«حدائق درب مولاي الشريف»: المكان والهوية

 

“لا معنى لمكان دون هوية “.
هكذا اختتم عبد الرحمان شكيب سيرته الروائية في رحلة امتدت عبر دروب الفضاء الضيق المشرع على ألف سؤال، المفتوح على أكثر من دلالة. سمفونية عبر كلمات وصفت حياة حيوات مختلفة في حدائق درب مولاي الشريف الآيل للزوال. كل أشكال الحياة المتنوعة بمعاناتها وآلامها، تمت صياغتها بلغة شاعرية تنسي حلكة الأيام ووطء العوز.
درب مولاي الشريف، وهذه الرحلة الممتدة في عمقه التاريخي المؤثث بأزهار قذفت بها رياح البحث عن غد مشرق فاستقرت في أزقة الحي، وأينعت وتوالدت لنخرج من بطونها أزهار يانعة. منها ما تكسر عوده ومنها ما ذبل من شدة حر المجتمع القاسي وعطش الارتواء من معين ما كان يروج في الحي المحمدي.
سيرة بألف سيرة حكت تاريخنا المعجون بالصبر، تاريخنا جميعا نحن أبناء هذا الفضاء الشاسع في ذواتنا. الفضاء المختصر عنوة وقهرا في الحديقة الأم حيث كبرت داخلنا تساؤلات الوجود الباحثة عن إجابات علها تطفئ بعضا من نيران شبت داخلنا، وبالفعل استطعنا إطفاءها بالبحث والدراسة والحلم العالي..
فضاءات الحي المحمدي الشاسعة، وفضاءات درب مولاي الشريف الأكثر شساعة، تأوينا وتبني داخلنا سؤال القلق الدائم الباحث عن الانعتاق والانبثاق ببناء مشروع كان أكبر منا سنا ولكنه لا يصل لقدر وقوة حلمنا الطفولي.
وأنا أقرأ هذا المنجز أجد بعضا مني وقد تفرق على الصفحات، كما أجد بعضا من حيوات أقراني فأجمع الشتات لأجد في الأخير أن قلعتي ليست كباقي القلاع، وأن هويتي من هذا الدرب وهويته، صاغها من هويتنا المتفرقة والباحثة عن انصهار موحد بوجوه مختلفة.
في شعرية اللغة المستعملة، وفي انتقاء المفردات وصياغة التراكيب، وفي ذلك التعليب l’emboitement الحكايات وفتح الآفاق التخييلية ، ما يجعل من العمل منجزا إبداعيا اجتمع فيه الواقعي بالخيالي ليجعل الأسماء شاهدة على ما كان يروج داخل تلك الحدائق الأزقة. فعندما تسعف اللغة في بناء المحكي يصير السرد أكثر إسهابا.
وأنا أقرأ هذه السيرة وانسياب اللغة فيها بشكل متواصل أتذكر قراءاتي لأعمال الروائي الكبير أحمد المديني الذي آل على نفسه تجديد الكتابة الروائية العربية ضمن ما سمي آنذاك بالرواية الحديثة le nouveau roman كما أسس له Alain Robe Grillet و Marguerite Duras.
هنيئا لك استاذ شكيب وهنيئا لنا بهذا العمل الممجد الحي المحمدي عامة ودرب مولاي الشريف خاصة.
جامعة المبدعين المغاربة تحتفي بالشاعر محمد بوجبيري

في إطار أنشطتها المتعلقة بضيف الشهر، تستضيف جامعة المبدعين المغاربة، الشاعر محمد بوجبيري في لقاء مفتوح حول تجربيته الشعرية، وذلك يومه السبت 4 ماي بالمكتبة الوسائطية التابعة لمسجد الحسن الثاني في الساعة الثالثة والنصف بعد الزوال.
تتخلل هذا للقاء شهادات في حق المحتفى به، وقراءات في أعماله الشعرية.
يرافقه في الجلسة كل من الشاعر محمد اللغافي منسقا؛
الشاعر الناقد الدكتور محمد عرش مشاركا؛
والكاتب الناقد مصطفى بوخلال مشاركا.
عبد الحميد شوقي ينتظر “موتى لا يعودون في المساء”

صدرت حديثا عن دار أكورا للنشر والتوزيع بطنجة، الرواية الخامسة للكاتب والشاعر عبد الحميد شوقي والموسومة بـ “الموتى لا يعودون في المساء” . يدعونا الروائي حميد شوقي في هذه الرواية اللغز، لنكتشف جميعا من قتل زوجة الأستاذ الجامعي… التي تلعب بذيلها… نقرا من الرواية:
”   كانت أمي تروي لي دائما نفس الحكاية، لكن جدتي حْليمة، التي لا أتبين ملامح وجهها بشكل جيد، لم تكن تجيد الحكي؛ كانت تقفز من غور الذاكرة السحيقة، وتملأ البياض بوجوه من مروا، ومن دفنوا في روضة العائلة الخلفية. أتحسس دمعة حارقة تنزل من عين جدتي نحو الأرضية الإسمنتية المغطاة بزرابي زمّور الحمراء المنقطة باللون الطيني، وفي عمق الزاوية، أراه جثة هامدة؛ جثة مضرجة في دمائها، جثة مسحولة، شوهها جنود السلطان. لم ير جدي منصور الصوفي مكناس ولا  فاس، وهو يتعقب “حرْكة” السلطان. بالكاد تجاوز مضارب “وادْ بَهْت” مصحوبا بفرسانه الذين لم يكن عددهم يتجاوز العشرات. سقط في الكمين. لم يكن يعرف أن الجيش السلطاني يرسل عيونه في كل اتجاه لمراقبة تحركات القبائل “السائبة”. كان الجواسيس يتخفون في أسمال رعاة أو حصادين أو عطارين أو دعاة دينيين أو شرفاء وزانيين. كمنوا  أسفلَ الوادي، وانتظروا حتى ترجل جدي منصور الصوفي وبقية رجاله عن ظهور خيولهم بحثا عن مكان للراحة والأكل والماء. لعلع رصاص البواريد المخزنية التي كانت أكثر فعالية من البواريد القبلية العتيقة. قالت جدتي حْليمة منصور إن جدي كان أول من سقط تحت البارود، وبسقوطه هرب من هرب، وقُتل من قتل، وأُسر من أسر، لكن الجيش المخزني لم يكن يعترف بالأسر وبحقوق الأسرى؛ كان يحرق الأسرى أحياء، ويمعن في الإجهاز على الجرحى، في حين كان قائد “السيبة” يُسحل ويشوه لو أخذ حيا، ويصلب على عواميد طويلة، وتظل جثته معلقة على مداخل العاصمة لأيام طويلة حتى تتعفن. سقط جدك وسحل وشوه، وآخر فارس تمكن من الهرب، التقط بعض ما تساقط من فتات لحم جدك وعاد به إلى بادية الصوفية ليدفن في روضة العائلة.”


الكاتب : عبد الله الروقي

  

بتاريخ : 04/05/2024