حرب ترامب التجارية : لعبة من يتحمل المزيد من الألم !

شددت صحيفة «الغارديان» البريطانية في افتتاحية لها، على أن «لا أحد سيفوز» في الحرب التجارية التي أشعلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مؤكدة أن المستهلكين والعمال سيكونون من أبرز المتضررين من هذه المواجهة الاقتصادية.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن هذه الحرب تشكل «لعبة من يتحمل المزيد من الألم»، ولفتت إلى أن العلاقات الثنائية بين واشنطن وبكين مرشحة لمزيد من التدهور، لا سيما وأن التجارة تُعد جوهر العلاقة بين البلدين.
وأضافت الغارديان أن الصين، ورغم ما واجهته من صعوبات اقتصادية في السنوات الأخيرة، تبدو مستعدة للنظر إلى الأزمة من زاوية استراتيجية طويلة الأمد، موضحة أن رد بكين على الرسوم الأمريكية كان متزنا في البداية، لكنها الآن تتعهد «بالقتال حتى النهاية»، بعد أن فرضت رسوما إضافية بنسبة 50 بالمئة على السلع الأمريكية، ليرتفع إجمالي الرسوم إلى 84 بالمئة، ردا على إجراءات ترامب التي قال إنها ستصل إلى 125 بالمئة.
وأكدت الصحيفة أنه من غير المرجح أن تكون الصين هي الطرف الذي سيتراجع أولا، لأن «التنازلات قد تُعتبر علامة ضعف»، وهو ما قد يدفع واشنطن إلى تصعيد الضغوط.
ولفتت إلى أن الرئيس الصيني شي جين بينغ عزز النزعة القومية في بلاده رغم تباطؤ النمو، مشيرة إلى أن التراجع سيكون «مهينا» في ظل التصريحات الأمريكية المستفزة، ومنها حديث نائب الرئيس جيه دي فانس عن المزارعين الصينيين باستخفاف.
وقالت الصحيفة إن بكين سمحت بالفعل بانخفاض قيمة اليوان، رغم أن انخفاضا كبيرا غير مرجح، مضيفة أنها كانت تعد نفسها لهذه اللحظة من خلال تنويع وارداتها الزراعية، وإيجاد أسواق جديدة، وخفض الاعتماد على الصادرات إلى الولايات المتحدة التي تمثل أقل من 3 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي.
وأشارت «الغارديان» إلى أن الصين أعلنت في الشهر الماضي عن خطط لتعزيز الاستهلاك المحلي، رغم أن تنفيذ هذه الخطط لم يرقَ إلى مستوى الخطاب حتى الآن.
وفي سياق متصل، أوضحت الصحيفة أن تعليق ترامب المفاجئ للرسوم على دول أخرى لمدة 90 يوما يكشف عن نية لعزل الصين ومنع استخدام هذه الدول كقنوات لتوريد سلعها، إلا أن هذه السياسة قد تؤدي، وفق الصحيفة، إلى نتائج عكسية تدفع هذه الدول نحو بكين.
وأضافت أن هذه الخطوة تعكس أيضا مخاوف لدى ترامب من تأثير الرسوم على قاعدته الشعبية، خاصة في ظل الضغوط المتزايدة من «المليارديرات، والعمال المتقاعدين والمزارعين والموظفين والمستهلكين» الذين يتخوفون من ارتفاع أسعار السلع مثل هواتف آيفون والمواد الغذائية.
ولم تستبعد الصحيفة إمكانية التوصل إلى اتفاق بين البلدين، مشيرة إلى أن بكين «لا ترضى بما ينتظرها» لكنها تملك ثقة متزايدة بمسارها المستقبلي. واستعادت في هذا السياق تجربة حزمة التحفيز الضخمة التي أطلقتها الصين في 2008، وتوقها إلى «مستقبل بثقة متجددة» بعد ما وصفته بـ»لحظة سبوتنيك» الجديدة في كانون الثاني/ يناير مع إطلاق منصة DeepSeek للذكاء الاصطناعي.
وأشارت الصحيفة إلى أن بكين تسعى إلى أن تُنظر إليها كقوة استقرار، خاصة بعد تصريحات وزير خارجيتها، وانغ يي، في مؤتمر ميونيخ للأمن، والتي تعهد فيها بأن تكون الصين «قوة بناءة راسخة وعامل يقين في هذا النظام متعدد الأقطاب».
واختتمت «الغارديان» افتتاحيتها بالقول إن هذه اللحظة «تحولية في النظام العالمي»، مضيفة أن الصين تتوقع المعاناة، لكنها «لن تحزن وهي تشاهد الولايات المتحدة تتجه نحو الانحدار».

خبير أمريكي: الرسوم الجمركية.. خيار خاسر للجميع

في مقال نُشر في صحيفة «الغارديان» البريطانية، يُقدّم الصحفي الأمريكي ستيفن غرينهاوس تحليلاً مفصلاً لسياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتعلقة بالرسوم الجمركية، موضحًا أن هذه السياسات لا تعدو كونها «استراتيجية خاسرة للجميع». يعتبر غرينهاوس أن ترامب، الذي يصف الرسوم الجمركية بأنها «أعظم اختراع على الإطلاق»، يبدو وكأنه يتخذ قراراته التجارية بناءً على أهوائه الشخصية، وليس استراتيجيات مدروسة بعناية.
1 ـ تأثير الرسوم الجمركية على الاقتصاد الأمريكي:
غرينهاوس يشير إلى أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، والتي تشمل منتجات متنوعة من الصين إلى الاتحاد الأوروبي وكندا، ليست متسقة أو محددة بل فوضوية ومتقلبة. ففي بعض الأحيان يتم فرض الرسوم، ثم تُعلق، ثم تُفرض مجددًا، مما يخلق حالة من عدم اليقين في الأسواق. وهذه الفوضى التجارية، بحسب غرينهاوس، تُلحق الضرر بالاقتصاد الأمريكي بشكل عام.
2 ـ الرسوم الجمركية وتأثيرها على الطبقات الأقل دخلاً:
أحد أكبر الآثار السلبية التي يسلط غرينهاوس الضوء عليها هو التأثير المباشر للرسوم الجمركية على الأسر الأمريكية الأقل ثراءً. فمع ارتفاع الأسعار نتيجة فرض الرسوم، تُعاني هذه الأسر بشكل أكبر، حيث أنها تنفق جزءًا أكبر من دخلها على السلع المستوردة مثل الملابس والمنتجات الإلكترونية. بينما كان ترامب قد وعد في حملته الانتخابية بخفض الأسعار، فإن الرسوم الجمركية تتسبب في عكس ذلك تمامًا، مما يؤدي إلى زيادة تكلفة المعيشة.
3 ـ التأثير على قطاع التصنيع الأمريكي:
فيما يتعلق بالصناعة الأمريكية، يرى غرينهاوس أن ترامب يروج لفرض الرسوم الجمركية باعتبارها طريقة لإعادة التصنيع إلى الولايات المتحدة، لكنه يتجاهل حقيقة أن استقرار الاقتصاد والسياسة هو ما يشجع الشركات على الاستثمار في بناء مصانع جديدة. بدلاً من ذلك، فإن القرارات التجارية غير المتوقعة والمتقلبة تُثير خوف الشركات الأمريكية من ضخ استثمارات ضخمة في مشروعات طويلة الأمد. كما أن ترامب يُهدد بالتصعيد ضد الصناعات المستقبلية مثل صناعة السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة، الأمر الذي يعرقل انتقال الاقتصاد الأمريكي نحو المستقبل الصناعي.
4 ـ التأثير على النمو الاقتصادي:
يُؤكد غرينهاوس أن الرسوم الجمركية تُقوض النمو الاقتصادي الأمريكي بشكل كبير. يشير إلى أن الرسوم تعطل سلاسل التوريد، مما يؤدي إلى تعطيل الإنتاج في المصانع وتراجع الاستثمارات في المعدات الجديدة. هذه العوامل تضعف الاقتصاد بشكل عام. كما أن المخاوف من ارتفاع الأسعار بفعل الرسوم الجمركية أدت إلى تراجع ثقة المستهلكين، مما قد يُسهم في انخفاض الإنفاق الاستهلاكي، وهو المحرك الرئيسي للاقتصاد الأمريكي.
5 ـ الخسائر الناتجة عن الرسوم الجمركية:
غرينهاوس يعرض تفاصيل دقيقة حول خسائر الرسوم الجمركية. فقد أظهرت دراسة أجراها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والبنك الدولي وجامعة هارفارد أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب لم تؤدِّ إلى زيادة في معدلات التوظيف كما كان يُروج لها، بل تسببت في خلق عدد قليل من الوظائف في بعض القطاعات بينما تسببت في فقدان وظائف أخرى بسبب تعطل سلاسل التوريد. علاوة على ذلك، يرى غرينهاوس أن الأضرار التي سببتها هذه الرسوم تفوق المكاسب المحتملة، مشيرًا إلى أن الرسوم الجمركية قد تسببت في تراجع أسواق الأسهم الأمريكية بمقدار 4 تريليونات دولار.
6 ـ التأثير على العلاقات الدولية وحلفاء أمريكا:
كما يلفت غرينهاوس إلى التأثير السلبي للرسوم الجمركية على العلاقات التجارية الدولية، حيث أضرّت الرسوم بكندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي، مما زاد من توتر العلاقات مع أقرب حلفاء أمريكا. بالإضافة إلى ذلك، يرى غرينهاوس أن تصعيد ترامب في استخدام الرسوم الجمركية يُعزز من النفور الدولي تجاه الولايات المتحدة، ويُهدد بتدمير التحالفات التي كانت أساسية في الحفاظ على السلام والازدهار بعد الحرب العالمية الثانية.
7 ـ التهديدات المستقبلية للاقتصاد:
في ختام المقال، يستعرض غرينهاوس السيناريوهات المستقبلية المحتملة التي قد تنتج عن استمرار ترامب في فرض رسوم جمركية عشوائية. في حال استمرار هذه السياسات، قد يؤدي ذلك إلى تراجع النمو الاقتصادي الأمريكي بشكل أكبر، كما قد يرفع التضخم بنسب كبيرة، مما يؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين الأمريكيين. ويقارن غرينهاوس ذلك بحالة «إلمر فاد»، الشخصية الكرتونية التي كانت تُطلق النار بشكل عشوائي لتصيب نفسها بدلًا من هدفها، مما يراه غرينهاوس تنبؤًا بما قد يحدث في حالة استمرار هذه السياسات الحمائية.
في النهاية، يخلص غرينهاوس إلى أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب لن تحقق الأهداف التي روج لها، بل ستسبب ضررًا أكبر للولايات المتحدة والعالم. فقد تسببت هذه السياسات في خسائر مالية هائلة وأضرّت بالعلاقات التجارية الدولية، بينما كان من الممكن اتخاذ إجراءات أكثر استدامة لدعم الاقتصاد الأمريكي دون دفعه إلى الركود.

هل يعصف ترامب بالاقتصاد الأوروبي؟

نشر موقع «إنسايد أوفر» تقريرا سلّط فيه الضوء على تصاعد التوترات الاقتصادية بين الولايات المتحدة وأوروبا، معتبرا أن ألمانيا تتحمل العبء الأكبر من هذه الحرب وأن عليها مسؤولية صياغة رد أوروبي عقلاني على الرسوم الجمركية الأمريكية.
وقال الموقع في التقرير إنه بينما تبخرت 700 مليار يورو من البورصات الأوروبية تحت تأثير الرسوم التجارية التي فرضتها الولايات المتحدة، كان وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي مجتمعين في بروكسل لاتخاذ أولى التدابير المضادة.
وأوضح الموقع أن الاتحاد الأوروبي ينقسم بين الرغبة في الرد على إجراءات ترامب والخوف من تبعات الإجراءات المضادة، فالقارة العجوز التي يمثل التصدير 55% من ناتجها المحلي الإجمالي تواجه خطر الوقوع في منتصف الطريق ضمن موجة جديدة من السياسات الحمائية التي تضرب الاقتصاد العالمي.
وقد أكد ماريو دراغي الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي ورئيس الوزراء الإيطالي السابق أن سياسات ترامب أدت إلى إضعاف النموذج الاقتصادي الأوروبي وجعله أكثر هشاشة، مما يجعل مسار الاتحاد في مواجهة التحديات الحالية مضطربًا وضبابيًّا.
أضاف الموقع أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب تبدو موجّهة بشكل أساسي نحو ألمانيا، وهو ما جعل المستشار الألماني المرتقب فريدريش ميرتس يستخدم أشد العبارات في تعليقه على قرارات الرئيس الأمريكي.
وقد صرّح ميرتس: «الوضع في الأسواق المالية وأسواق السندات العالمية دراماتيكي وينذر بعواقب أشد خطورة.. من المهم أكثر من أي وقت مضى أن تستعيد ألمانيا قدرتها التنافسية. يجب أن يكون هذا في صميم محادثات تشكيل الائتلاف الحكومي».
وشدد ميرتس على أهمية استثمار 1,000 مليار يورو في مجالات البنية التحتية والطاقة والدفاع، مع التخلص من النهج التقليدي المتشدد تجاه الديون.
واعتبر الموقع أن ميرتس يواجه مثل أنجيلا ميركل، والمستشار المنتهية ولايته أولاف شولتس، تبعات الحرب الاقتصادية الأمريكية المتواصلة منذ سنوات ضد ألمانيا، والتي تعود اليوم بنسخة أكبر حجما.
وأضاف أن ترامب يهدف إلى تقليص العجز التجاري وتقليص عجز الموازنة الفيدرالية من خلال تقليص اعتماد الولايات المتحدة على الأسواق الخارجية، خاصة من يصفها بالدول»المتلاعبة» مثل ألمانيا التي تحقق فائضا تجاريا كبيرا مع الولايات المتحدة بفضل قطاعات تمتد من السيارات إلى الصناعات الدوائية، وهي قطاعات يأمل الرئيس الأمريكي أن يعيد إليها زخم الهيمنة الأمريكية.
وحسب الموقع، فإن الاستراتيجية الأمريكية المناهضة لألمانيا لا تخلو من تناقض، لأن برلين تشتري منذ سنوات بشكل نشط أصولًا استراتيجية في الولايات المتحدة، بدءا من الأسلحة وصولا إلى الغاز، لكن ذلك لم يمنع من استمرار الحرب الاقتصادية التي أطلقها الرئيس السابق باراك أوباما قبل أكثر من عقد بسبب توقيع ألمانيا على اتفاقيات توسيع خط أنابيب الغاز نورد ستريم مع روسيا.

كيف سيكون الرد الأوروبي؟

يتابع الموقع بأن قضيّة «ديزل غيت» ضد فولكسفاغن، والقيود التنظيمية المفروضة على دويتشه بنك الألماني في الولايات المتحدة، والحرب التجارية التي أطلقها ترامب في ولايته الأولى، وقانون خفض التضخم الذي تبنّاه جو بايدن لتعزيز الإنتاج الأمريكي في مجالات التكنولوجيا والتحول نحو الطاقات البديلة، وصولًا إلى الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها ترامب، جميعها حلقات متتابعة في سلسلة حرب اقتصادية طويلة الأمد.
ويرى الموقع أن هذه الحرب التجارية تستهدف أوروبا عمومًا، لكنها تضع ألمانيا تحديدًا في مرمى النيران، موضحا أن ترامب عندما يقول إن الاتحاد الأوروبي «وُلد ليخدعنا» فإنه يقصد ألمانيا، وهذا ما يجعل الرد الأوروبي على الاستراتيجية التجارية الجديدة للإدارة الأمريكية أكثر تعقيدا وأقل توازنا.
وتساءل الموقع: «هل ستقبل أوروبا التحول الصناعي الألماني، بكل ما ينطوي عليه من مخاطر تنظيمية، ليكون ورقة ضغط في مواجهة الرسوم الجمركية؟ وهل ستكون ألمانيا مستعدة لفهم أن الرد على الرسوم الجمركية سيتطلب، قبل فرض رسوم مضادة جديدة، اتخاذ خطوات نقدية مثل خفض قيمة اليورو وخفض أسعار الفائدة، وهي خطوات لا يزال البنك المركزي الألماني غير راغب في دفع البنك المركزي الأوروبي لاعتمادها؟».
وختم الموقع بأن ألمانيا يجب عليها أن تتحمل مسؤولية اتخاذ موقف أوروبي متزن ومشترك ردا على الإجراءات الأمريكية، متسائلا عن مدى قدرة برلين على مواجهة هذا التحدي الذي فشلت فيه مرارًا.


الكاتب : وكالات

  

بتاريخ : 12/04/2025