«حصن الزيدي» للروائي محمد الغربي عمران

ترهين الرواية للتاريخ كآلية لنقد الواقع

 

يعد التاريخ ميدانا غنيا بالأحداث والوقائع وكثيرا ما تكون هذه الأحداث مسعفة رمزيا في التوظيف المزدوج بين الماضي والحاضر، ورغم أن الحدث التاريخي يقع مرة واحدة ولكنه يمكن أن يكتب بطرق متعددة حسب المواقف والمصالح والإيديولوجيات والمذاهب الدينية.
1 ـ الرواية والتاريخ: أية علاقة ؟
يعرف جورج لوكاتش الرواية التاريخية بأنها « رواية تثير الحاضر ، ويعيشها المعاصرون بوصفها تاريخهم بالذات «1، وبالتالي فهي عمل فني يتخذ من التاريخ مادة له ، ولكنها لا تنقل التاريخ بحرفيته بقدر ما تصور رؤية الكاتب له وتوظيفه لهذه الرؤية للتعبير عن تجربة من تجاربه أو موقف من مجتمعه يتخذ التاريخ ذريعة له .
إن العلاقة بين الرواية والتاريخ وثيقة للغاية، فقد ظهرت الرواية كعلامة على بزوغ عصر جديد وفئات اجتماعية صانعة للتاريخ، فهي النوع الأدبي الذي دل على صعود البرجوازية الأوروبية كما أنها شكلت مختبرا لفحص تطلعاتها ، وبالإضافة إلى صلة الرواية بهذه الحقبة التاريخية من تاريخ البشرية فإن « التاريخ هو موضوع الرواية ، تاريخ البشر والمجتمعات والفئات الاجتماعية الطالعة وكذلك الهامشية المقيمة على أطراف المجتمع، بالإضافة إلى تاريخ الفرد الذي يعد موضوع الرواية بوصفها نوعا أدبيا حديثا يشخص أتواق الأفراد وعالمهم الداخلي والفجوة العميقة القائمة بين سير هؤلاء الأفراد ومحيطهم الاجتماعي» 2
2 ـ «حصن الزيدي»: ثنائية الدين والسلطة
بدأ محمد الغربي عمران تجربته الإبداعية كاتبا للقصة القصيرة ليرتحل إلى فضاء الرواية منشغلا بهموم مجتمعه الغارق في الصراعات والانقسامات التي يدفع ثمنها المواطن البسيط فقرا وجوعا وتخلفا وقهرا، حيث ينطلق من التاريخ للنبش في جذور هذا الصراع مركزا على علاقة الدين بالسلطة، هذه العلاقة الملتبسة التي تشكل عائقا أمام تقدم المجتمع ونهضته، كما أنها تشكل قاسما مشتركا بين أغلب رواياته .
في روايته «حصن الزيدي» التي صدرت عن دار هاشيت أنطوان ببيروت سنة 2019 في 260 صفحة ، يتناول أواخر فترة الإمامة الزيدية بالشمال وأواخر الاحتلال البريطاني للجنوب، من خلال نموذج مصغر هو حصن الشيخ مرداس الذي يحكم جانبا من واد زراعي مطلقا يد ولديه عنصيف وجبار في الرعية، فهي ـ الرعية ـ وما تملك ملك للشيخ يتصرف فيها كما يشاء، لذلك لا يتورع الشيخ وأبناؤه عن انتهاك الحرمات وسلب الممتلكات والحرمان من الحرية بل إن ابن الشيخ يجرب مهارته في التصويب من خلال قنص أحد الفلاحين، ولكن مقتل عنصيف ولجوء القاتل إلى الشيخ شنهاص شيخ الجهة الغربية من الوادي سيكون ذريعة لضم هذه الجهة أيضا إلى حكم الشيخ ليعرف الوادي صراعات دامية حول السلطة، سواء بين المشايخ طمعا في توسيع ممتلكاتهم أو بين الشيخ ومستشاره الذي استغل الوضع ليؤسس لحكم أهل الهجرة من رجال الدين.
إن حصن الشيخ مرداس نموذج مصغر لليمن، حيث يدور الصراع حول الحكم، هذا الصراع الذي تتشابك فيه الأدوار والعلاقات بين الدين والسلطة. فتارة يتحالف رجال الدين مع الحاكم، وتارة يكون الدين مطية للثورة عليه أو لمحاربة الفرق الدينية المنافسة (سنة ـ شيعة )، مما يفضح التوظيف السياسي للدين بلي أعناق النصوص وتأويلها حسب غاية كل طرف، وهو ما يؤدي إلى العنف المقدس الذي يمارسه الكل ضد الكل، فكل حاكم يلون رعيته كما يشاء ويحولها إلى أخدام أو مجاهدين أو لجان ثورية، واعدا إياهم بالحرية والرخاء حال القضاء على العدو، يتغير الماسك بالسلطة وتتغير المسميات ولكن واقع الحال يبقى كما هو، لذلك يستمر الصراع وقوده الدين وهدفه الحكم منذ الفترة الإمامية مرورا بالحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، وانتهاء بثورة الحوثيين .
3 ـ استحضار الماضي لنقد الحاضر
إن تيمة الدين والسلطة تمثل شاغلا مركزيا في المتن الروائي عند محمد الغربي عمران وذلك في ظل واقع عربي مدجج بالقهر والقمع والكبت السياسي الضارب بجذوره في أعماق التربة السياسية العربية، لذلك فإن القارئ» لحصن الزيدي» لا يغيب عنه الإحساس بأنه في قلب اللحظة التاريخية المعاصرة رغم اتكاء المتن الروائي على أحداث عرفها تاريخ اليمن، واستحضار فضاءاته وأحداثه وأزمنته .
إن رواية «حصن الزيدي» للروائي محمد الغربي عمران تشكل إسهاما في تقريب جوهر الصراع حول الحكم من الوعي العام وإرجاعه إلى دوائر الشفافية والإدراك بعيدا عن هالات القدسية والتعالي عن سيطرة الطلاسم والألغاز وتلك مهمة قام بها الإنسان منذ ما قبل الميلاد، ووضعها حجرا أساسا لنظام حكم أسماه ديموقراطيا لذلك فإنهاء هذا الصراع القاسي والطويل لا يمكن أن يتم إلا بأدوات ديموقراطية.

هوامش:
1ـ دراج، فيصل : نظرية الرواية والرواية العربية ، ط 1 ، الدار البيضاء ، المركز الثقافي العربي 1999 ، ص : 236
2 ـ ميخائيل باختين ، الملحمة والرواية ، ترجمة د جمال شحيد ، كتاب الفكر العربي ، معهد الإنماء العربي ، بيروت ، 1982 ، ص


الكاتب : خالد الخراز

  

بتاريخ : 09/06/2021