حرية الصحافة وأخلاقيات المهنة تحت مجهر النقابة الوطنية للصحافة المغربية في ندوة بالدار البيضاء

عرت حادثة الطفل ريان، التي كان إقليم شفشاون مسرحا لها، عن واقع الصحافة بالمغرب، إذ تناسلت خلالها الأخبار الكاذبة والإشاعات وتقاطعت مع الخبر النزيه والصادق ووجد المتلقى نفسه وجها لوجه مع تغطيات انتصرت للجري وراء أكبر عدد من المشاهدات في سباق محموم لجلب «اللايكات» و»البوز»، ورغم الإيجابيات التي حملتها بعض هذه التغطيات، إلا أن العدد الأكبر منها لم يرق إلى مستوى الصحافة النزيهة الحرة المحترمة للمتلقى ولأخلاقيات المهنة، فهذه الحادثة المفجعة والتغطيات المواكبة لها تركت المتتبع فريسة الخبر الكاذب والإشاعات المتناسلة من هنا وهناك، بل انتهكت خلال هذه التغطيات حقوق الطفل وحقوق الإنسان بشكل عام.
واقع جعل عدة فاعلين ينتبهون لهذه المعضلة التي تمس الصحافة المغربية وتضرب مصداقية الصحفي المهني، وفي هذا الإطار نظمت النقابة الوطنية للصحافة المغربية ومنظمة «اوكسفام المغرب» ندوة تحت عنوان «حرية الصحافة وأخلاقيات المهنة»، أول أمس الأربعاء بأحد فنادق الدار البيضاء، بمشاركة المجلس الوطني للصحافة، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين.
في مستهل الندوة أكدت عضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية حنان رحاب، التي سيرت مجريات هذه الندوة، أن النقابة الوطنية للصحافة المغربية ومنظمة «اوكسفام» سيعملان على تنظيم سلسلة من التكاوين والندوات وستكون حرية الصحافة وأخلاقيات المهنة موضوع هذه التكاوين، التي سيستفيد منها أكثر من 250 صحفيا وصحفية بمدن الدارالبيضاء الرباط وجدة شفشاون طنجة والجديدة، وفي ختامها ستصدر النقابة الوطنية للصحافة المغربية نهاية شهر مارس تقريرا يرصد أهم الإيجابيات وبعض الاختلالات التي رافقت التغطيات المواكبة لحادث الطفل ريان.
وتناول الكلمة بعد ذلك عبد الكبير اخشيشن، رئيس المجلس الوطني الفيدرالي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية، الذي أكد أن اختيار هذا الموضوع يتشكل من شقين أحدهما آني مرتبط بحادث الطفل ريان الذي أظهر الكم المتدفق للرداءة وسط نقط الضوء التي أداها الصحفيون المهنيون، مما يدعو إلى تصحيح كثير من الاختلالات ليس فقط على مستوى الأخلاقيات ولكن أيضا على مستوى الحرفة وقواعدها، أما النقطة الثانية فهي كون هذا الموضوع المطروح الآن هو موضوع شغل النقابة منذ التسعينيات،حيث كان هناك حضور لهذا الالتزام بأن يُصحب الخبر بكثير من توابل الأخلاقيات لكي يكون ذا صدقية، مشيرا إلى أن النقابة عملت على إحداث لجنة تضم أسماء وازنة كان هدفها وضع ميثاق لأخلاقيات المهنة، وفي سنة 1996 انعقد المؤتمر الثالث للنقابة تحت عنوان «أخلاقيات المهنة وتحسين أوضاع الصحفيين» رغم أن الوضع الذي نعيشه الآن، يقول المتحدث، لم يكن حاضرا في ذلك الوقت، لكن بالرغم من ذلك انتبهت النقابة لهذا الأمر. وأضاف أن النقابة كانت مرافقة لكل المنظمات الحقوقية بالمغرب التي كانت تقاتل من أجل فرض عتبات للحرية بالمغرب، وكانت تشارك في كل التظاهرات المرتبطة بهذا الموضوع بل إنها ساندت المعتقلين الذين كانوا يؤدون ضريبة البحث عن عتبات من الحرية، كما ناضلت من حيث المبدأ حتى تكون في مستوى المتلقي. وتوج هذا المسار بإنشاء المجلس الوطني للصحافة الذي ضمن في إحدى قراراته الخروج بالميثاق الذي أصبح قانونا ملزما.
من جانبه محمد الغروس، عضو الفيدرالية المغربية لناشري الصحف ومدير النشر لمؤسسة العمق، تحدث عن الإعلام وسلطة الصحافة وحريتها كمقياس للحديث عن مشروعية الدولة مؤكدا أن مجموعة من التقارير لمنظمات دولية (مراسلون بلا حدود، تقرير الخارجية الأمريكية، ..) تعتبر أن حرية الصحافة أحد المعايير الأساسية التي تبني عليها تقاريرها، الدولة من جهتها تجد نفسها أمام هذا الواقع وأمام واقع دعم هذه الصحافة وتنظيمها، مؤكدا أننا لم نصل بعد إلى استيعاب فكرة أن الدولة يجب عليها توفير سبل العمل للصحافة ودعمها ماديا وفي نفس الوقت ستقوم الصحافة بالنبش وراءها وانتقادها والتنديد والإخبار بكل الاختلالات الموجودة في المجتمع، مضيفا أن المسؤول بعالمنا الثالث لم يستوعب بعد هذا المعطى، فعلاقة الصحافة بالدولة تبقى جدلية بامتياز بما فيها علاقة الصحافي بالسياسي. وهذه الإشكالات تتعمق أكثر على المستوى الجهوي. مؤكدا أن الصحافة في الأخير هي مهنة جمع الأخبار والتحقق من مصداقيتها ومعالجتها، ومن حيث كونها أداة فهي تلعب دور الوساطة في نقل مشاكل الناس إلى السلطات والترفيه والتثقيف، وهو ما جعلها تنعت بالسلطة الرابعة مبرزا أن حرية الصحافة والأخلاقيات يقود للحديث بشكل تلقائي عن ضمير الصحفي متسائلا كيف هو حال الضمير الصحفي الآن، وخلص إلى أن أخطر من خرق الأخلاقيات السكوت عنها والتطبيع أو التواطؤ معها.
من جانبه قال المختار الغزيوي، رئيس تحرير جريدة الأحداث المغربية إن «ريان استطاع تلقيننا دروسا حقيقية منها الدرس الإنساني الذي لم يقتصر على المغرب وحده بل شمل العالم بأسره..ريان فتح ورشا مهنيا لم نستطع أن نفتحه من قبل، ويتعلق بقضية التغطية الإعلامية لما يقع لنا في مجتمعنا، هذا الولد فتح أعيننا واكتشفنا صحفيين متمكنين مهنيين لم نكن نعرفهم من قبل حريصين على ضبط الخبر وملتزمين بأخلاقيات المهنة».
وفي تدخله اعتبر عبد الغني بوردو عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن ضمانات حرية الصحافة والتعبير أولوية من زاوية حقوق الانسان حيث تعتبر حرية التعبير ركنا من الأركان الأساسية لحياة أي مجتمع، وهي شرط لتحقيق النمو الكامل للأفراد وعنصر أساسي من عناصر أي مجتمع، وأن حرية الصحافة والتعبير لا تعني بتاتا الدعاية للحرب أو الدعوة إلى الكراهية والعنصرية الدينية أو تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة لأن ذلك يعتبر تعارضا مع مبادئها.
باقي المتدخلين من الحضور تطرقوا لموضوع التكوين المستمر للصحفي وضرورة أن يمارس الصحفي مهنته في احترام تام لكرامته المادية والمهنية مع توفير التكوين الإعلامي والتكوين المستمر حتى يمارس الصحفي مهنته في أحسن الظروف ملتزما بأخلاقيات مهنته.
وفي تصريح للصحافة بعد الندوة قالت حنان رحاب «إن النقابة الوطنية للصحافة الوطنية ستفتح اليوم نقاشا مع الهيئات التي تتقاسم معها المسؤولية في هذا المجال: الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الخاصة، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، المجلس الوطني للصحافة، الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين، لأننا نعتبر أنه من الجيد الدفاع عن حرية الصحافة ومن الجيد أن تكون هذه الحرية ببلادنا ولكن لكي تضمن حرية الصحافة حقوق المواطنين يجب أن تحترم أخلاقيات المهنة…».


الكاتب : خديجة مشتري تصوير- هيثم رغيب

  

بتاريخ : 25/02/2022