«حساء بمذاق الورد» على مائدة النقد سعيد منتسب يستحضر الموتى ليحتفي بالحياة

نظمت دار الراوي للنشر والإنتاج الفني، بشراكة مع مؤسسة مسجد الحسن الثاني، أمسية أدبية احتفائية برواية «حساء بمذاق الورد» للكاتب والإعلامي سعيد منتسب الفائزة بجائزة المغرب لصنف السرد (دورة 2024)، وذلك يوم الجمعة 24 أكتوبر 2025 بالمكتبة الوسائطية التابعة لمسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء.
الجلسة التي أدارها الشاعر عمر مرحام، وافتتحها الروائي والمترجم والناشر فقيهي راوي الصحراوي بكلمة ترحيبية بالحضور، مؤكدا حرص الدار على استضافة التجارب الثقافية والأدبية التي خطت لنفسها مسارا متفردا داخل الخريطة الأدبية المغربية، خدمة للثقافة والمثقفين، قارب النقاد محمد علوط، محمد رمصيص، عمر العسري، محمد البلبال، قاربوا الرواية المحتفى بها من زوايا مختلفة امتدت من معمارها السردي الى موضوعة الموت الرئيسة بها الى عوالم النفس المعتمة والى حضور التاريخي وتوظيفه خدمة للذاكرة.

 

كتابة حدادية
تحتفي بالحياة

في تناوله لموضوعة الرواية، موضوعة الفقد والغياب، ركز الناقد محمد رمصيص على أن محور الرواية والنواة المركزية بها تتمثل في موت الأم، وحضورها في الغياب، مشيرا الى هذه الرواية سردية فيها الكثير من ماء الشعر، لكونها تتغذى من لغة شعرية تعتبر هي الرافعة المميزة للرواية ككل، معتبرا أن «هذه اللغة الشعرية تظهر قدرة الكاتب على تحويلها الى أثر فني».
وأضاف رمصيص أن منتسب استطاع من خلال هذه الرواية أن يحول الفقدان ووجع الغياب الى أثر فني، إذ يلمس القارئ لها أنها تنحو نحو اعتبار الموت جرحا لا يخلو من مزايا، وبذلك فقد أعطى الكاتب للموت الملغز معنى يتكامل مع الحياة، مثيرا أنها وهي تركز على جرح الفقدان، تحيل على نصوص سابقة تناولت موضوعة الموت بشكل مختلف، مضيفا أن « هناك حزنا يرغمنا على البكاء وحزنا آخر يرغمنا على الكتابة، ومنتسب ينتمي الى صنف المبدع الحزين الذي يترك الأثر للتاريخ وللذاكرة الأدبية».
إن القارئ للرواية، يقول رمصيص، يقف عند خلاصة مهمة وهي أن الكاتب في رواية «»حساء بمذاق الورد» وهو يستحضر جرح موت الأم، يستحضره في صورة تصفية لحساب مع الألم دفعة واحدة، حتى أنه ي»مكن القول إن منتسب أشبع الموت كتابةً»، ليخلص الى القول بأن هذه الرواية «تضعنا في قلب الكتابة الحدادية لأن مناخها النفسي يخيم عليه الألم والتفجع، لكنها في نفس الآن تحتفي بالحياة».

سرديات ذات مشيمة مشدودة إلى سرة الأم

في مداخلة بعنوان «السرد والمجاز: انكسار الأواني في شطح المعاني»، اعتبر الناقد محمد علوط أن هذا العمل يقوم على جماليات «سرديات الإضمار»، ومنطق «البدائل المحتملة» إلى جانب شعرية النص المنفتح، ما يمكن معه القول إن سعيد منتسب ذهب بالسرد في هذا العمل الى تخومه القصوى.
وأضاف صاحب «أنامل تحت الحراسة النظرية» أن «حساء بمذاق الورد» عمل روائي غير قابل للاختزال لأنه «يقوم على معمار متراكب يمكن توصيفه ب» النص الرحم» الذي تبدو سردياته ذات مشيمة مشدودة إلى سرة الأم»، كما أنه يقوم من جهة أخرى على سرديات المضمر التي تتشابك فيها البدائل المحتملة الممتدة من «المحكي الأخروي إلى عوالم الماوراء.. إلى المتخيل الرمزي والعجائبي والمحكي المؤسطر في التراث والنصوص التراثية الدينية».
ولفت علوط إلى أن هذا العمل «مُشاكِلٌ للسرديات الأنثروبولوجية حول المخيال الرمزي كما في أعمال كارل غوستاف، ومُشاكِل في سردياته الإضمارية لأعمال أوتوفرانك، أو أعمال فرويد حول الاستيهام والأدب وأحلام اليقظة»، مشيرا إلى أن المحفلين الرئيسيين اللذين يضبطان إيقاع هذا العمل هما سيرة الأم والرحلة الأخروية، حيث الأم «ليست سيرة تروى، بل هي الذاكرة، هي الذات، الواقع والهوية، الحلم والكتابة، وهي الكينونة اليقظى لزمن يتدثر بأكفان الموت، ولوجود يسلبنا نسغ الكينونة الجوهري»، وبمعنى أدق هي ما يتبقى بعد انتهاء السرد.

التخييل المضاد للتاريخ

من جهته، وفي مقاربته للرواية المحتفى بها من منظور التاريخ، اعتبر الناقد والشاعر عمر العسري أن سعيد منتسب يرفع في هذا العمل «من شأن التخييل التاريخي من خلال إقامة انحراف أصلي ينفي كل طِباق بين الحدث التاريخي والتخييل».
وأضاف العسري أن استدعاء التاريخي في هذه الرواية – وتحديدا من خلال مقاومة الاطلس الكبيرـ لا يتم من باب التمجيد، بل لتفكيك صورتها وتوسيع أفقها الرمزي.
ولفت صاحب «المقر الجديد لبائع الطيور» أن قارئ هذا العمل «يجد نفسه أمام نص يمارس ما يمكن تسميته بالتحبيك التراجيدي للتاريخ، نص يمنح للشخصيات التاريخية حياة موازية تستند الى منطق الحكاية»، مشيرا في نفس الآن الى أن التخييل التاريخي في الرواية ينفتح على أفق ثقافي عميق مرتبط بالمتخيل الجبلي والهوية العطاوية في الجنوب الشرقي للمغرب، حيث «يغدو الجبل هو السارد الأصلي.. السارد الصامت، الشاهد، الشامخ، الراسخ الذي لا ينسى».
إن استدعاء التاريخي من خلال المقاومة في هذه الرواية، يقول العسري، جعل السرد يُنزل المقاومة «من سماء الأيقونات الى أرض الألم، ومن مجرد فعل سياسي الى انكسار وجودي شامل»، مثيرا مسألة تداخل الحلم والذاكرة من خلال محاولة السارد إعادة تخييل المقاومة من زاوية غير ممجدة لها، إذ تحتفي الرواية بالحاجة الى تذكر المقاومة، والتنقيب في تشظياتها رغم ما فيها من فواجع، ومساءلتها حول ما لم يقل وما لم يذكر.
وخلص صاحب «قناص الغرابة» الى أن الرواية تفتح أفقا جماليا يتحول التاريخ فيه الى نص ميتاسردي، وتُقرأ المقاومة فيه بوصفها مشروعا جماليا «يحوِّل التاريخ الى معطى قابل للتدوير والانتهاك من أجل مواجهة الفراغ الكبير الذي تطرحه سردية الموت».

سرد يتصالح فيه الألم
مع الجمال

الشاعر والباحث في السيكولوجيا محمد البلبال اختار مقاربة الرواية من زاوية التحليل النفسي، متوقفا عند قلق المبدع، ذاك القلق الوجودي الذي يدفع الى الكتابة والخلق، مشيرا إلى أن مقاربته هي محاولة للغوص داخل النفس والرمز، «مغامرة يتحول معها النص الى مرآة للذات ويصبح الفقد ذاته تجربة وجودية».
وأضاف البلبال أن الرواية تُبرز قدرة الأدب على تحويل الفقد الشخصي الى تجربة كونية تتقاطع فيها الذات مع التجربة الكونية، كما تبرز تمظهرات الوعي الفردي والجمعي، معتبرا أن «حساء بمذاق الورد «سيرة نفسية للفقد، ونص سيكولوجي تأملي يعالج تجربة الفقد كولادة جديدة للوعي بالوجود».
إن توظيف التخييل والعجائبي والحلم والهذيان آلية وظفها منتسب لإبداع كتابة تحول الصدمة إلى اشتغال رمزي على الحياة والموت معا، ويجعل الرواية حقلا لإعادة بناء التوازن النفسي المفقود.
تشكل الرواية، حسب البلبال، تجربة سيكولوجية وجودية متكاملة تتجاوز حدود السرد لتصبح عملية علاج لذات ممزقة ، عملية تتحول معها الكتابة الى أداة شفاء و»بعث جديد للذات من رماد الألم»، ليخلص في نفس السياق إلى أن الكتابة كما يقدمها منتسب في روايته «ليست ترفا جماليا، بل طقس خلاص ومغامرة يتصالح فيها الألم مع الجمال».

أرخبيل متعدد الطبقات

لم تكن كتابة رواية «حساء بمذاق الورد»،حسب صاحبها، سهلة، إذ استغرقت كتابتها سنتين، عمل على نشر جزء يسير منها على «فايسبوك» بعنوان «عشب الموتى»، معتبرا أن روايته « تمثل نموذجا للنص متعدد الطبقات. كل باب من أبوابها منصة مستقلة بأجوائها ورموزها. كان هذا اختيارا، لأن «الرحلة» في البرزخ لا يمكنها أن تتم في مكان واحد، كما لا يمكنها أن تكتب بلغة واحدة».
وأضاف منتسب، في هذا اللقاء، أن خصيصة التركيب هي حقيقة هذه الرواية التي «كتبت رقعة رقعة، وجزيرة جزيرة، حتى تشكل الأرخبيل وفاضت ضفافه وتناسقت جوانبه»، مقترحا على قراء الرواية سبعة مداخل للوصول إلى النص:
-المدخل الميثولوجي: وهو حجر الزاوية في الرواية، مادامت تستبضع من أسطورة أورفيسيوس»، الذي غاص في «الهاديس» لاستعادة حبيبته «يوريديس».
-المدخل التاريخي: حيث استخدم التاريخ بوصفه عنصرا فاعلا ينسج الشخصية الروائية في شبكة العلاقات بين الفرد والمجتمع، بين الذاكرة والتجربة، وبين السلطة والمسؤولية.
-المدخل الأتوبيوغرافي: وهو المحور الأساسي لفهم البعد الإنساني للنص، إذ يتيح تحليل العلاقة بين الشخصية والذاكرة، بين السارد والأم، وبين المكان والجغرافيا.
الفضاء المكاني في الرواية، مثل قلعة مݣونة والمناطق المحيطة.
-المدخل الفلسفي: تتيح الرواية استكشاف الأسئلة الوجودية الكبرى المتعلقة بالواقع، الحقيقة، والزمن..
-المدخل الفانطاستيكي: ويهم كيفية توظيف الخيال كوسيلة لتجاوز حدود الواقع التقليدي واستكشاف أعماق التجربة الإنسانية..
-المدخل الميتاسردي: يعكس هذا المدخل تأمل الكاتب في آليات السرد، المعرفة، والكتابة. فالكتب والمكتبات في الرواية تمثل الرمزية المعرفية والتاريخية، وتعمل كوسيط بين الشخصيات والواقع، وبين الفرد والذاكرة الجماعية. بينما تعمل الاقتباسات السردية على دمج نصوص متعددة داخل النص الواحد، سواء كانت تاريخية، فلسفية، أو أسطورية.
-المدخل الزولوجي/الإنتومولوجي: ويلمس من خلال تحول الحيوانات والحشرات في الرواية إلى وسائل للتأمل في الهوية…


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 28/10/2025