«حفيد» عبد الحق الزروالي يسترجع تاريخ مساره المسرحي بكلية الآداب بالمحمدية

استرجع المسرحي والممثل المبدع عبد الحق الزروالي، في لقاء أمام طلبة ماستر دراسات مسرحية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية، مساء الأربعاء، من تأطير الدكتور أحمد توبة وعمر الرويضي وتسيير الدكتورة أمل بنويس، وبحضور عبد الجبار الحمومي، رئيس شعبة اللغة العربية وأساتذة وطلبة، استرجع تجاربه المسرحية على مدى مساره الحافل فوق خشبة المسرح على لسان « حفيده «، الذي حكى عن علاقته بأبي الفنون، وبداياته التي كانت من مدينة فاس، وما تحمله هذه المدينة العريقة من عادات وثقافات وما تزخر به من فنون، والتي كان لها الفضل في صقل موهبته، وما بلغه من شهرة في المغرب والعالم العربي.
يروي» حفيد» الزروالي عن جده من خلال ما رواه له والده: « نحن نعيش ردود قراءاتنا التي نصطدم بها، كي لا ننهض من صدماتنا وأوجاعنا، ويجب أن نقر أن مجرد هذه الجلسة، مجرد أن تكون لنا الجرأة لنفتح ملف المسرح، يعتبر إنجازا رهيبا، لأن البيئة الملائمة لنبتة المسرح لا نتوفر عليها من جميع الجوانب، ورغم ذلك نقاوم منذ الستينيات والسبعينيات والثمانينيات وكانت الظروف أسوأ، ولكن كان العشق والإرادة واليقين بأننا نساهم لتهيئة مغرب جديد متطور بريادة وأخلاق، مغرب له قيم ومبادئ وأعراف وأسس وله طموحات مشروعة…».
وأضاف الزروالي : « أنا لم أبذل أي جهد كي أكون هذا العبد الضعيف عبد الحق الزروالي، يكفي أن الله أراد أن أنشأ في مدينة فاس، والتي يرجع لها الفضل لتمنحني كل ما أنا فيه، لم آت بأي شيء من عندي، يكفي أنني تربيت وسط الملحون والأندلسي والقفطان والبسطيلة والمحنشة وكعب الغزال وماء زهر، وحتى المتسول في فاس يتجول متسولا في الدروب بصوت رائع. وبالتالي هذه البيئة أو المعهد هي مدينة فاس، وكانت فاس، وأنا لا أتحدث عن فاس الآن، وقد وصفتها في مسرحية « برج النور»».
جميع المدن، يقول الزروالي، هي تراث للإنسانية، وليس المفهوم الضيق للانتماء للحومة والدرب، بل نتحدث عن حس كوني، فبيئتها و»كوكتيلها» وتركيبتها، جعلت منها مستنبتا للعديد من الأشياء، وهذا لا يعني أن ننقص من شأن المدن الأخرى، التي تزخر بفنون العيطة والراي والملحون وعيساوة وغيرها، أنا أعشق الأهازيج الأمازيغية وأعشق كل فنون المغرب الجميل، والذي تصب فيه كل التيارات، الإفريقية والأمازيغية، واليهود واليونان والإغريق ..الكل اجتمع في هذه البقعة التي نحن فيها، جعلنا الله تعالى في موقع مناسب ..لكي نكون شيئا كبيرا «.
و يتابع الراوي(الحفيد) سرده لمحطات من حياته : « في كل هذه الظروف نشأت وتزودت بما أحاول الآن استثماره، مرة كنت في العراق، منذ 35 سنة، وسألتني صحفية عراقية: «ألا ترى أنك وصلت مبكرا ؟ « لأرد عليها بأن سؤالها يحتوي على خمس كلمات، وأجيبها بنفس عدد الكلمات : « أعترف أنني لم أبدأ بعد» .
لقائي اليوم معكم هو للاستماع إليكم، وأسئلتكم هي ما يجعل عندي قابلية لإعادة النظر في بعض قناعاتي، فأنا لم آت لاستعراض أشياء خاصة بي، هذا اللقاء هو للتواصل معكم، وأعتقد أنني محتاج له.».
وأضاف : « نحن في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات استمددنا تجاربنا من الجامعة، بالرغم من أن %90 منا منهم من مات ومنهم من انتحر ، والتجارب التي مررنا بها كانت لا تحتوي على 10 %منهم، ولكنني تمكنت من الصمود، واعتبرها «ربانية» ، شكرا لكم أنكم عدتم بنا إلى هذا الزمن الجميل للاستمتاع بتجاربنا، ومع الأسف لم تتوثق تجربة مسرح الهواة ، لا كتابة ولا صورة، شهرمان بمراكش والوردي من وجدة، اللحروش تطوان تيمور مكناس الحوري بالمحمدية ، رحمه الله، وبالتالي أشكركم على فتح هذا الملف ..جئت لاسترجاع يقيني ، فسند المسرح المغربي كان الجامعة والأحياء الجامعية، لم يكن هناك قاعات بل طاولات لإقامة العروض، وأنا الآن عاجز عن إعادة تلك العروض . لكن هذه الشعبة وهذا المجهود المبذول نتمنى أن يكون على مستوى التنظير والتطبيق أيضا، لأن مع الأسف الشديد هناك تضخم في الوعي النظري ولكن على مستوى التطبيق التجارب بدائية، فالمسرح ليس هو الرواية، الرواية تقرأ والشعر يقرأ والقصة تقرأ، المسرح مع الأسف صناعة وممارسة بدائية، عندنا تضخم في الوعي النظري، ويجب التوازي بين النظري والتطبيقي والإحساس بالتطبيق، وأن المسرح ممارسة ميدانية وليست نظرية.
إن حوارا واحدا يحتاج إلى الدقة، مثلا لما نريد أن نكتب مسرحية بسبعة شخوص، طبيب وصاحب طاكسي ورجل أمن وخادمة ..بالله عليكم كيف يكتب حوار لطبيب وهو لا يعرف الطب، ويكتب حوارا لمحامي أو قاض وهو لا يعرف عن مهنهم شيئا، ويكتب حوارا لمتسول، وهو لم يجرب مرة واحدة أن يمد يده طلبا لقطعة نقود .
إذن لكي تكتب لشخصيات، تحتاج إلى تجربة، هناك من تعمد ارتكاب جرائم ودخل السجن، وافتعل مخالفة كمحكوم عليه، وهناك ممثلون ومسرحيون لهم أدوار تدور حول الحمق، فيعمدون إلى ولوج مستشفى الأمراض العقلية لمدة ثلاثة أشهر ليعيشون تجربة المجانين ذوي الاحتياجات العقلية حتى يستطيع لعب ذلك الدور .
ليس سهلا، نحن تعلمنا من الحياة، نقرأ الحياة ولا نعيشها !».
بهذه الكلمات اختتم الفنان المسرحي عبد الحق الزروالي بوحه الموجه إلى طلبة ماستر، والذي حاول أن يختزل فيه عصارة تجربته المسرحية الحافلة.
ويأتي هذا اللقاء ضمن سلسلة من اللقاءات الثقافيّة التي تُنظّمها كلية الآداب بحضور شخصيات وازنة في مجالات تتعلّق بالثقافة والفكر. وتُقدّم هذه اللقاءات معرفة موازية للطلبة والباحثين، لأنّها تزوّدهم بمجموعة من المعارف والقضايا والإشكالات، خاصّة حين يتعلّق الأمر بشخصيات فكرية تستطيع أنْ تُقدّم خطاباً فكرياً قوياً وتكشف عن مسارات التكوين والتنشئة بالنسبة للشخصية. تحرص الكلية سنوياً على وضع برنامج ثقافي يساير تحولات الجامعة، كما يتم الرصد من خلاله الواقع الثقافي خارج أسوار الجامعة. وذلك على خلفية أنّ الجامعة الحقيقية هي التي تسعى إلى الانفتاح على المحيط السوسيو ثقافي، بما يجعلها تعمل على إخراج بعض الفنانين من الهامش صوب ضوء المركز. والحقيقة أنّ مثل هذه اللقاءات تُساهم لا محالة في تقديم تكوين حقيقي بالنسبة للطلبة، لأنّها تزودهم بمعلومات ومواقف وإشكالات ذات صلة بالثقافة المغربية في مجمل تحولاتها.
وارتأت الكلية أنْ يكون ضيف هذا الشهر الممثل المسرحي عبد الحق الزروالي، بحكم إسهاماته في المشهد المسرحي في إطار ما سُميّ بالمسرح الفردي. ويُعتبر الزروالي رائداً للمسرح الفردي إلى جانب الفنانة ثريا جبران. فقد استطاع عبر هذا النوع المسرحي إنتاج أعمالٍ مسرحية هامّة ومؤثّرة بموضوعاتها الفنية وأساليبها الجمالية ورؤاها الفكرية في المشهد المسرحي. وقد كان الزروالي جريئاً في عدد من مسرحياته على الخوض في قضايا اجتماعية وإشكالات سياسيّة. فوجوده مع الطلبة في حوار مفتوح سيُساهم لا محالة في إغناء الحديث عن التجربة المسرحية بالمغرب في علاقتها بباقي التجارب المسرحية الأخرى.


الكاتب : مصطفى الإدريسي

  

بتاريخ : 06/01/2024