حصيلة كارثية .. إفلاس 148 ألف مقاولة في 4 سنوات بسبب وصفة حكومية لإعدام المقاولات الصغيرة

 

منذ أول قانون مالية أعدته الحكومة الحالية سنة 2022، مرورا بالقوانين اللاحقة، وصولا إلى مشروع قانون مالية 2026 الذي تضع عليه اللمسات الأخيرة، فقد النسيج الاقتصادي الوطني أزيد من 148 ألف مقاولة أعلنت إفلاسها، أغلبها من فئة المقاولات الصغيرة جدا. هذه الحصيلة الكارثية، التي تصفها الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة بـ»الانهيار الصامت»، جاءت نتيجة سياسات حكومية تحكم الخناق على صغار المقاولين، سواء بإقصائهم من منظومة دعم الاستثمار أو بملاحقتهم بضرائب مجحفة تضعهم في نفس الخانة الضريبية مع الشركات الكبرى، ما يدفع الكثيرين إلى مغادرة السوق أو التحول إلى القطاع غير المهيكل.
الأرقام الرسمية تؤكد أن حالات الإفلاس التي لم تكن تتجاوز حاجز ال 10 آلاف سنويا قبل مجيء هذه الحكومة، قفزت إلى 25 ألف مقاولة سنة 2022 وإلى 33 ألفا في 2023، ثم تجاوزت 40 ألفا في 2024، وسط توقعات ببلوغ عتبة 50 ألف مقاولة في 2025. وهو ما يعني إفلاس 148 ألف مقاولة في ظرف 4 سنوات. وتشير الكونفدرالية إلى أن 98,04% من هذه المقاولات تنتمي لفئة «الصغيرة جدا»، وهي الفئة التي تمثل 93% من النسيج الإنتاجي بالمغرب، لكنها ظلت خارج دائرة الاستفادة الفعلية من الدعم العمومي.
ورغم أن القانون يفرض تخصيص 20% من ميزانية الاستثمار العمومي – المقدرة هذه السنة بـ340 مليار درهم – لفائدة هذه الفئة، فإن غياب المراسيم التطبيقية أبقى الالتزام نظريا، بينما استحوذت شركات كبرى أو مقاولات تابعة لمجموعات اقتصادية قوية على النسبة الأكبر من الدعم والصفقات. وهو ما يتكرر في المرسوم الجديد للاستثمار الذي رصد له غلاف بـ12 مليار درهم، إذ اعتمد سقف رقم معاملات يتراوح بين مليون و200 مليون درهم كمعيار للاستفادة، وهو شرط يفتح الباب أمام كيانات قوية ويقصي فعليًا الحلقة الأضعف في الإنتاج الوطني.
الكونفدرالية نبهت أيضا إلى أن 98.4% من المقاولات الصغيرة جدا تعاني من تراكم الديون والحجز على الحسابات البنكية، في خرق للقوانين، فضلا عن صعوبات التمويل وارتفاع تكاليف الإنتاج، وهو وضع تفاقم منذ جائحة كورونا، مرورًا بسنوات الجفاف، وتراجع القدرة الشرائية، وصولًا إلى القفزات المتتالية في أسعار المواد الأولية والطاقة.
وفي تصريح لصحيفة «الاتحاد الاشتراكي»، اعتبر رئيس الكونفدرالية عبد الله الفركي أن جواب وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، على سؤال كتابي في مجلس النواب، لم يتجاوز حدود التشخيص المكرر لوضعية هذه المقاولات، مستندًا إلى أرقام سبق نشرها في دراسة للبنك الأفريقي للتنمية، دون تقديم خطة عملية أو حلول ملموسة. وتساءل الفركي: «أربع سنوات من التشخيص… أين الحلول؟ هل يقتصر دور الوزارة على سرد المعطيات التي تعكس الوضع المأساوي؟ وماذا أنجزت الوزارة خلال هذه الفترة لتحسين واقع هذه الفئة رغم صرف الميزانيات وتسخير الموارد البشرية؟».
النظر إلى التجارب الدولية يكشف بوضوح أن إنعاش سوق الشغل يمر بالضرورة عبر دعم قاعدة النسيج المقاولاتي، لا عبر الرهان على شركات القمة فقط. ففي فرنسا، على سبيل المثال، تم إحداث بنك عام للاستثمار (Bpifrance) يخصص خطوط تمويل، وضمانات، وخدمات مواكبة حصرية للمقاولات الصغيرة جدًا، بهدف تعزيز قدرتها على خلق فرص عمل وتحفيز الابتكار، وهو ما أسهم في رفع معدلات التشغيل وتقوية تنافسية هذه الفئة. وتُظهر الإحصائيات الفرنسية أن المقاولات الصغيرة جدا، رغم محدودية رأسمالها، ساهمت في خلق مئات الآلاف من مناصب الشغل الجديدة خلال السنوات الأخيرة، بفضل سياسات تمويل موجهة بدقة وبيئة إدارية مرنة.
المجلس الأعلى للحسابات بدوره كان قد سجل في تقريره حول الموضوع «غيابا تاما للنصوص المتعلقة بالأنظمة الخاصة بدعم المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة»، رغم تضاعف المجهود المالي للاستثمار العمومي من 52.3 مليار درهم سنة 2015 إلى 119.2 مليار درهم سنة 2023. هذا التناقض – بين تضخم ميزانيات الاستثمار وتهميش القاعدة العريضة من النسيج المقاولاتي – يعكس، وفق المهنيين، خللا هيكليا في توجيه الدعم العمومي وغياب رؤية متوازنة لربط الاستثمار بخلق فرص الشغل المستدامة.
وتحذر الكونفدرالية من أن استمرار هذا النهج في مسودة مشروع قانون المالية الذي يتم إعداده حاليا ، سيقود إلى مزيد من الانكماش الاقتصادي وفقدان مناصب الشغل، داعية إلى مراجعة شاملة لمعايير الاستفادة من الدعم العمومي، وضمان تمثيل المقاولات الصغيرة داخل اللجان الجهوية للاستثمار، مع تفعيل آليات رقابية صارمة تحول دون الالتفاف على روح البرامج الحكومية، معتبرة أن إعادة الاعتبار لهذه الفئة تمثل مفتاح أي استراتيجية جدية لإنعاش الاقتصاد الوطني.


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 13/08/2025