جمهور الشعر قلة هائلة

 

هكذا قال» خوان رامون خمينيث»: « جمهور الشعر قلَّة هائلة» وهو المدرك لقيمة الشعر وحضوره في الوجدان الإنساني، الشعر حالة إنسانية بامتياز لأنه يعكس بجدارة قلق الإنسان على هذه الأرض ويستشرف المستقبل ويرسخ الحلم والأمل مادام ينتصر دوما لقيم العدل والعقل والجمال،لأجل هذه الاستعارات أجمع الشعراء  منذ الأزل والآن في القارات الخمس على استمرار  جمرة القصيدة  الحارقة.
« جمهور الشعر قلَّة هائلة»على ما يبدو، وهناك من ربط مصير الشعر باقتصاديات السوق  واستيهامات العولمة وأعلن أن الشعر بضاعة كاسدة.وكأنه يزج بالشعر في سوق البورصة وتقلباتها، وجبن اللاإحساس الذي يعانيه الرأسمال ومريدوه من رموز الليبيرالية المتوحشة، فهو بلا قلب في كل الأحوال ولا يحتاج لخفقان، والشعر كان ولا يزال وسيظل أساسه وأفقه القلب والخفقان .
حنا مينة  الروائي السوري منذ ربع قرن من الزمن أو أكثر اعتبر أن الرواية الآن هي ديوان العرب، قالها استنادا إلى اتساع كتاب وقراء هذا الجنس الأدبي المستحدث في الحقل الإبداعي العربي ، لكن هذا القول لم يلغ ريادة الشعر وسيادته واحتلاله مكانة الصدارة.
شئنا أم أبينا لا يزال للشعر آذان صاغية  تحتفي بالاستماع إليه  والاستمتاع به لترقص الروح على تقاطعات مبناه ومعناه،لا يزال الشعر قادرا على السحر ولا يزال جذابا حد اللامتناهي مادام مفعما بعمق  صدق الإحساس.
أستغرب كيف يمكن للشعر هذا الصوت العميق الآتي من جذور ووجدان الناس  الضارب في التاريخ  والوجود وتعدد أرخبيلات الجغرافيا أن يخضع لمنطق الربح والخسارة،أن يصبح هكذا ودفعة واحدة تجارة..!
الناشر/ المنشار- ليس كل ناشر على أية حال- الذي لا يملك أي أفق- ربما لأنه لا يحتاج  إليه أساسا- أو حس ثقافي أو معرفي أول ضحاياه هو الشعر. باقي أجناس الادب وأشكال الكتابة والتعبير هي الأخرى لا تسلم من عقليته  الاختزالية والتجارية.
بالتجربة اكتشفت أكاذيب بعض دور النشر التي قالت أنها لا تنشر الشعر،اتضح لي فيما بعد انها تنشر دواوين شعرية بمقابل مادي، هذه التجربة الصادمة عشتها مع أكثر من دار للنشر ، مثل هذه الدور للنشر مقابل مبالغ مالية تستطيع أن تنشر كتبا تحريفية  في التاريخ والجغرافية والشريعة والموت والحياة،كتب عن الدجل والشعوذة والرياء فالأمر عندها سيان…
وإذا كان واقع الحال صادما الى هذا الحال وأكثر ما الذي بقي للشاعر أن يقوله..؟!
يبقى ما قاله شيللير مرة :»الشعراء يحطمون إضراب التاريخ»
وما قاله هولدلرين في مرة أخرى:»ما تبقى يؤسسه الشعراء»
وما قاله الشاعر المغربي مهدي أخريف في نازلة ما:»لا حياء في الشعر» .
وبمعنى آخر أدق، قد يكون القصد والعبارة»لا حياة لمن تنادي»،لا حياة لهذا النوع من دور النشر التي تمتص دم شعراء يخطون خطواتهم بإصرار على درب القصيد والقصيدة،رأسمالهم الرمزي الذي لا يفنى حب الشعر ومعرفته، ورغبتهم الأكيدة  في الانتساب إلى دوحة الشعر الشريفة .
وبالمحصلة سيبقى الشعر ما بقي الشاعر وما بقيت الحياة.


الكاتب : إدريس علوش

  

بتاريخ : 16/01/2023