أمريكا خططت للعديد من المحاولات الانقلابية خارج أراضيها
يعرف الجميع «لوكي»، سيد الخداع في الأساطير الأسكندنافية، والباحث عن كل ثغرة لإقامة الحرب في الموطن الأسطوري «آسغارد» أو الممالك التسعة، وصاحب الدور الأساسي في قيام نهاية العالم في الميثولوجيا الأسكندنافية أو ما يعرف ب»راغناروك».. غير أن الجميع، لم يعلموا (إلا مؤخرا) أن للبيت الأبيض الأمريكي شبيها أو وريثا إن صح التعبير ، وهو يتجسد في شخص مستشار الأمن القومي السابق «جون بولتون»، وذلك لتصريحات أدلى بها لقناة «سي-إن-إن» الأمريكية، قلبت عليه طاولة الاتهامات وجلبت عليه الانتقادات من كل نقطة في العالم..
وفي معرض هذه التصريحات، ما أدلى به «لوكي» البيت الأبيض السابق، من كونه كان على دراية بعدم «كفاءة» دونالد ترامب من حيث التخطيط لتنفيذ أي نوع أو شكل أو حجم لأي انقلاب كان، هذا بعد جلسة الاستماع الثامنة للجنة «6 يناير» في الكونغرس الأمريكي، والتي تعمل على تحقيق بخصوص أحداث ما قبل رحيل دونالد ترامب عن سدة الحكم، تحديدا المتعلقة ب»اقتحام أنصار الرئيس الأمريكي السابق لمبنى كابيتول هيل (مقر الكونغرس الأمريكي) في تاريخ 6 من يناير 2021»، وتأكيده على أنه ساعد في التخطيط لمحاولات انقلاب مشابهة في دول أخرى كذلك»، ذاكرا أن: «مثل هذا النوع من الأعمال، يتطلب الكثير من الاشتغال عليه، وهذا ما لم يكن يبرع فيها ترامب».
وخلال حواره مع الصحافي «جيك تابر»، سأله الأخير عن «المحاولات التي كان يتحدث أو أراد أن يشير لها؟»، ليرد عليه بولتون : «لن أخوض في المزيد من التفاصيل».. إلا أن بولتون ذكر «فنزويلا» (بعد حشره في الزاوية) قائلا : «اتضح أن محاولتنا هناك لم تكن ناجحة، كما يبدو أننا كنا عاجزين عن فعل الكثير.. إلا أنني واكبت وعرفت ما يلزمه الأمر لكي تصل وتتمكن المعارضة من الإطاحة برئيس منتخب بشكل غير قانوني، علاوة على الأسباب التي أدت لفشلها أيضا». ويرتبط اسم بولتون بتأييده الشديد والعلني لزعيم المعارضة الفنزويلية «خوان غوايدو» في سنة 2019، ودعمه له ولجهوده للإطاحة بالرئيس الاشتراكي «نيكولاس مادورو» بحجة عدم شرعية حكمه الحالي، غير أن مادورو انتصر في الأخير وبقي على رأس الدولة.
لكن، هل يمكن اعتبار تصريحات بولتون الأخيرة «حقيقية»؟ خاصة مع ذكره ل»فنزويلا» التي قال في محاولة الانقلاب التي شهدتها «من الواضح أنها ليست محاولة انقلاب»، في تصريح له عقبها سنة 2019، وما تلاها من اتهامات من لدن حكومة مادورو مصوبة نحو الولايات المتحدة آنذاك، من ضلوعها في «التسويق السياسي لعدم الاستقرار في فنزويلا». ما يستغرب له الآن، أن مادورو لم يعقب بكلمة حول الموضوع كما فعل المسؤولون الأجانب (تحديدا الدول الأجنبية على خلاف أو عداوة مع الولايات المتحدة)، وبخلاف «صامويل مونكادا» مندوب فنزويلا الدائم لدى الولايات المتحدة، الذي كتب في تغريدة : «بولتون على حق.. لقد استحوذت الانقلابات على الكثير من الوقت والجهد، إلا أنها فشلت كما فشل عملاؤهم المحليون في فنزويلا في تأدية مهمتهم بها».
تابع جيك تابر، حديثه متسائلا : «..وكأنك تخفي عني المزيد من التفاصيل في ما يخص المحاولات الأخرى غير فنزويلا؟»، ليجيبه بولتون : «إنني متأكد من أن تلك المحاولات الأخرى حقيقية وموجودة بالفعل !».. تجدر الإشارة، إلا أنه ومن غير السائد أو المعتاد، أن يعترف المسؤولون الأمريكيون علنا بأدوارهم في «تأجيج الإضطرابات في البلدان الأجنبية».
عقب تصريحات بولتون، التي انتشرت كما النار في الهشيم الدولي وتداولت على نطاق واسع جدا، وما لاقته من تنديد واستنكار دوليين وعلامات استفهام عن «ماهية الدور الدولي الحقيقي للولايات المتحدة وإمكانية كونها مشاركة في الخفاء في كل حدث دولي من نفس القبيل»، بادر الرئيس السابق ل»بوليفيا»، «إيفو موراليس» (الذي اطاح به الجيش من منصبه في عام 2019 وسط مزاعم انتخابية غامضة تلف فترة حكمه وعزله) للتغريد عبر تويتر في ما معناه : «أن الولايات المتحدة كانت أسوأ عدو للديمقراطية والحياة». في نفس السياق، دعت «ماريا زاخاروفا» المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، إلى «إجراء تحقيق دولي بخصوص تصريحات بولتون»، قائلة : «من المهم معرفة ما يقصده ب»البلدان الأخرى» التي خططت الولايات المتحدة لتنفيذ انقلابات فيها».
من جهته، ذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية «وانغ وينبين»، خلال مؤتمر صحفي أن : «هذا الاعتراف الأمريكي، يظهر ببساطة حجم التدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية لدول العالم الأخرى، ومحاولة الإطاحة بحكوماتها أصبح الممارسة الرائجة أو السائدة أو المعتادة للحكومة الأمريكية»، مضيفا : «ما قامت به أو تقوم به الولايات المتحدة من أفعال مشابهة، هو السائد في كتاب القواعد المرجعي لديها لكيفية التعامل الخارجي للولايات المتحدة».
وبادرت وسائل الإعلام التركية بدورها، خاصة الداعم للرئيس «رجب طيب أردوغان»، إلى التعقيب حول تصريحات بولتون رابطة إياها بشكل وثيق ب»المحاولة الفاشلة للإطاحة بالحكومة التركية في يوليوز 2016» ولكونه «منتقدا حادا» لأردوغان في ذلك الوقت حتى مع غيابه عن الحكومة الأمريكية، إلا أن دعمه لم يغب كحضوره بحسب ما نشرته صحيفة «تاكفيم» الموالية للحكومة التركية، مؤكدة «أن بولتون أدلى بتصريحات سنة 2016 لدعم محاولة الانقلاب «الغادرة». وأشارت الصحيفة إلى أن بولتون «تحدث دعما للجماعات الكردية في تركيا والدول المجاورة» و»كرهه لسياسة «إعادة إحياء الدولة العثمانية» رفقة حكومته» و «عدم دعمه للغزو الأمريكي للعراق سنة 2003»، حيث ذكر على قناة «فوكس نيوز» سنة 2016 من أنه «لن يحزن أو يذرف الدموع على رحيل أو سقوط حكم أردوغان، لأنه لا يرى فيه صديقا للولايات المتحدة».
في الفريق الآخر، غرد «ميلتون بيردن» بصفته الرئيس السابق لوكالة «CIA»، الذي أشرف على تنفيذ العمليات السرية في أفغانستان سنة 1980، بأنه «لا يمكن أن يكون بولتون قد شارك في التخطيط لأي نوع من الانقلابات خارج الولايات المتحدة»، مضيفا : «إن من يعتقد أن التحريض على الانقلابات فكرة سديدة فإنه لا يفكر خارج الصندوق». في حين أن عددا من عملاء المخابرات الأمريكية السابقين، عبروا عن استهزائهم وسخريتهم من تصريحات بولتون الأخيرة.
يرى المحللون الأمريكيون للسياسات الخارجية تحديدا، أن دور (جون بولتون) كما تفعل «الفزاعة» في حقول الفلاحين، وأن تصريحه قد يكون حقيقيا، إذ أن دوره يلزم عليه «التمثيل الأسوأ لما في السياسة الخارجية الأمريكية»، ما جعل صداقاته الدولية قليلة أو محدودة جدا وعداواته متسعة الرقعة دوليا، من بينها عداوته لكوريا الشمالية، حينما وصفته وسائل الإعلام لديها سنة 2003 ب»حثالة البشرية»، وهذا أقبح وصف قد يتلقاه أحدهم في حياته، وتصريحه في مقابلة مع قناة «الجزيرة» في 2008، قال فيه «إن الانقلابات يمكن أن تكون في بعض الأحيان «وسيلة ضرورية لتعزيز المصالح الأمريكية»، كما دفاعه عن «الإطاحة بالزعيم الإيراني المنتخب ديمقراطيا ورئيس الوزراء محمد مصدق سنة 1953، الذي دبرته وكالة الاستخبارات المركزية» حيث قال ذات مرة : «أعتقد أن على الولايات المتحدة أن تمتلك هذه القدرة» و»مشيرا إلى إيران وكوريا الشمالية باعتبارهما مجالين يجب على الولايات المتحدة التركيز عليهما للإطاحة بالأنظمة المعادية».