حبيب المالكي في افتتاح ملتقى إفريقي كبير يهم أوضاع القارة: لو حققنا سوقا حرة إفريقية لسجلنا 33 في المئة من المبادلات البينية

ترأس حبيب المالكي، رئيس مجلس النواب، صبيحة أمس، الاجتماع المشترك لِكُلِّ من اللجنة الدائمة للتجارة والجمارك والهجرة واللجنة الدائمة للنقل والصناعة والاتصالات والطاقات والعلوم والتكنولوجيا لبرلمان عموم إفريقيا والذي يحتضنه المغرب على مدى يومين، واستهل الحبيب كلمته الافتتاحية بالترحيب بالحاضرين من مسؤولين أفارقة ومغاربة وضيوف الرباط التي تستعد  «لتكون لمدةِ سنة عاصمةً للثقافة الإفريقية « مشيرا إلى دور المغرب إفريقيا حيث كان من البلدان القليلة المؤسِّسَة لمنظمة الوحدةِ الإفريقية (الإتحاد الإفريقي، اليَوْمَ)؛ المغربُ الذي يعيش ومن جديد – منذ عَوْدَتِهِ إِلى بيْتِهِ الإفريقي – على إيقاع إفريقيا، الحضاري والثقافي والفكري والسياسي والدبلوماسي والاقتصادي.
وقال حبيب المالكي ان «إفريقيا ليست بالنسبة إلينا مجردَ كتلةٍ جغرافيةٍ صمَّاء، وإِنما هي قَارَّةٌ كانت دائماً مرجعيةً في الحضارة المغربية، في تاريخِ وذاكرةِ المغاربة جميعاً، أفراداً وجماعاتٍ، وفي نَسِيجِنا الثقافي واللغوي، وفي هويتنا وشخصيتنا، وفي مناهِجِنا التربوية وكُتُبِنَا المدرسية، وفي تعبيراتِ وأشكالِ فنونِنا الموسيقية والكوريغرافية والتشكيلية والسينمائية..»، وأضاف أيضا أنه «يمكن تَصَفُّحُ دُسْتُورِ المملكةِ المغربية لِنَجِدَ البُعْدَ الإفريقي حاضراً بوضوحٍ تام في ديباجةِ النَّص وفي روحِهِ وارتباطِهِ الجوهري بالقارة. ولذلك، فالعلاقة قائمة بين المغرب وقَارَّتِهِ».
وأوضح رئيس مجلس النواب أنَّ «البرلمانَ المغربي لَيَعْتَـزُّ باستضافةِ هذا اللقاء حول قضايا أساسيةٍ تهم حاضر القارة ومستقبَلَها. وهو لقاءٌ يأتي في مرحلةٍ تتميز بتحولاتٍ نَوْعيةٍ تهدف إِلى المزيد من ترسيخ الممارساتِ الديموقراطية، واحترام حقوق الإِنسان، وتحصينِ هياكلِ الدولةِ الوطنية، وهي ركائزُ ضامنةٌ للاستقرار والأَمن والتنمية لصالح شعوبنا الإفريقية. كما تساعد على تَمْنِيعِ القارة من آفَاتِ الاضطرابِ والعُنْفِ والتَّسَلُّح اللاَّمشروع والجريمة المنظمةِ وتهريبِ البَشَر والهجرات غيرِ النظامية.»
وشدد على أن اللقاء « ينعقد في ظرفيةٍ مُقْلِقةٍ في إِثْرِ الهاجِسِ الرَّاهن لدى مختلف دُوَّلِ العالم، ولدى منظمةِ الصحة العالمية، وكيفية مواجهة خَطَر فيروس كورونا الدَّاهِمِ المُحْدِقِ بالأَرواح البشرية، وذلك بالنظرِ إلى المؤشراتِ والتطوراتِ المُتَسَارِعَةِ التي تؤكد للجميع أَن هناك أزمةً حقيقية، وأَن هذا الوَبَاءَ الكوني يَتَحوَّلُ بسرعةٍ من أزمة صحيةٍ إلى أزمة اقتصادية وتجارية ومالية. ونَخْشَى أن تكونَ  لهذه الأزمةِ انعكاساتٌ على الوضع في قَارتنا، وذلك في وقتٍ حققت فيه إفريقيا تحولاً إيجابياً جدّاً في اقتصاداتها ومبادلاتها مع العَالَم على كل المستويات.» لقد باتَتِ القارةُ الإفريقيةُ تُشَكِّلُ قِبْلَةً لِلتَّطَلُّعاتِ العالميةِ المعاصرة، وأصبحت في صُلْبِ اهتمامات كبريات البلدان والمؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية، وذلك بحجمها الديموغرافي المهم الذي يبلغ 1,3 مليار نسمة، واتساع مساحتها، وتنوع إِمكانَاتِها الطبيعية، ومُقَدَّرَاتِها المادية واللاَّمادية التي مازالت لم تُسْتَثْمَرْ بما يكفي وكما ينبغي. ونحنُ نَلْمَسُ اهتمام الجميع بهذه القيمة الكبرى من طرف الجميع، وبالخصوص من خلال القِمَمِ المُنْتَظِمَةِ التي أَصبحتْ تَنْعَقِدُ بين الولايات المتحدة وإفريقيا، وبين روسيا وإفريقيا، وبين اليابان وإفريقيا، وبين الصين وإفريقيا.
وهذا يؤكد بالملموس معنى أن نَقُولَ إِنَّ إفريقيا هي قَارَّةُ المستقبل. ولكن السؤال الذي ينبغي أن نَطْرَحَهُ هو، كيف نجعل من هذا الاهتمام الكوني الوازن عَنْصُرَ جاذبيةِ مُثمِرَةٍ خَلاَّقَةٍ مُحَفِّزَةٍ وفي خدمةِ الشعوبِ الإفريقية ؟وفي تقديري، فإِنَّ هَذَا الأفق لا يمكنُه أن يُتَحَقَّقَ إِلا مِنْ خلال استراتيجيةِ التعاونِ جنوب-جنوب التي ينبغي أن تكون مُحدِّدَةً لأسلوبنا الإفريقي في التنمية، وفي الاختيار، وفي الرؤية، وأولويةً في التخطيطات والبرامج والسياسات.
وبهذا المعنى، فَتَحَ المغربُ هذا الوَرْشَ جنوب-جنوب في نَموذَجٍ أَثْبَتَ اليومَ نَجَاعَتَهُ وقيمتَهُ المرجعية. وأكد المالكي على «ضرورة تسريع وتيرةِ الاندماج الاقتصادي الجهوي على مستوى المجموعات الثَّمَانِ المُهَيْكِلَةِ للتنميةِ الجهويةِ لقارتنا. وهذا هو الوِعَاءُ الطبيعي الذي سيَجْعَلُ منطقةَ التبادلِ الحُرّ  الإفريقيةَ بالتَّدَرُّج واقعاً حَيّاً وملموساً في خدمة شعوبِنا».
وشدد المالكي على ضرورة « مراجعَةَ قواعِدِ العولمةِ التي أَصْبَحَت تَفْرِضُ نَفْسَهَا بإِلْحَاح، وذلك على أَساسِ التقييم منْ أجل تَقْنينٍ جديدٍ للتبادُلِ الحُرّ شمال-جنوب الذي أَضْحَتْ مَعَهُ سيادَةُ عَدَدٍ من البُلْدَانِ عُرْضَةً لأَعطابِ وأَخطاءِ أو تَقْصِيرِ أو تَهَافُتِ الآخرين.» والمؤسف، يشدد، رئيس مجلس النواب، أن مُعَايَنَة الحالةِ الراهنة توضِّح حقيقةَ المفارقَةِ القائمة؛ إِذْ بينما تتوفر القارة الإفريقية على مواردَ ومصادرَ ومُنْتَجَاتٍ غنية ومتنوعة جدّاً، يظل موقعُها ومردودُها متواضعَيْن جدّاً مقارنةً مع ما تسجله مردودية مناطق التبادل التجاري والاقتصادات الأخرى.
فمازالت قارتُنا لا تتخطى عَتَبَةَ %2 من التجارة الدولية ككل. وخلال الفترة ما بين 2015 و2017 لم تثمر المبادلات الإفريقية سوى 760 مليار دولار مقارنةً مع ما حققته الأَدَاءَاتُ الأوروبية مثلاً التي بلغت 4.110 مليار دولار، و5.140 مليار دولار بالنسبة لأمريكا، و6.800 مليار دولار بالنسبة لآسيا. ولا أحتاج إلى تقديمِ المزيد من أمثلةِ العجز الواضحة على مستوى الواردات والصادرات، خصوصاً ما يهم المنْتَجاتِ الغذائيةَ الأساسية والتجهيزاتِ والموادَّ الـمُصَنَّعة، فَضْلاً عن مدى الحاجة المتزايدة للقارة إلى موادَّ خام أخرى، معدنيةٍ وغير معدنية… ومع ذلك، فالصورةُ ليست قاتِمَةً. لقد حقَّقَ التبادل التجاري البين-إفريقي، منذ بداية الألفية الحالية، إيقاعاً مهمّاً وصل إلى %12,5.
ولو كانت استراتيجيةُ منطقةِ التبادُلِ الحُرِّ الإفريقية قد تحققت كما كان مُخَطَّطا لها ومفكراً فيها، وذلك وَفْقَ دراسةٍ مُعْتَمَدَةٍ من طرف مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، لكانت قَارَّتُنَا قد  حققت %33 في مجال التبادل التجاري بين البلدان الإفريقية. وهي نسبة واقعية جدّاً، وينبغي السعي إِلى تحقيقها من خلال بناء هذه المنطقة بالشروط والمقاربة التي تخدم القارة وشعوبها.
ويظل هذا الأفق ممكناً إِذا ما تَوَفَّرتِ الإِرادةُ السيَّاسية القويةُ مع بعدِ النظر والروح الوطنية الوَثَّابَةُ المتجهةُ إِلى المُسْتَقْبَل والمؤمنةُ بالتاريخ وبإِمكاناتِ الشُّعوبِ الإفريقية وعَبْقَرِيَتِها.. وذكر المالكي بفحوى الرسالة الملكية التي قال فيها جلالته إن  «إفريقيا جديدةٌ، إفريقيا فخورةٌ بِهُويتها ومُوَاكِبةٌ لِعَصْرِها، إفريقيا متحررةٌ من القيودِ الإيديولوجية، ومنْ مُخَلَّفَاتِ الماضي، إفريقيا جريئَةٌ وسَبَّاقَةٌ لِلمُبادرة».


الكاتب : محمد الطالبي الرباط

  

بتاريخ : 03/03/2020