حكام الجزائر يكشفون عن وجههم الحقيقي

أخيرا تنجلي حقيقة الأطماع الجزائرية في الصحراء المغربية والدوافع الحقيقية التي جعلت حكام الجزائر يحشرون أنوفهم في قضية لا تعنيهم أصلا، فسخروا كل جهودهم على امتداد عقود، لخلق حركة انفصالية ودعمها عسكريا ودبلوماسيا في حربها ضد المغرب ووحدته الترابية وسيادته الوطنية. في الأصل لم تكن حركة البوليساريو سوى جماعة من الشباب الصحراوي المتعلم بالجامعة المغربية والناشئ في مدن مغربية وأسر صحراوية مندمجة اجتماعيا وثقافيا في المجتمع المغربي المتنوع الثقافات والمتعدد الروافد،جماعة نادت في البداية بتحرير الصحراء من الاستعمار الإسباني وعودتها إلى أحضان الوطن الأم، ولولا أخطاء السلطات المغربية التي قمعت مظاهرة طانطان التي أطرها أولئك الشباب وهم يحملون الأعلام الوطنية، واستغلها النظام الجزائري بتنسيق مع نظام معمر القذافي لما كانت البوليساريو، لكن يبدو أن النظام الجزائري كان سيبحث عن حصان طروادة آخر كيفما كان، وبأي مبرر كان، لمعاكسة المغرب في تحرير صحرائه واستكمال وحدته الترابية؛ وذلك لاعتبارات استراتيجية مرتبطة بعقيدة الحكم العسكري الجزائري ونزوعاته التوسعية. هكذا ناصب حكام الجزائر العداء للمغرب منذ الانقلاب على بن بلا، وتنكروا للتاريخ الكفاحي المشترك ضد الاستعمار ولكل الروابط الاجتماعية والثقافية الموصولة بين الشعبين، وأعلنوها حربا شعواء ودائمة ضد المغرب تحت ذرائع إديولوجية أحيانا ولأهداف توسعية ثابتة لم تنل منها التحولات العميقة التي شهدتها العلاقات الدولية بعد انهيار جدار برلين ونهاية الحرب الباردة. وعلى نفس النهج العدائي سار جنرالات الجزائر عندما انخرط المغرب في معركة استرجاع أقاليمه الصحراوية، فعبؤوا كل إمكانات الجزائر الاقتصادية والمالية والعسكرية وعلاقاتهم الدولية في إفريقيا والعالم لدعم حركة انفصالية صنعوها صنعا في مطبخ المخابرات الجزائرية والليبية، على امتداد النزاع المفتعل كان حكام الجزائر لا يتوقفون عن ترديد لازمة لم يثق فيها سوى الحكام أنفسهم، مفادها أن دعمهم البوليساريو موقف مبدئي تجاه شعب يسعى لتقرير مصيره وتحرير وطنه المحتل من قبل الجيش المغربي، إنها الأطروحة الأساسية التي اعتمدتها الجزائر لتبرير موقفها من جهة، ولتعبئة دول أخرى لنصرة مايسمى بقضية ” الشعب الصحراوي” في المحافل القارية والدولية. وهي الأطروحة التي اعتبرناها دوما أطروحة زائفة، ما انفكت الدولة الجزائرية تتستر من خلالها على نواياها الحقيقية المرتبطة بروح الهيمنة التي سكنت حكام الجزائر الذين أغرتهم عائدات النفط الضخمة ببسط نفوذهم على المنطقة إلى حدود المحيط الأطلسي وإلى أعماق إفريقيا حتى جنوبها، وهو هدف لا يمكن بلوغه إلا بتطويق المغرب البلد المؤهل لمنافسة الجزائر، حسب حكامها.
فما الذي حدث حتى نطق حكام الجزائر الحاليين بالحق، وأعلنوا جهارا وعن طواعية عن طموحاتهم الحقيقية، وطالبوا أن يعاملوا كطرف معني بقضية الصحراء المغربية، وكشريك فعلي في أية مفاوضات مقبلة، لأن الأمر يهم الأمن القومي للجزائر ومصالحها الاستراتيجية؟ جوابا عن السؤال، وجبت الإشارة إلى جملة من الحقائق التاريخية المرتبطة بالعلاقات المغربية الجزائرية التي خلقت لدى حكام الاوليغارشية العسكرية الجزائرية عقدة لم يقدروا على تجاوزها حتى الآن، وتتمثل في:
– المغرب دولة عريقة امتدت أطرافها إلى بلاد السودان وإلى الأندلس، وضمت في فترات تاريخية نواحي من جزائر اليوم، وعاش الشعب المغربي حرا عزيزا موحدا، مما مكنه من الصمود في وجه كل محاولات الغزو الأجنبي سواء القادم من الجزيرة الأيبيرية أو من الإمبراطورية العثمانية. وحدة الشعب المغربي منحته هوية ثقافية واجتماعية متينة تميزت بتنوع تضاريسها وغنى روافدها، في المقابل لم تتشكل الهوية الجزائرية إلا خلال حرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي الذي احتل الجزائر لما يناهز قرنا ونصف قرن بعد استعمار عثماني استمر ثلاثة قرون، ومن المؤسف أن الحكام الجزائريين اختاروا أن يؤسسوا تلك الهوية على خلفية معاداة المغرب الذي غامر باستقلاله الوطني دفاعا عن الجزائر وخاض من أجل ذلك معركة ايسلي التي مهدت لعهد الحماية، كما احتضن الثورة الجزائرية وقدم لها كل الدعم رغم محدودية قدراته الاقتصادية والعسكرية بداية الاستقلال.
– حرب الرمال سنة 1963 عمقت لدى القيادة الجزائرية والنخبة الجزائرية الشعور بالدونية تجاه المغرب الذي اكتفى في تلك الحرب برد العدوان ولم يستغل تفوقه لاسترجاع الأراضي المغربية الشاسعة الأطراف التي اقتطعها الاستعمار الفرنسي من المغرب وضمها للجزائر قبل استقلالها…
– رغم تواضع الموارد الاقتصادية للمغرب مقارنة مع مثيلاتها في الجزائر المالكة للنفط والغاز، استطاع ، خاصة خلال العقدين الماضيين، أن يرسم لنفسه مسارا تنمويا واعدا، عماده بنيات تحتية حديثة، وميزته التنوع والمرونة والانفتاح، في حين أبان النموذج التنموي بالجزائر عن فشله التام في تحقيق تنمية متوازنة أو في تحقيق الرفاه للشعب الجزائري الذي يعاني اليوم في ظل تراجع الريع البترولي من ظروف صعبة…
– فضلا عن ذلك استطاع النظام السياسي المغربي أن يطور ذاته وأن يتحول تدريجيا من ملكية مطلقة وحكم فردي مستبد إلى ملكية ديمقراطية عصرية تحكمها مؤسسات وتؤطرها قوانين تستلهم حقوق الإنسان وتلتزم بمواثيقها الكونية. إنه التطور الذي ضمن للمغرب استقراره السياسي ومنحه القدرة على الصمود تجاه التقلبات الكبرى التي عاشتها أقطار عربية زمن خريف حسبه البعض ربيعا عربيا، كما مكنه من مواجهة الإرهاب والتطرف، في حين أدى نظام الحزب الواحد بالجزائر إلى خنق الحياة السياسية ووأد التعددية السياسية، وبالتالي إلى انفجار دموي للتناقضات الاجتماعية التي لا يخلو منها أي مجتمع؛ فعاشت الجزائر عشرية سوداء لم تكن كافية ليأخذ جنرالات المرادية ما يكفي من دروس وعبر لتحقيق الانتقال الديمقراطي والمصالحة الوطنية مثلما حدث بالمغرب بعد سنوات الجمر والرصاص.
وقفنا عند هذه الحقائق، اقتناعا منا، أنها العوامل الأساسية التي يمكن أن تساعد على فهم الموقف العدائي الدفين لحكام الجزائر من المغرب، إنهم يرون في النموذج المغربي، اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، نقيض وجودهم، وتسفيها لاختياراتهم، وشاهدا على فشل نموذجهم، ولنعد إلى طرح السؤال: ما الذي جعل المسؤولين الجزائريين يبوحون بحقيقة أطماعهم وصدق نواياهم بعد محاولة التخفي وراء شعار ” تقرير المصير” لما يناهز نصف قرن؟
في الواقع، لم تكن واقعة الكركرات سوى القشة التي قصمت ظهر البعير الجزائري، وأخرجت الفأر من جحره، فمن الواضح أن البوليساريو، ومن ورائها، حكام الجزائر الجدد، ارتكبوا خطأ تكتيكيا لم يتصوروه أن يتحول إلى خطإ استراتيجي قاتل، فهم لم يحسنوا الحسابات كلها، بما فيها التحول النوعي للرأي العام الدولي من النزاع، المتمثل في اعتبار العواصم الكبرى وكثير من دول العالم، لا سيما في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، أن الحل الواقعي والممكن لا يخرج عن مقترح الحكم الذاتي وأن تقرير المصير صار نسيا منسيا وخرافة قديمة أمام الاندماج الكلي لسكان الصحراء في المجتمع المغربي بكل مجالاته ومؤسساته، وبفضل المسار التنموي الناجح بالجهات الجنوبية للمملكة، ولم تكن حسابات الجزائر وأداتها البوليساريو على المستوى العربي والإفريقي موفقة، وربما يكون مسلسل افتتاح قنصليات لدول إفريقية وعربية وازنة بالعيون والداخلة استفز العدوانية الكامنة في البنية النفسية والإديولوجية العميقة لحكام المرادية فاختاروا الهروب إلى الأمام، ونسي أو تناسى حكام الجزائرأ أن المغرب لم يعد قادرا على السكوت عن استفزازات البوليساريو بمعبر الكركرات وعلى مختلف خطوط المواجهة، وأنه عازم العزم كله، ملكا وحكومة وشعبا، على حسم النزاع سياسيا أولا وعسكريا إن اقتضى الأمر، وأنه مد يده مرات ومرات لبحث حلول واقعية لو استجاب إليها الخصوم لخطونا خطوات نحو الاندماج المغاربي ضمن مشروع سياسي وتنموي متكامل يستجيب لآمال الشعوب المغاربية قاطبة.
واقعة الكركرات ترجمة عملية لاستعداد المغرب والمغاربة لخوض المعركة الأخيرة وإنهاء النزاع في سياق دولي وإفريقي وعربي ملائم، وعزمه على طي صفحة ما سمي ب” قضية الصحراء” والتخلص نهائيا من ابتزازات الجزائر وصنيعتها البوليساريو الذي انكشفت عمالته وانفضحت ارتزاقيته وتصدعت صفوفه.
ولأن رهان الحرب الشعبية لم يعد ممكنا في ظل موازين القوى العسكرية، وأن خطر إنشاء دويلة عميلة للجزائر في الصحراء صار في خبر لا مبتدأ له، اضطرت الجزائر أن تكشف عن حقيقة نواياها وأهدافها الحقيقية ذات الصلة بمصالحها الاقتصادية وأمنها القومي، وتلكم هي الحقيقة، إنها المرة الأولى التي نطقت الخارجية الجزائرية صدقا وأبانت عن شجاعة وواقعية في تحديد المشكل وكشفت بدقة عن مسؤوليتها في افتعاله وإدامته، وعبرت عن إرادتها في أن تعامل باعتبارها طرفا معنيا بالنزاع وليس باعتبارها مراقبا للمفاوضات …
أعتقد أن تصريحات المسؤولين الجزائريين في هذا الصدد إيجابية في حد ذاتها لاعتبارات ثلاثة، أولها أنها إعلان صريح وواضح عن الأسباب الحقيقية للنزاع بدل التخفي وراء شعارات ” تقدمية” زائفة، والتشخيص الصائب لأي مشكل يمثل نصف الحل، وثانيهما أن الجزائر من خلال هذه التصريحات تعبر عن يأس ما تجاه مشروع الانفصال وإقامة الدولة على أرض الصحراء، وثالثها أن المغرب لم يقفل الباب أبدا أمام بحث مقاربة أجدى وأنفع للبلدين الشقيقين تحفظ لهما معا مصالحهما الاستراتيجية وأمنهما القوميين، وتؤسس لمستقبل مشترك أفضل.


الكاتب : عبد السلام الرجواني

  

بتاريخ : 01/12/2020