وصل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أول أمس الأحد إلى باريس في زيارة تستمر ثلاثة أيام، للترويج لاصلاحاته وتعزيز روابط بلاده مع فرنسا، بعد توتر العلاقات بين البلدين إثر الازمات الاقليمية، كما افادت اوساط الخارجية الفرنسية.
وأشارت أوساط وزير الخارجية جان ايف لودريان إلى أن الأخير «استقبل محمد بن سلمان بناء على طلب الاليزيه» في مطار لو بورجيه قرب باريس.
وأفادت مراسلة فرانس برس عن موكب صخم يرافقه سيارات تابعة للشرطة على طريق سريع في اتجاه العاصمة الفرنسية.
وسيكون الاحد يوم زيارة خاصة للأمير البالغ من العمر 32 عاما، قبل أن يعقد لقاءات رسمية الإثنين ويتناول العشاء مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مساء الثلاثاء، بينما ما زال برنامجه غير واضح.
وقادته جولته حتى الآن الى مصر وبريطانيا، ثم الى الولايات المتحدة ففرنسا، وتندرج في إطار سياسة الانفتاح والاصلاح التي ينتهجها رجل السعودية القوي.
واعلن قصر الاليزيه الخميس ان ولي العهد السعودي سيشارك في وليمة يقيمها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على شرفه، وسيبحث الرجلان في «شراكة استراتيجية فرنسية سعودية جديدة». وسيزور لاحقا مدريد حيث يستقبله الخميس ملك اسبانيا فيليبي السادس.
ورافقت طائرات حربية طائرة بن سلمان لدى دخولها الاجواء المصرية.
في اليوم التالي، وقعت السعودية ومصر اتفاقا لتأسيس صندوق مشترك بقيمة 10 مليارات دولار لاقامة مشاريع في جنوب سيناء ضمن خطة سعودية لبناء منطقة اقتصادية ضخمة.
واكد المتحدث باسم الرئاسة المصرية ان «السعودية تمثل المستثمر العربي الاول في مصر».
والرياض والقاهرة جزء من الدول الاربع التي تقاطع قطر منذ يونيو الماضي، متهمة اياها بدعم «الارهاب» والتقرب من طهران.
وأعربت ماي عن «قلقها العميق في ما يتعلق بالوضع الانساني في اليمن» حيث تقود السعودية تحالفا عسكريا منذ عام 2015.
وترافق وصوله الى لندن مع تظاهرات احتجاجية على خلفية النزاع في اليمن.
وأوقعت المعارك بين القوات الحكومية المدعومة خصوصا من السعودية والامارات من جهة والمتمردين الحوثيين من جهة اخرى، نحو عشرة آلاف قتيل وأوصلت اليمن الى حافة المجاعة بعد ثلاث سنوات من الحرب الاهلية.
وقال الرئيس الاميركي «العلاقات (بيننا) هي الان اقوى من أي وقت مضى. نحن نفهم بعضنا البعض … ان صداقتنا فعلا قوية وعظيمة».
وفي اليوم ذاته، رفض مجلس الشيوخ الاميركي محاولة لوقف دعم السعودية في حربها في اليمن، لا سيما تزويد مقاتلات السعودية بالوقود وتبادل المعلومات الاستخباراتية.
وسيستقبل الملك فيليبي السادس ولي العهد السعودي الخميس في مدريد بحسب اجندة الاسرة المالكة الاسبانية، في زيارة تجسد العلاقات الوثيقة بين البلدين.
بحسب صحيفة «ال باييس» الاسبانية ستوقع الرياض عقدا لشراء خمس سفن حربية خلال الزيارة لاسبانيا بقيمة ملياري يورو، واتفاقات ثنائية اخرى.
والصفقة لبيع السفن الحربية التي يتم التفاوض بشأنها منذ عامين، تتعرض لانتقادات شديدة من مجموعة منظمات غير حكومية في اسبانيا – منها العفو الدولية واوكسفام وغرينبيس – التي تعتبر انه يمكن استخدامها في النزاع في اليمن حيث تشن السعودية منذ 2015 حملة عسكرية دامية.
وتقيم اسبانيا والسعودية علاقات وثيقة بدفع من الملك خوان كارلوس والد الملك الحالي الذي حكم البلاد من 1975 الى 2014. وكان صديقا للملك الراحل الملك فهد ويبقى اليوم مقربا من شقيقه الملك سلمان..
مبيعات الاسلحة الفرنسية للسعودية
تواجه مبيعات الاسلحة الفرنسية للسعودية التي تواجه اتهامات بارتكاب جرائم حرب في اليمن، انتقادات متزايدة من منظمات غير حكومية والرأي العام ونواب، على الرغم من محاولات باريس، ثالث مصدر للاسحة في العالم، لتخفيف التوتر على الارض.
وقالت عشر منظمات غير حكومية للعمل الانساني والدفاع عن حقوق الانسان الاربعاء، ان على الرئيس الفرنسي «ايمانويل ماكرون وضع اليمن في صلب محادثاته مع (ولي العهد السعودي) محمد بن سلمان» الذي اعلن الاليزيه انه سيقوم بزيارة رسمية الى فرنسا في التاسع والعاشر من ابريل.
وطالبت هذه المنظمات «بوقف عمليات القصف التي تستهدف مدنيين» و»برفع كل العراقيل امام ايصال المساعدة الانسانية والسلع التجارية الى اليمن».
وتتواجه في النزاع اليمني قوات موالية للحكومة المعترف بها دوليا وتدعمها السعودية والامارات، والمتمردين الحوثيين الذين تتهم ايران بدعمهم عسكريا ويسيطرون على العاصمة صنعاء.
وأدت الحرب منذ التدخل السعودي على رأس تحالف عسكري عربي في آذار/مارس 2015 الى سقوط حوالى عشرة آلاف قتيل وادت الى أزمة تصفها الأمم المتحدة بأنها «اسوأ كارثة انسانية في العالم».
وقالت مديرة الفرع الفرنسي لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» بينيديكت جينرود ان «الرياض تقود تحالفا قتل وجرح آلاف المدنيين»، مشيرة الى ان «عددا من هذه الهجمات قد تكون جرائم حرب».
واضافت «بمواصلتها بيع السعودية اسلحة، يمكن ان تصبح فرنسا شريكة في انتهاكات خطيرة للقانون الدولي وتوجه رسالة مفادها الافلات من العقاب» إلى القيادة السعودية.
ومع انها تعبر باستمرار عن استيائها من «الاضرار الجانبية» في صفوف المدنيين اليمنيين، تبقى فرنسا احد المصار الرئيسية للمعدات العسكرية للسعودية والامارات العربية المتحدة.
وفي سوق تشهد ازدهارا كبيرا، تنافس باريس واشنطن ولندن. فحسب معهد الابحاث السويدي «سيبري»، ارتفعت مبيعات الاسلحة في الشرق الاوسط خلال السنوات العشر الاخيرة بمقدار الضعف، وباتت هذه المنطقة تمثل 32 بالمئة من واردات الاسلحة في العالم.
قال انطوان مادلان من الاتحاد الدولي لحقوق الانسان «من السفن الى الطائرات والمروحيات والصواريخ… فرنسا تبيع السعودية اسلحة من دون ان تأخذ في الاعتبار المبادىء التي تدافع عنها على الساحة الدولية»، مذكرا بان دولا اوروبية اخرى مثل النروج والمانيا وبلجيكا اتخذت اجراءات للحد من استخدام معداتها في اليمن.
وتنوي منظمات عدة اللجوء الى القضاء، معتبرة ان فرنسا تنتهك خصوصا اتفاقية تجارة الاسلحة التي وقعتها باريس في 2014 وتنص على امتناع الدول الاعضاء فيها عن نقل اسلحة يمكن ان تستخدم في انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان.
اما الحكومة الفرنسية، فتؤكد انها تمتلك «نظاما متينا وشفافا لمراقبة تصدير المعدات الحربية» وتتخذ قرارات التصدير «في اطار احترام صارم لالتزامات فرنسا الدولية».
ويؤكد مكتب رئيس الوزراء الفرنسي ان «اجراءات المراقبة المتعلقة بقضية اليمن (..) تم تعزيزها بشدة في الاشهر الاخيرة».
وذكرت منظمة العفو الدولية ان هذه الحجج يصعب ان تكون مقنعة لان النظام «غير شفاف».
من جهته، يطالب النائب سيباستيان نادو العضو في الاغلبية الرئاسية بانشاء لجنة برلمانية للتحقيق حول مبيعات الاسلحة اليمنية الى اطراف النزاع في اليمن.
وقال النائب ان «الامر يتعلق بمعرفة ما اذا كانت فرنسا احترمت التزاماتها الدولية في هذا المجال»، معبرا عن اسفه «لعدم وجود» رقابة برلمانية على مبيعات الاسلحة. واضاف ان «هذه المراقبة محض ادارية والبرلمان يملك بعض المعلومات لكن ليس لديه اي تفاصيل». ووجدت هذه المواقف صدى لدى الرأي العام الفرنسي.
فقد اشار استطلاع للرأي اجراه معهد «يوغوف» مؤخرا ان ثلاثة من كل اربعة فرنسيين (74 بالمئة) يعتبرون «من غير المقبول» ان تبيع فرنسا السعودية معدات عسكرية، بينما ترى غالبية ساحقة منهم (88 بالمئة) ان على فرنسا وقف تصدير اسلحة الى دول يمكن ان تستخدم فيها ضد سكان مدنيين.
وقالت راضية المتوكل رئيسة المنظمة غير الحكومة «مواطنة» التي تحصي انتهاكات حقوق الانسان في اليمن «كيف يمكن لرئيس شاب متعلم الا يأخذ في الاعتبار مصير المدنيين اليمنيين؟». واضافت محذرة ان «التاريخ لن ينسى ابدا».
الجوله الطويلة في الولايات المتحدة
و اختتم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان نهاية الاسبوع في تكساس جولة في الولايات المتحدة استمرت أكثر من أسبوعين، تخللها خصوصا لقاء السبت جمعه بالرئيسين السابقين بوش الأب والابن.
ونشر جورج بوش الأب السبت صورة على حسابه على موقع «تويتر» تجمعه بالأمير ونجله جورج وأرفقها بالتعليق التالي «مناسبة رائعة للاحتفال بالصداقة القديمة بين بلدينا».
وانتقل بن سلمان يرافقه وفد رفيع المستوى، من البيت الأبيض الى هيوستن مرورا ببوسطن ونيويورك وسياتل ولوس انجليس وسيليكون فالي، الأمر الذي اعتبره خبير سياسي بمثابة حملة علاقات عامة تم التخطيط لها بشكل جيد.
وبين الانتقادات النادرة التي وج هها مسؤولون سياسيون واقتصاديون التقوا بن سلمان الى بلاده، قال رئيس بلدية لوس انجليس ايريك غارسيتي للصحافيين إنه أبدى للأمير خلال لقائهما، قلقه إزاء «حقوق الإنسان والأزمة الانسانية في اليمن».
لكن تعزيز العلاقات بين واشنطن والرياض في مواجهة ايران، يشكل أولوية بالنسبة الى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي سلط الأضواء على تفاهمه الكبير مع ولي العهد البالغ 32 عاما، عندما استقبله في المكتب البيضوي في العشرين من آذار/مارس.
وعمل بن سلمان على الترويج لبرنامج إصلاحات واسع النطاق في بلاده تحت عنوان «رؤية 2030» لاقتصاد سعودي أقل اعتمادا على النفط، تجسيدا لرغبته في استقطاب استثمارات الشركات الأميركية التي تميل الى التنويع.
وفي القسم الأخير من رحلته، التقى الأمير الشاب قادة غوغل وفيسبوك وبالانتير اضافة الى مسؤولي صناديق استثمارية في سان فرانسيسكو وسيليكون فالي.
وكان ولي العهد السعودي عقد اجتماعات في وقت سابق مع مؤسس مجموعة «مايكروسوفت» بيل غايتس والملياردير البريطاني ريتشارد برانسون لبحث مسألة استكشاف الفضاء.
وفي هوليود، تناول العشاء مع قطب الاعلام الاسترالي روبرت مردوخ وعدد من أصحاب الستوديوهات والممثلين بينهم مورغان فريمان، بحسب مجلة «هوليود ريبورتر».
ويأتي ذلك قبيل افتتاح أول دور للسينما في السعودية يديرها العملاق الأميركي «ايه إم سي انترتاينمنت» في 18 نيسان/أبريل في الرياض.
أما المحطة الأخيرة للأمير في الولايات المتحدة كانت هيوستن في تكساس حيث التقى الرئيسين السابقين بوش. وكان قد عقد اجتماعا مع الرئيس السابق بيل كلينتون في نيويورك.
وحده باراك أوباما بين الرؤساء الأميركيين السابقين الجدد، لم يكن على جدول أعمال الأمير، بسبب تدهور العلاقات بينه وبين السعودية الى أدنى مستوياتها.
ومن المتوقع أن يصل ولي العهد السعودي الأحد إلى باريس، في إطار زيارة رسمية يقوم بها الإثنين والثلاثاء. وسيتناول الأمير العشاء مساء الثلاثاء مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون. وكان بن سلمان قد بدأ حملة دبلوماسية دولية في الرابع من مارس في مصر وبعدها انتقل الى بريطانيا والولايات المتحدة. وستكون اسبانيا وجهته بعد الانتهاء من فرنسا.
وقال الخبير في شؤون السعودية في «واشنطن اسنتيتيوت» سايمن هندرسن لفرانس برس «في ما يخص العلاقات العامة، كان النجاح رائعا»، مؤكدا أن الأمير تمكن من تجن ب الجدل والافخاخ.
ونشر ولي العهد الشاب على حسابه على انستغرام عشرات الصور يظهر فيها مبتسما ، ومرتديا غالبا بزة من دون ربطة عنق، إلى جانب العديد من أصحاب الشركات.
وبحسب هندرسن، تمكن بن سلمان من تجاوز تحد مهم بالنسبة الى أمير سعودي وهو تقديم نفسه كشخص «عادي» نسبيا ، عندما ذهب مع رئيس بلدية نيويورك السابق مايكل بلومبرغ إلى أحد مقاهي «ستارباكس» وطلب قهوة.
وقال هندرسن «السؤال الكبير هو التالي: اذا تمكن (الأمير) من انجاح حملة علاقاته العامة هنا، فهل سيتحقق هذا النجاح في دياره (السعودية)؟».
وفي حين حققت جولة ولي العهد السعودي نتائج ايجابية على الصعيد الدبلوماسي، لكن لا يزال يتعين معرفة ثمارها على الصعيد الاقتصادي.
ومن المحتمل الا يكون أصحاب الشركات اقتنوا بفكرة الاستثمار في المملكة، في وقت طالت حملة مكافحة الفساد التي شن ها بن سلمان مئات الأمراء والوزراء ورجال الأعمال.
ويشير هندرسن إلى أن هذه الاجواء تشكل صعوبة امام الاميركيين لاختيار شركاء دائمين في السعودية.