«حساء بمذاق الورد «للمبدع سعيد منتسب، عمل يجمع بين السيرة والرواية، صدر عن دار خطوط وظلال، الطبعة الأولى2023، نال به جائزة المغرب للثقافة، في صف السرديات، يكسر قوالب السرد المتعارف عليها، ويؤسس لكتابة استىراتيجية، تقاوم النسيان عبر بلورة حوار الكنان، لخلق إبداع يقترب من رؤيا التصوف، وكتاب الموتى لتطوير علاقة الكاتب بأمه دنيا وأخرى، حسب مرامي ميشال دو سارتو في كتابه «الغسق والنسق» والتي تنطلق من الكنان كمبحث في فضاء التجربة الروحية، وتعدد مرايا النظر إلى تعدد البراديغمات.
في «حساء بمذاق الورد»، يحاول سعيد منتسب أن يبلور علاقته بالأم عبر اثنين وخمسين بابا، من أبواب المحكي ، واقعيا وتخييلا، وفق سفر مع الطباق مزجا وتضادا حسب المواقف والمدركات، وحسب الإشارات إلى مرجعياته، وهو بصدد هذه التجربة، كجرح من جراحات الذات، تصبح كل جملة كسكين ينغرس في الذات ليخلق ألم الكتابة بمفهوم بلانشو، بعيدا عن الشر لأن الغاية استحضار الأم ما بين الغياب والحضور، ومحاولة استحضار عالمها الٱخر،عبر الاستفادة من تنوع الأشكال الكتابية (الحواشي-الأوراق الصفراء- اللوحات- النقوش على الأضرحة- التصوف- الشذرات) ثم تجارب الكتابة، والتمكن من ٱليات التعبير، تراثيا وحداثيا، وصهر كل ذلك كيميائيا للوصول إلى لغة مسبوكة كقطع الذهب. شوارع الكتابة تبعا للتوزيع: كل شارع يشمل دروبا وأزقة، تتنوع تبعا لطبيعة وثقافة الساكنة، ومدى تعاطفها، أو انغلاقها على ذاتها، وهذا يتطلب كشف طبائع هذه الشوارع عبر امتداد الأحياز خلال اثنتين وخمسين بابا.
من خلال إهداء سعيد منتسب لي، استوقفتني عبارة دالة: «أتمنى أن تجد في هذا الحساء بعض توابلك». فعلا وجدت هذه التوابل المتنوعة، حسب الفصول، وخاصة موسم الورد بقلعة مكَونة، حيث تعود بي الذكريات إلى الأيام التي كنت أستاذا بورزازات، وكان التلاميذ الوافدين من قلعة مكونة ، يأتون بالورد والعطور ، بداية كل أسبوع، تحية الصباح.
من «حساء بمذاق الورد»، تحضر الأم تودة، بشموخها وشخصيتها، من التعب إلى الموت، إلى الحياة، عبر واقعية وتخييل السرد المتلاطم الأفكار حينا، والهادئ والمغري بالعوم، في أجوائه حينا ٱخر، والمتقطر من نكتار الأساطير سلفا، وجعلها أساطير حداثية ٱنا، مما يؤكد شرعنة بعث الأساطير، وجعلها حقيقة تبعا لمقتضى الحال، عبر المعايشة والتجربة، وركوب طباق التوهم للمحاسبي، قصد تحويل ما نسمعه شفويا إلى كتابة تستمد نسغها من تكسير حمولة الدال، وتركيبه من جديد وفق عمليتي الاتصال والانفصال، من باب لباب، عبر تحديث الأساطير، ومسح الغبار عن «كتاب الموتى»، ثم تحويل مجرى منامات هذا الحساء الممزوج بالكتب والسير، وكيمياء اللغة، ليحظى بفرادة لا شبيه ولا نظير لها في عالم السرديات، تعطي مذاقارائقا لهذا الحساء، الموضوع بمقادير ، بدون زيادة ولا نقصان، وحتى ملح الكتابة مهيأة بشكل أسطوري، كذلك الشمس على جبين تودة، يتم التقاطها باحترافية نادرة:»اقتربت منها، وطبعت قبلة على الشمس التي تضيء وجهها الشاحب، وٱلاف الصور تستيقظ في المسافة بيني وبينها»ص299، لكن المسافة تصحو بين سعيد منتسب والقارئ،عبر السفر، والنزول في محطة ما، لتذوق»حساء بمذاق الورد»، والشروع في إعادة ترديد نشيد الموتى.
“حساء بمذاق الورد» للمبدع سعيد منتسب .. نشيد الموتى من الأرض إلى السماء

الكاتب : محمد عرش
بتاريخ : 20/06/2025