عرف شاطئ مدينة الصخيرات، يوم الأحد الماضي، حالة استنفار قصوى عقب تسجيل أكثر من 50 حالة اختناق غامضة في صفوف المصطافين، تم نقلهم على وجه السرعة إلى قسم المستعجلات بالمستشفى الإقليمي لالة عائشة بتمارة.
وحسب مصادر محلية، فإن المصابين وصلوا إلى المستشفى في حالة حرجة، حيث ظهرت عليهم أعراض ضيق في التنفس، دوار، وغثيان، دون تحديد الأسباب المباشرة.
وأفادت المصادر ذاتها أن الأطقم الطبية والتمريضية بذلت مجهودات مكثفة لاستقبال المصابين وتقديم الإسعافات الضرورية، في وقت يسود فيه قلق كبير وسط ذوي الضحايا وسكان المنطقة.
وهذا الحادث المأساوي يذكرنا، من جديد، بما كتبناه منذ سنتين حول الوضع البيئي والاجتماعي بإقليم الصخيرات تمارة، حيث تعتبر عمالة الصخيرات تمارة إحدى الحواضر الأساسية المكونة للعاصمة المغربية الرباط، وفي الوقت الذي تشهد هذه الأخيرة قفزة نوعية في التنمية الشاملة، باعتبارها عاصمة للثقافة والأنوار متمتعة بعدد كبير من الوظائف الإضافية، كعاصمة إدارية وطنية، وإيكولوجية وثقافية، وعربية وإسلامية وإفريقية، مما أهلها لأن ترتقي إلى مصاف العواصم العالمية الكبرى، نجد، في المقابل، أن بعض الأقطاب الحضرية التي أصبحت تعتبر جزءا لا يتجزأ من العاصمة المغربية، كعمالة الصخيرات تمارة، لا تزال متخلفة عن هذا الركب التنموي المتقدم ولم تتمكن من مسايرة هذه الطفرة النوعية على عدة أصعدة عرفتها العاصمة الرباط في السنوات الأخيرة بتوجيهات من جلالة الملك محمد السادس في إطار مشروع الرباط عاصمة للثقافة والأنوار.
إذا كانت العاصمة الرباط قد عرفت مجهودات كبيرة على المستوى الحضري وعلى مستوى البنيات التحتية والتجهيزات الأساسية والمرافق الاجتماعية والثقافية وملاعب القرب والمساحات الخضراء والإنارة العمومية والطرقات والمشاريع المهيكلة، نجد عمالة الصخيرات تمارة لاتزال تعيش على إيقاع التعثر التنظيمي والحضري والبناء العشوائي والأحياء الصفيحية والأحياء غير القانونية وتدهور المجال البيئي.
إن المسار التنموي الذي تشهده عاصمة المغرب، لا يمكن أن تبقى باقي المكونات الحضرية والأقطاب العمرانية المجاورة، متخلفة عنه، فمن الضروري أن يسارع المسؤولون الإداريون والمنتخبون في الجماعات الترابية المنتخبة ثم المصالح الخارجية للقطاعات الوزارية الأخرى بكل من عمالة الصخيرات تمارة لمضاعفة الجهود من أجل الانخراط في هذه الدينامية العمرانية والحضرية والبيئية التي تشهدها العاصمة المغربية.
وبالرجوع إلى حادث الاختناق الذي عرفه شاطئ الصخيرات، تعرف منطقة شاطئ الصخيرات وجوانبها تدهورا كبيرا في المجال البيئي ما يجعل هذا الأخير مؤهلا لانتشار الأمراض والأوبئة مما سيؤثر، لا محالة، على الساكنة ورواد الشاطئ.
منها إهمال المرسى وسوق عشوائي للسمك.. إشكالات كثيرة منذرة بالانفجار
سبق لنا أن نبهنا في هذه الجريدة إلى أن هناك إشكالات كثيرة ومتنوعة بعمالة الصخيرات تمارة، بإمكانها الانفجار في أي لحظة، باعتبارها تشكل ظاهرة خطيرة تتسبب في تدهور المجال البيئي للمنطقة، وتنعكس سلبا على الراحة النفسية للساكنة واستقرارها، وكذا على بعض المهنيين، وما هي إلا واحدة من الإشكالات المعيقة لتنظيم حضري وتنموي، ثم تنظيم مهني وتجاري في نفس الوقت، ويتعلق الأمر بمنطقة بمدينة الصخيرات، التي من المفروض أن تكون منظمة ومهيكلة، بالنظر لموقعها الاستراتيجي كوجهة سياحية ومتواجدة بالشريط الساحلي لمدينة الصخيرات، كما أن شاطئها حاز اللواء الأزرق عدة مرات، لكن واقع الحال ينطق عكس ذلك بسبب عدم إيلاء الأهمية لمرسى الصخيرات وسوق السمك العشوائي الموجودين بمنطقة آهلة بالسكان والمنازل ومدى خطورة ذلك وتأثيره على الجانب البيئي لهذه المنطقة.
وبسبب الفوضى وعدم تنظيم المرسى، يجد عدد كبير من الصيادين مشاكل كبيرة في تسويق سمكهم، خاصة وأن السوق المخصصة لذلك، والتي تم بناؤها، لا يتم استغلالها وأبوابها غير مفتوحة في وجه الصيادين، ما يجعلهم مجبرين على تسويق ما اصطادوه من أسماك فوق الرمال بالقرب من الشاطئ أو التوجه لوجهات أخرى تبعد بـ 200 أو 500 متر لعرضها للبيع، ما يشكل انعكاسات سلبية على الساكنة والمنازل المجاورة، بسبب الروائح الكريهة والتأثير على المجال البيئي للمنطقة، والتساؤل هنا مطروح عن مدى خضوع هذه العمليات لشروط الصحة والنظافة.
ضرورة القضاء على مظاهر العشوائية
من المفروض إعادة النظر، بشكل عام وكلي، في تنظيم هذه المنطقة السياحية التي تستقطب عددا كبيرا من المغاربة، الذين يقصدونها طلبا للراحة والاستجمام والاستمتاع بشاطئها وقضاء العطلة مع عائلاتهم وأبنائهم، ما يتطلب توفير جميع الشروط الصحية والبيئية لجعلها وجهة سياحية في المستوى المطلوب وبمقومات عالية مفضلة لدى العديد من السياح من الوطن وخارجه، وذلك بالعمل على القضاء على كل مظاهر العشوائية التي تؤثث فضاءاتها ومن بينها لا الحصر الاستيلاء على الملك العمومي وانتشار دور الصفيح وغيرها…
ومن الضروري كذلك أن تعمل الجهات المسؤولة على إعادة تأهيل مرسى بالصخيرات وتنظيمها واتخاذ جميع التدابير والإجراءات كي يمارس هؤلاء الصيادون مهنتهم في أحسن الشروط والظروف لكن على الجهات المسؤولة أن تراعي وتستحضر أن الأمر يتعلق بمنطقة سياحية آهلة بالسكان كي لا تؤثر أنشطة المرسى البحرية والتجارية سلبا على الساكنة والتنظيم العام والبيئي للمنطقة.
سوق لبيع السمك المقلي ومطاعم عشوائية
يمارس تجار السمك إلى جانب مجموعة من بائعي السمك المقلي تجارتهم داخل سوق مؤقتة عشوائية تفتقد لشروط السلامة الصحية والنظافة، بحيث لا تتوفر على أدنى مقومات الأسواق النموذجية لبيع السمك، إذ ينعدم فيها الربط بشبكة الماء الصالح للشرب والصرف الصحي، وتغيب المرافق الصحية، لذلك لا يمكن لهؤلاء التجار ممارسة مهنتهم في ظل هذه الظروف المزرية، مما يؤثر بشكل كبير على المعاملات التجارية وإقبال السياح.
ويطالب المهنيون بإيجاد حل فوري لإشكالية الفضاء، الذي تم تحديده في وقت سابق من طرف مهنيي الصيد، كسوق مؤقتة بمحاذاة نقطة التفريغ، تفتقد لأبسط شروط العرض السمكي، حيث الأوساخ والروائح النتنة، وانعدام أدنى شروط السلامة الصحية، ما يؤثر سلبا على المنتوج وعلى الساكنة وكذا على المجال البيئي.
والأدهى من هذا كله أن هناك قناة للصرف الصحي تفرغ محتوياتها في رمال الشاطئ، حسب ما أكده شهود عيان، ما يساهم بشكل كبير في تلويث الشاطئ ورماله، ويتسبب في أضرار صحية كبيرة للساكنة والصيادين والمهنيين، وانبعاث روائح كريهة ونتنة.
هذه نماذج على سبيل المثال لا الحصر لمعوقات النمو لعمالة الصخيرات تمارة، التي تتكون من حاضرتين أساسيتين: الجماعة الترابية لتمارة والجماعة الترابية للصخيرات، والمطلوب أن تتصدى الجهات المسؤولة والمعنية لكل هذه الإشكاليات التنموية، وأن تضرب بيد من حديد على كل المساهمين في الاختلالات الحضرية والعمرانية والبيئية.