حسن برطال القاصّ العاشق عازف الكورال

في ليلة بيضاء من سنة 1958، وبالضبط بكريان سنطرال بمدينة الدارالبيضاء ضدا على بعض القوانين .سقط رأسه وفيه شيء من التمرد الأنيق، رأى النور وسُميّ بالحسن، من أب نازح من قبيلة نفيفة زاوية حصين دائرة إيمينتانوت وأمّ من دائرة احمر دوار أولاد يعيش. وُلد قصيرا جدا بالكاد ينمو وقامته تزداد طولا شيئا فشيئا.
كبُر الفتى زين أيامه بين أياد أمينة، ومارس جميع ألعاب أقرانه: البي والطرومبيه والدينيفري الى جانب عشقه لكرة القدم ولعبة الضامة…
في الكتّاب تعلّم على يد شيخ زمانه المسمى السيد حميد، وتذكر زين حسنه أول معلم له في قسم التحضيري سنة 1965اسمه المصطفى أبو أدرار.
وعن حكاية لاصقة بذاكرته في الطفولة يحكيها سي حسن بعظمة لسانه:
«يوم الإعلان عن نتائج الشهادة الإبتدائية كانت النتيجة سلبية/رسبتُ، وفي المساء ولما عاد أبي من العمل ولم يكن له علم بالنتيجة،حمل معه سروالا جديدا وقميصا وقال لي : غدا عندما تذهب لرؤية النتائج البس هذه الثياب..
فقالت له أمي :لقد أعلن عن النتائج اليوم ولم ينجح..لم يقل شيئا ولكن في الصباح
حمل الملابس الجديدة معه وأعادها إلى صاحبها….»
في قسم الملاحظة وبالإعدادي ومع بداية الدورة الثانية أجريتْ له عملية جراحية على (الزائدة الدودية) (المصرانة الزايدة) العملية كانت فاشلة وتمت على مرحلتين لأن في المرحلة الأولى تمّ نسيان قطعة (الفاصمة) قماش أبيض في بطنه..
للفرحة باب مشرع للقادم، يحتفي به كما عباد الله بقلب كبير يعانق به أحبابه وخلانه وبابتسامة تقطر عسلا وحليبا بل ونكتا على مقاس قامة قصصه «الق.جدا» ولكي لا ينسى حصوله 1980على شهادة الباكالوريا يوم كانت تعلن نتائجها في الجرائد وتزغرد الأمهات فرحا وبهجة، يتم استدعاؤه لبرنامج «مواهب» من قبل عبد النبي الجراري لتسيير فقرة الركن الأدبي.
أول الكتب التي حببت القراءة إليه في المرحلة الابتدائية: قصص المصري عطية الأبراشي، وبالضبط قصة تحمل عنوان(الذئب والجديان السبعة) سيحكي لنا عنها في مرة قادمة.
وكعادته في الحب الجارف، سيحتفظ كطفل صغير بنسخة ورقية من جريدة بيان اليوم التي نشرت له أول نص سنة 1986 (لعبة أختي) / اللعبة التي ظل يفضلها على كل اللعب التي مرت من بين يديه كبة للغزيل والحكي وهو يدقق في رأس حانوتها ورأسمالها الفكري في المقاهي والأزقة والشوارع والملتقيات..
جانب اعتزازه واحترامه لقامات أدبية فهو يحبّ سي محمد صوف كقارئ ومبدع وأصبحا صديقين فيما بعد كشجرة كستناء وارفة الظلال.
سي حسن بكنيته برطال يبدو إنسانا طيبا عريقا في إنسانيته ورسم معالم غده بهندسة رياضية وعلى إيقاع اللوغاريتم، منتصبا كجبل في خريطة إبداعية، شغوفا بالسؤال عن أصدقائه وتتبع أخبارهم ومساراتهم وهو القارئ الممهور المهووس بالكتب، الكتب التي لها أرواح ساحرة يتنفس داخلها ويتمرّد بمرح زائد، دودة لا تملّ من القراءة والتفحص والقبض على المنفلت القصصي.
من الرياضيات تعلم صنع مجموعات من عناصر الكلمة تتعايش بخاصيات مشتركة وفق خطوط الطول والعرض وزوايا لرؤى مختلفة، ترجمته الرياضيات الى مفارقات مرعبة لذلك رأى في القِصر امتدادا الى ما لا نهائي والكتابة لديه مشروع ورسالة يقول : *لما كتبت قصتي القصيرة جدا خلف هذا الجدار العازل، قتلوا الزرافة لأنها المخلوق الوحيد الذي يقرؤني*
يشربُ من الماء ما يكفي لكي يتجمّل كالملكات ويبتسم للعاشقين
يشتهي النار الموقدة واحدة في الكف والأخرى في الديوان والصمت على بعد مسافة ….
يكفيه تقبيل الكتب وانتظار امرأة في قطار منتصف الليل
أن تلهب العاشقين وتعري الفراشات كلما احدودب الضوء، نمضغ الوقت المتبقي ونتحسس بأيدينا الطريق الى القصة التي..
عن اختياره للنص القصصي ق ج/دواعيه/ أسبابه، يقول :
«كي لا تكون بيني وبين قارئي أسرار..لأن الثرثارين هم أشد الناس حرصا على الأسرار يتكلمون كثيرا ولا يقولون شيئا..»
حسن حكيم زمانه، أمير القصة التي لا تكبر أبدا، تزداد تألقا ولمعانا وتوهجا واشعاعا
الفضل لفرسانها وحملة الشعلة التي لا تخبو.
أخلص للقصة ودهشة الإلهام والفتنة والسحر والامتداد في شجر النسب، يحبّ السير بين الجبال كانسياب الماء الزلال وكلما مشينا قربه لكتابة غمرنا بابتسامة طافحة بالأمل والحب.
لا يبيع القصص في سلّة بل يوزعها لكي تنزلق من بين أصابعه واحدة تلو أخرى كحبات الكرز أو كقصائد الزنّ نافرة النهود تود أن تقول الكثير في أقل كلمات .
إنه الفنان/الطفل الذي « يكسر اللعبة ليعرف ما بداخلها»، ساردٌ، نحت اسمه في شجرة القصة ق ج لتزهر بين أنامله القصيصات تعطر المكان والامكنة . نصوصه قوية غزيرة المنحى والملمس يحفر المعنى، بسيطة بساطة الحياة يفجر الالغام ويفخخها وكما يقول* الأدب كفن مرتبط بمكتوبنا ككرة رياضة الكولف لكل ضربة عصاها الخاصة حسب صعوبة المسلك والمسافة بين الكرة والحفرة …
افتحْ قلبي أيها الطيّب وانظرْ كم فيه من كوات
السماء صديقتنا ويد اللقاء جمعتنا ذات ظهيرة بقطار أربعاء الغرب، ومن نافذته رمتنا الاقدار خارج النزهة بقمصان الضحك ونحن نقايض أسرار اللغة وتداعيات المجاز،»بيان القصّ» وصورا فضحتهاعين التلصص،تبدد تذكرها، تخلع التعب وتكتب بماء الحياة وتروض رقصة أحواش. قادتنا القصة الى لقاءات الفقيه غير الصالح، وورزازات،وبلقصيري، والبيضاء وتيفلت وخنيفرة نشعل شموعا ونغرز إبرا تبحث عن اليقين وشهقة الصهيل .
من الجميل أن تكون بعض القلوب الطيبة المليئة بالحبّ تفيض عطرا على الآخرين تتآلف بمزيد من المحبة والمجاهدة والتقدير وعلاقة ميزتها الإدهاش وحسن السلوك والتصوير والتأويل .


الكاتب : عزالدين الماعزي

  

بتاريخ : 05/11/2018