«حفريات صحفية من … من المجلة الحائطية إلى حائط فيسبوك»

أكاديميون ومثقفون وإعلاميون يناقشون حفريات جمال المحافظ

احتضن المقر المركزي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية فعاليات لقاء تقديم وقراءة وتوقيع كتاب «حفريات صحفية من … من المجلة الحائطية إلى حائط فيسبوك» لصاحبه الكاتب والصحفي الدكتور جمال المحافظ، وهو اللقاء الذي أشار فيه محمد الطالبي نائب رئيس المكتب التنفيذي لنقابة الصحافيين الذي أدار اللقاء، أن النقابة قررت بالنظر إلى وفرة المؤلفات وتعميما للفائدة، أن توسع دائرة نقاش إصدارات هذه الكتب عبر مكاتبها الجهوية بمختلف جهات المملكة.
في قراءته للكتاب الذي يجمع سلسلة من المقالات كان المؤلف قد اختار منابر متعددة لنشرها، أبدى عبدالرزاق الحنوشي الباحث والفاعل الحقوقي عدة ملاحظات حولها من بينها عدم تأريخها سيجد القارئ معها صعوبة في فهم سياقاتها وزمانها ما يخلق لديه تشويشا في الفهم، وأن إصرار جمال على أن الصحافة سلطة هو وصف مزاجي والحنوشي غير متفقعلى ذلك.
وانتقل الحنوشي في قراءته للكتاب إلى أن هناك انسجام في التعاطي مع تناول المواضيع رغم تنوعها ( الضبط – الوقائع – السعي إلى النبش في نقط الظل ) ، وأن جمال المحافظ لا يستبق موقفه لكن يؤسسه من خلال آراء الشخصيات والاستناد إلى الخبير ، واعتبر اللجوء إلمتواتر للاستفهامات في الكتاب نوع من الذكاء الذي يستبطن الجواب من خلال الحرص على تدقيق المفاهيم كون جمال مسكون بهواجس المهنة والبحث العلمي في مجال الإعلام تنظيرا وأخلاقيا، واعيا تمام الوعي بالممارسة الصحفية بالمغرب وكيف تولدت أخلاقيات المهنة في السياق المغربي وبالتالي بعرف كيف يقتنص بعض الأحداث لتمرير رسائل لمن يهمه الأمر، مشددا ايضا على أن جمال تعاطى مبكرا مع بعض الأشياء الحديثة في المجال الصحفي منها ( Fake news).
من جهتها استرجعت خديجة الكور الباحثة في علم الاجتماع وخبيرة في التواصل ذاكرتها لتستحضر معها علاقتها مع الكاتب الصحافي جمال حافظ وهي يافعة في مخيم خرزوزة وهو المربي المسؤول عنه حين كلفها بالتغطية الإعلامية لأنشطة المخيم بعد أن زودها بآلة التسجيل وتفريغ ما أنجزته في المساء والقيام بكتابته بخط جميل، مرئي ومقروء حتى يتمكن بنات وأبناء المخيم والأطر التربوية وزوار المخيم من قراءة ما ينشر في المجلة الحائطية بسلاسة، لتخلص إلى أن الفضل في دخولها عالم الصحافة بعد حصولها على شهادة الباكالوريا إلى المعهد العالي للصحافة والإعلام وتخرجها منه كصحافية، يعود إلى الدكتور الصحافي والمربي جمال محافظ.
هذا ومن خلال قراءة هذه مقالات الكتاب – تقول خديجة- يتضح بعده في ال» الحفريات» والحفريات هي آلية من آاليات البحث الأركيولوجي تعتد على أدوات وعلى تنقيب وعلى سفر في الأزمنة وقد سافر بنا جمال في أزمنة إعلامية مختلفة من خلال أزيد من 80 مقالا امتدت على مدى خمسين سنة، وهي محاولة لفهم الماضي وربطه بالحاضر. وأضافت الباحثة في علم الاجتماع أن الكتاب هو محاولة موفقة لمقاربة عدة إشكالات ترتكز بالإعلام والاتصال أولا في علاقته بدينامية التحولات في المجتمع على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئة ويتضمن في عدة مقالات لحظات توقف عديدة حول بعض المحطات التي وسمت تاريخ واقع الصحافة والصحفيين في علاقتها بمؤسسات المجتمع ونظمه المتعددة في محاولة لفهمها والاستفادة من دروسها وربطها بالسياقات الراهنة وبأسئلة الحاضر في رحلته عبر هاته المقالات.
وتوقفت خديجة عند أثر الأنترنيت بعمق في وسائل الإعلام التقليدية خصوصا مع ظهور فاعلين جدد في بلورة انتشار المعلومة الإخبارية في ارتباطا بالتحولات التي يعرفها المجتمع لكن أيضا بالتطور التكنولوجي والتقنيات الرقمية التي أثرت في العلاقات والعادات والمعرفة والحياة المهنية وطرق الترفيه. لتخلص بفقرة في ختام الكتاب تخص موضوع المقاطعة في وسائل التواصل الاجتماعي مشددة على الانتباه إلى الوسائط الجديدة في تشكيل الرأي العام وفق ما تتطلبه مقتضيات القرن 21 من عملية الإنصات إلى نبض الشارع والتجاوب مع تطلعات المواطنين وتحقيق مطالبهم في العيش الكريم بعيدا عن الشيطنة بهدف تكميم الأفواه خصوصا ونحن في سياقات تعرف عدة تحولات على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وجيو استراتيجة والقطع مع منطق الشيطنة.
من جانبه، أكد سعيد منتسب الكاتب والصحافي، أن مهنة الصحافة، عموما، تعيش تحولا حارقا يخترق هويتها، ويهدد وجودها، في ظل الاحتكاك المستمر مع التكتولوجيا، على مستوى المحتوى والأداء، وأيضا في ظل الإبدال الكبير الذي أخذ يصنعه «الذكاء الصناعي»، مما يضعها أمام العديد من الاختبارات والتحديات.
ولخص سعيد منتسب هذه الاختبارات والتحديات في 12 نقطة. معتبرا أن الكتاب يحمل مضمرات من قبيل أن السؤال المرتبط بـ»الهوية الجديدة» للصحافة؛ مشيرا إلى أنه لا يمكن القول إن الصحافة نمت نموا طبيعيا بالنظر إلى الاستغراق في تاريخها، وفي اللحظات الأولى لتشكلها، وفي مبادئها ونضالات رجالها الأوائل. فالكتاب، وهو يستعرض كل ذلك، لا تستهويه «النوستالجيا»، ولا يحمل أي نزعة «أصولية» أو «سلفية».
وتساءل الباحث والصحفي عن معنى النزاهة الفكرية والاستقلالية والحياد في ظل التقيد الشامل بالخط التحريري، وفي ظل واقع «الاستزلام الصحافي» الذي تصرف عليه مبالغ طائلة. مشيرا إلى أن ممارسة الصحافة خارج «الإناء الحارق» أو خارج «الصندوق» أصبحت صعبة إن لم نقل غير ممكنة، خاصة أن الفرق تضاءل، إلى حد ما، بين الصحافي «الأجير» والصحافي «المأجور». لينتقل في مداخلته إلى صحافة» الإشاعة وتزييف الواقع والتضليل وفبركة الأحداث، وعن العلاقة المفترضة بين الصحافة كممارسة مهنية لها ضوابطها وأخلاقياتها، وبين «البروباغاندا» و»التمكين» للسلطة كأداة للضبط والتحكم.
وأكد المتدخل أننا، كصحافيين مهنيين، لا نُعلّْم الصحافيين المبتدئين ما معنى الانتماء إلى مؤسسات المجتمع ونظمه المختلفة، ولا نعلمهم أنهم جزء لا يتجزأ من البناء الديمقراطي، وحجر أساس للتطور السياسي. مفيدا أن الانصياع للتوجيهات التي تأتي من خارج المهنة مهما كان مصدرها يعني «موت الصحافي». وهنا ينبغي دائما أن نصنف الصحافي وفقا لدرجة انصياعه لضميره الحي بدل الانزلاق الطويل والمستقيم في بحر التزييف والتزوير والاختلاق، فبتحول بذلك إلى «عامل تضليل»،
وقال منتسب إن هذا التحديق الغاضب والالتفات المرتاب لن يسمح بالقول إن الذكاء الاصطناعي يهدد، شئنا أم أبينا، ليس فقط «المرتكزات والأسس»، بل سيضعنا أمام «رجل آلي» يدمر بلا هوادة جثة فيل ثلجي (الماموث)، ودون أي إحساس بالذنب.
ليخلص منتسب إلى إن «حفريات جمال المحافظ» تعود بنا إلى «بيت العائلة» لتكرر أمامنا، وعلى نحو شديد الاهتياج أحيانا، أن ما تتعرض له الصحافة الآن ليس حادثا سعيدا، وأن صعوبة النطق التي تتعرض لها الآن ليست قدرا، وأنه ينبغي أن تستعيد المبادرة بتكريس النزاهة الفكرية والاستقلالية ومواكبة التطور الرقمي والتكنولوجي، والإنصات العميق إلى ما يمليه السياق دون «السقوط الحر» في جزئه القاتم. وهذا ما تقترحه علينا الحفريات. فليعتبر أولو الألباب.


الكاتب : يوسف بلحوجي

  

بتاريخ : 08/03/2023