حكاية مسافر ..

ربما نسيت حقيبتها الصغيرة في القطار
فضاع عنواني وضاع الهاتف المحمول
محمود درويش

 

عبابُ البياض يجتاحني
كما قطرات حزنٍ
يسجنني بين خطى الريح
أنا المسافر…
إلى أرض بلا عنوان
وحده طينُ حلمي
ينتعلنِي
كي ألقاني.

1
بينِي وبينهَا نقطتَا ندًى
ـ «آسفْ سيِّدِي ..» قالت
وانقسمَ الهواءُ بيننَا
واحدٌ فيه عِشقي
والآخرُ لهَا
يتسكعُ فيه اندِثَاري
وأنا أذُوبُ في أحْدَاقِهَا.

2
مثلَ الشتاءِ تعبرُ خلايايَ
تنثُرنِي قمحًا للهواجسِ
وقلبِي قَدَحٌ
مُعَطرٌ بِبُنِّ الشوقِ
يشربُ منهُ صَمْتُهَا
كيف أُلَمْلِمُ ذُبولِي
وهيَ تجلسُ بينَ انكسَارِي
ومَلاَمِحي تُهَرْوِلُ نَحْوَها؟.

3
كل الليالي تنام في حبري
أجمع ما تناثر مني
وأعد أنفاسي بين العتمات
وهذه القصيدةُ
تقدُّ قميصِي من قُبُلٍ
أصعَدُ فِي كُلِّ الصَّرَخَاتِ
مُهَاجِرًا فِي جَسَدِي
تَفِرُّ مِنِّي يَدَايَ نَحْوَهَا
هي الحيرةُ تحمِلُ حقائِبِي
تسْرقُ نهَاري مِنِّي
فأرانِي وَتَرًا بينَ كَفَّيْهَا.

4
مُسافِرٌ…
أَرتَعِشُ من هَذَا التِّرْحَالِ
تتَّسِعُ أَزْمِنَتِي
وكأَنَّ حَبِيبَتيِ تَطْرُقُ بَابَ حَوَاسِّي
لكن الأرَقَ يُمْسِكُ بي
وأنا أهُمُّ بفتحِ أزْرَارِ المَاءِ
فَتُغْلِقُ الأحْلاَمُ أبْوَابَهَا.

5
نَايُ المساءِ يُنَادِمُني
وهذا الأَنِينُ المنهمرُ من أصَابِعِي
يقرأُ ضوضاءهُ غُربَاء
عَبَرُوا أدغاَل الْعَتَمَاتِ
قالوا: ـ لا تَخَفْ…
كانتْ تأوهاتُ صَدْرِي
ألواح عِشْقٍ
أربَكَتْنِي قَصَائِد مَنْ مَرُّوا
تَجَوَّلْتُ فِي تَضَارِيسِهَا
فَهَرَبْتُ إِلَيّ
أُصْغِي لِنَهْرِ دَمِي
يَكْتُبُنِي ظِلاًّ بَاهِتًا
لاَ أَرَى فِيهِ
غَيْرَ اُضْطِرَابِي وَحُسنِها.

6
حَفظْتُ عنْ ظَهْرِ قَلْبٍ
كُلَّ شِعَابِ اُلْهَوَى
وَعَمَّتْ ضُلُوعِي سَكينَةٌ
وأَنَا أَقْرَأُنِي بَيْنَ سُطُورِهَا.

7
كَانَ القِطَارُ يَحْسُو شغَفِي
فَرَّتْ خُطُوَاتِي نَحْوَها
لكِنِّي لَمْ أَجِدْ غيرَ عوِيلٍ
يضُجُّ بهِ مَكَانُهَا.


الكاتب : نجاة الزباير

  

بتاريخ : 20/01/2023