النقاط العالقة في الملف المطلبي
– لماذا مراجعة القانون 00-01 وما الهدف من ذلك؟
– تهدف مراجعة بعض بنود القانون 00-01، إلى المساهمة في إصلاح منظومة التعليم العالي، باعتبار القانون 00-01 الإطارَ الذي يحدد مهام منظومة التعليم العالي وأهدافها وحكامتها وكيفية اشتغالها. مراجعة بعض البنود لهذا القانون كانت مطلبا لنقابتنا، لكن منذ الدستور الجديد لسنة 2011 أصبحت هذه المراجعة تفرض نفسها من أجل ملاءمة هذا القانون بالمقتضيات الجديدة للدستور. وبالفعل، تم فتح هذا الورش مباشرة بعد يوليوز 2011 من طرف وزير التعليم العالي ذ. اخشيشن آنذاك، ومنذ ذلك الوقت والنقابة الوطنية للتعليم العالي تطالب باستئناف الحوار حول هذه المراجعة قصد الانتهاء منها في أقرب الآجال.
– ماهو تصوركم لأهم التعديلات من أجل إصلاح المنظومة؟
– في النقابة الوطنية للتعليم العالي، نعتبر أن المدخل الوحيد لأي إصلاح جدي، هو توحيد التعليم العالي في جامعة موحدة المعايير و متعددة التخصصات، كما نعتبر أن إبقاء المعرفة في المجال العام شرط أساسي لإنتاجها، وبالتالي شرط أساسي لتقدم البلاد، كذلك نعتبر أن استقلالية المعرفة شرط أساسي للمحافظة على مسافة نقدية بالنسبة للمجتمع وللسلطات المختلفة ، لأن هذه الاستقلالية ،هي الضامن لدمقرطة المؤسسات، و نعتبر أيضا أن الربط الجوهري بين التكوين والبحث العلمي، هو الذي يضمن نقل معرفة نقدية تمكننا من بناء المجتمع الحداثي. وأخيرا نعتبر ولوج التعليم العالي لكل المواطنين، وفق الآليات والضوابط العلمية، شرطا ضروريا لتحقيق العدالة الاجتماعية.
– ما هي الإشكالات الكبرى،التي تعوق التطور والتقدم بالقطاع؟
– الإشكالية الكبرى في منظومة التعليم العالي، تكمن في عدم احتكار الجامعة العمومية لمهامها الطبيعية والمتمثلة في تكوين النخب وإنتاج المعرفة خلافا للتجارب الناجحة للدول النامية. من وجهة النظر النقابية تتمثل ‹›الخطيئة الأصلية›› والقاتلة في ‹›البلقنة›› التي عرفها التعليم العالي منذ منتصف الستينات، وأدت إلى الفصل بين مؤسسات تابعة للجامعة ومؤسسات غير تابعة للجامعة، مؤسسات ذات استقطاب محدود تلقن معرفة مهنية صرفة حرمت من البحث العلمي، ومؤسسات ذات استقطاب مفتوح تلقن معرفة أكاديمية صرفة بإمكانات دون الحد الأدنى الضروري لبحث علمي جدي. بعد هذا التقسيم في الفضاء التعليمي إلى جزء داخل الجامعة وجزء خارجها، جاء في الثمانينات تقسيم الزمن التعليمي إلى تعليم باللغة العربية قبل الباكالوريا و تعليم باللغة الفرنسية بعد الباكالوريا. ثم ظهر تقسيم جديد، منذ منتصف التسعينات، بين مؤسسات مؤدى عنها وأخرى غير مؤدى عنها. فالمؤسسات المؤدى عنها تستفيد من الدعم العمومي ومن شروط للترخيص أقل بكثير من الشروط المفروضة على المؤسسات والجامعات العمومية. هذه الإزدواجية بين مؤسسات مؤدى عنها وأخرى غير مؤدى عنها، ستؤدي إلى تعليم عالي بسرعات مختلفة ضدا على مبدأ تكافؤ الفرص المنصوص عليه دستوريا. تُعتبر إذن هذه الوضعية التي يعرفها التعليم العالي والتي تتميز بشتات وبلقنة، أهمَّ عائق في وجه أي إصلاح حقيقي.
– نظام أساسي جديد للأساتذة الباحثين، لماذا هذا المطلب؟
– أولا لأن النظام الأساسي الحالي يرجع إلى فبراير 1997، أي أكثر من 22 سنة! ثانيا، مباشرة بعد صدوره في الجريدة الرسمية ظهرت عدة اختلالات جراء نقل الأساتذة الباحثين من النظام الأساسي القديم إلى النظام الجديد. ورغم معالجة البعض منها مازالت، و إلى يومنا هذا، هيئة الأساتذة الباحثين تعاني من عدة أشكال من الحيف. مع مرور الوقت، اتضح بالملموس أن النظام الأساسي الجديد يعتبر عائقا في بداية وأثناء وفي نهاية المسار المهني. في البداية، هناك مدخل وحيد إلى المنظومة مفتوح في وجه الدكاترة، مما يجعل هذا النظام لا يُمَكن من الاستفادة من أي تجربة أو أقدمية سابقة لولوج هذا النظام. هنالك عائق آخر أثناء المسار المهني، حيث إن الفارق بين أستاذ التعليم العالي مساعد وأستاذ مؤهل هزيل وبالتالي غير محفز. أخيرا هناك الانحباس الحاصل في نهاية المسار المهني.
هذه باختصار شديد بعض الجوانب من محدودية النظام الحالي. لكن أهم نقطة، هي كون هذا النظام الذي عمر لما يقرب من ربع قرن، والذي لم تتم مراجعة تعويضاته منذ عقدين، أفقد هذه المهنة الجاذبية الضرورية للكفاءات، وبالتالي أصبح عائقا آخر لإصلاح المنظومة.
– ما هي النقاط العالقة في ملفكم المطلبي؟
– هناك إشكالية التفاوت في الأقدمية، والانحباس في الترقي الذي يتجاوز 20 سنة في بعض الأحيان، وترقية الأساتذة الباحثين المسؤولين والملحقين المجمدة منذ 2013، والتعثر الحاصل في الترقية العادية للأساتذة حيث مازالت حالات مجمدة منذ 2015، …