شهادات وقصائد زجلية وأشرطة توثيقية وقراءات في أعماله
التزاماً منها بالاحتفاء بالمبدعين و”تكريساً لثقافة الاعتراف بالآخر ضداً على ثقافة الجحود والنسيان”، نظمت “جمعية الأنصار للثقافة”، بخنيفرة، مساء السبت 2 نونبر 2024، بفضاء “المركز الثقافي أبو القاسم الزياني”، أمسية تأبينية تكريما ووفاءً لروح الفيلسوف والمبدع الراحل عبد الإله حبيبي، تم فيها تقديم شهادات مؤثرة حول حياة الفقيد وفكره وإبداعاته، إلى جانب ندوة فكرية تناولت أعماله وسيرته الذاتية، وعرض شريط وثائقي يوثق جوانب من لقاءاته الفلسفية والفكرية، كما تميزت هذه الأمسية بأداء قصائد زجلية، مما أضفى عليها أجواء مؤثرة، في حضور نوعي من المهتمين بالشأن الثقافي والمعرفي، وأصدقاء وأقارب الراحل.
أدار الأمسية الفاعل الجمعوي والثقافي، ذ. المصطفى تودي، الذي استهلها بكلمة مؤثرة ألقاها رئيس الجمعية المنظمة، ذ. عبد العزيز ملوكي، مشيرا فيها إلى ما دأبت عليه جمعيته من محطات تكريمية لشخصيات ثقافية عديدة، من الأحياء والراحلين، ليتوقف عند رحيل الفقيد عبد الإله حبيبي قائلاً: “لن ندعه يغادرنا بصمت، بل لنؤكد أن اسمه سيبقى موشوماً في الذاكرة”،فيما أشاد، ذ. عبدالعزيز ملوكي، بمناقب الراحل “كإنسان نقي، خلوق، صادق، ثابت على كلمة الحق، قادر على تهدئة الغضب عبر نشره لطقوس الحب اللامتناهي”، وقال إن “خير عزاء لنا في الراحل موروثه الفكري والإبداعي”.
ولم يدع مدير المركز الثقافي، ذ. حسن بلكبير، فرصة اللقاء دون المشاركة بكلمة أشاد فيها بالراحل، مؤكداً على “استمرار انفتاح المركز على الفعاليات الثقافية والفنية المحلية”، وقد تم تعيينه مؤخراً خلفاً للأستاذ المصطفى فروقي، أما برنامج الأمسية، فتضمن مرثية لصديق الفقيد، الزجال أمدياز الحاج، بعنوان: “بيوس فزيان”، رواها بأبيات مكثفة لخصت محطات حياة الفقيد،وما التصق بالذاكرة بشأنه من محطات وأزمنة ومراحل، ثم قرأت شقيقة الفقيد، ذة. فاطمة حبيبي، رسالة مؤثرة من ابنه يونس، تحدث فيها بأسلوب ملؤه الحنين عن والده كأب أمازيغي، وفيلسوف، ومستكشف للإجابات الصعبة، ومرشد وصديق و”بيوس” في مواجهة التحديات.
بدوره، تحدث الفاعل المدني والجمعوي، ذ. أحمد حميد، بعفوية باسم العائلة عن مراحل حياته مع الفقيد عبدالإله حبيبي منذ الطفولة حتى رحيله المفاجئ، واصفاً إياه بـ”المنسجم مع ذاته وأفكاره وثقافته الأمازيغية”، و”بيوس” القادم من جبل غنيوس ضواحي مريرت”، و”المتعلق بجذوره وعائلته ومجتمعه”، و”الإنساني الكوني في إنسانيته وكيانه” الذي انفتح على جميع الثقافات والنقاشات الميدانية والجدالات الفكرية” ..
وقد شارك الإعلامي أحمد بيضي بشهادة حول صديقه الراحل، واصفاً إياه بالناشط اليساري في الصفوف الطلابية، والمدرس والمراقب التربوي، والشاعر، والعازف على آلة الوتر، والسياسي المحنك، والموثق لموجة الاعتقالات التي عرفتها خنيفرة إبان سنوات الرصاص، وكذلك الفيلسوف الداعي إلى تخصيص “يوم وطني للفلسفة”، كما أشار إلى نضاله ضمن صفوف حزب القوات الشعبية في زمن الرِدَّة، وإلى دوره كمستشار بلديٍ صامدٍ أمام الضغوط والمؤامرات، متمسكاً بمرجعياته الفكرية التي تتيح للمثقف السياسي صنع التاريخ،كما ذكر الحضوربأعمال الفقيد ومواقفه ودعواته للتعايش الفكري، وحضوره الدائم في المناسبات الفلسفية وتواقيع مؤلفاته.
برنامج الأمسية تضمن، أيضا، ندوة فكرية حول أعمال الفقيد، أشرف على إدارتها ذ. محمد عياش، وشارك فيها باحثون ومثقفون، منهم ذ. محمد ريسي الذي قدم ورقة بعنوان “حوار الأدب والفلسفة: حفريات في الذاكرة الفردية والجماعية”، استهلها بالإشارة إلى “فكر الفقيد الذي لا ينتهي بنهاية ما نشره”، متطرقاً إلى “التكامل بين الأدب والفلسفة في كتابات الفقيد التي تستدعي مقاربات متكاملة شاملة وقراءات متجددة”، إذ تدمج الأدب بالعقلانية والمشاعر، وببعض الأمور الذي تحتاج للقبض عليها دون انفلاتها”، ولم ينس التذكير بكتابات المفكرين عابد الجابري وعبد الله العروي، وعلاقة أفلاطون بأشعار هوميروس.
بعد ذلك، تناول ذ. ريسي ما بات يصطلح عليه ب “الأدب الفلسفي”، وقرأ مقاطع من رواية الفقيد “بيوس أو طفل الحكمة والطقوس”، قبل تركيزه على ما تضمنته فصول الرواية من شخصيات متعددة وأوصاف الطفل، ومستعرضاً علاقة الطفل في الرواية بالسارد والكاتب والتلميذ في مؤسسة “الزنجي”، فضلاً عن مشاهد من تاريخ جيل بأكمله من خنيفرة، ونوافذ خلفية “تجعل من كاتب الرواية باحثاً اجتماعياً”، كما أشار إلى تناول الرواية لمواضيع حساسة كـ”الجنس الممنوع” و”أزقة الدعارة”، حيث أجاد الفقيد الموازنة بين الصراحة والحياء بلمسة فنية ممتعة تراعي حالة الخجل أمام القارئ.
أما ذ. جواد رضوان، الذي تحمل مشاق السفر للمشاركة في الأمسية، فقد ألقى مداخلة بعنوان: “جدلية المعنى والوجود في روايتي “بيوس أو طفل الحكمة والطقوس” و”نحيب الأزقة”،منطلقا من التعبير عن عشقه لخنيفرة، ومتحدثا عن الفقيد باعتباره “رائعاً في صمته وكلامه، عاشقاً للجمال والتسامح”..
في مداخلته، واصل ذ. جواد رضوان الحديث عن جمالية اللغة ونفحات الوجودية في أعمال الراحل عبد الإله حبيبي الروائية، وتناول الأبعاد المأساوية التي تشوبها، وموضوع “دوام الإنسان في وجدان الطفل الباحث عن ذاته ومحيطه”.
بدوره، شارك ذ. المصطفى تودي بورقة حول رواية “بيوس أو طفل الحكمة والطقوس”، استهلها بتفسير ما يقصده ب “الأدب المقاوم” (la littérature de résilience) الذي يجسده العمل، وأبرز توظيفه لأدوات علم النفس المرضي والتحليلي لتشخيص تجارب الرواية والكاتب، وفهم الثقافة السائدة في تمثلاتها.
وتلاه د. حوسى أزارو بمداخلة عميقة، عبّر فيها عن موقفه من “رحيل عبد الإله حبيبي”، مؤكداً أن “الرجل لا يزال حيا بفكره”، وأننا “نفتقر إلى الشجاعة الكافية للتحدث عن الموت في بالفكر الفلسفي”، مشيراً إلى أن الراحل “خلد نفسه من خلال أبنائه وأبناء المجتمع ومؤسساته”،مشددا على أنه من واجبنا “الإبقاء عليه حياً ممتداً في كيانه وتكوينه وحضوره وترحاله، طالما نصادفه في كل زاوية من زوايا المعرفة والفكر والفلسفة..” .كما سلط د. أزارو الضوء على البعد التربوي للفقيد، قائلاً إنه “في كل لقاء تربوي نتطهر منه باللغة الفلسفية والمعرفية وكأنه متصوف عظيم”، مؤكداً أن “الراحل نحت الفلسفة بجسده وروحه، من خلال إثارة القضايا وتشكيل المفاهيم برؤية مغربية وخصوصية المغاربة..”.
الناقد ذ. علي وهبي الذي تعذر عليه الحضور بسبب ظروف طارئة، بعث قراءة في رواية الفقيد للمنظمين تحت عنوان: “السرد: أبعاده وامتداداته الدلالية في رواية “نحيب الأزقة” لعبدالإله حبيبي”، لكن ضيق الوقت حال دون قراءتها في الندوة، وبدلاً من ذلك تقرر العمل على إدراجها في كتاب أكد المنظمون أنه سيجمع أشغال الأمسية، كما تأجل عرض شريط يحتوي على حوار بين القاص عبد الله المتقي والراحل عبد الإله حبيبي، أجري خلال لقاء ثقافي سابق، لتختتم الأمسية بتقديم درع الجمعية و”شهادة اعتراف” لأسرة الفقيد، قبل زيارة جماعية لمعرض يضم أعمال الفقيد.