أكدت حنان رحاب، الكاتبة الوطنية لمنظمة النساء الاتحاديات، على أهمية الدعم الذي وجدته المناضلات والمناضلون من أجل المساواة من طرف أعلى سلطة في البلاد، ممثلة في جلالة الملك، الذي وظف اختصاصاته الدستورية ورمزيته الروحية لدعم الديناميات النسائية الحداثية والديموقراطية، مضيفة أنه يقود ثورة هادئة في محيطنا الإقليمي سواء الشرق أوسطي أو الشمال إفريقي من أجل دفع الديناميات المجتمعية نحو الانعتاق من إرث تاريخي كان ينطلق من تراتبيات تؤبد هيمنة ذكورية على الأنساق المجتمعية.
وسجلت في المداخلة، التي قدمتها يوم الأربعاء 31 ماي، المنصرم في الجلسة المخصصة للمساواة بين الجنسين والتنمية الشاملة، في إطار برنامج اليوم الأخير من المنتدى الدولي الأول للبرلمانيين الشباب الاشتراكيين والاشتراكيين الديمقراطيين، الذي نظمه بمراكش من 29 إلى 31 ماي المنصرم الفريق الاشتراكي ـ المعارضة الاتحادية بشراكة مع الشبيبة الاتحادية وشبكة «مينا لاتينا»، التقدم المطرد على مستوى الحقوق والحريات التي لها علاقة بجدلية المساواة والتنمية.
وأكدت المتحدثة أن المساواة بين الجنسين ليست فقط حقا من حقوق الإنسان، يجب النضال من أجل تحقيقه، بل هي القاعدة الأساس لعالم متقدم يوفر الرفاهية والعيش الكريم لكل مكوناته، إذ لا تقدم بدون مساواة، حتى ولو تحقق ازدهار اقتصادي، فسيكون خادعا، مادام أن جزءا كبيرا من المجتمع ممثلا في النساء سيكون محروما من عائداته.
وأضافت أن تقارير التنمية البشرية الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تثبت أن الدول التي تصنف في أعلى الهرم، هي تلك التي حققت وراكمت حصيلة متقدمة على مستوى المساواة بين الجنسين، وتحديدا الدول الاسكندنافية.
وأوضحت أن المكتسبات المتعلقة بأوضاع النساء تعرف تفاوتات رهيبة بين دول الشمال ودول الجنوب، إذ في الوقت الذي تخوض النساء في أوروبا وأمريكا الشمالية معارك من أجل تحسين تمثيليتهن السياسية، أو من أجل تجويد النصوص المتعلقة بقوانين الشغل، أومناهضة التنميطات المتعلقة بصورة المرأة في وسائل الإعلام والإشهار، فإن نساء عديدات في دول إفريقية وآسيوية مازلن يعشن أوضاعا مأسوية من قبيل الزواج المبكر، وعدم تثمين مجموعة من الأشغال الشاقة من قبيل الاحتطاب والزراعة في ظروف خطيرة، هذا فضلا عن الصراعات المسلحة والحروب الأهلية التي تكون لها انعكاسات سلبية أكبر على النساء والأطفال، وتؤدي حتى إلى تراجع النزر القليل من المكتسبات المرتبطة بالدراسة والصحة.
وقالت رحاب في السياق نفسه «إن الفقر وغياب العدالة الاجتماعية يوفر بيئة خطيرة لإنتاج أوضاع غير مقبولة في القرن الواحد والعشرين، من قبيل الاتجار في البشر، والعمالة الجنسية المنظمة من قبل مافيات الجريمة العابرة للقارات، وأشكال العبودية الجديدة، ولقد أبرزت جائحة كوفيد أن النساء يبقين في مقدمة ضحايا كل أشكال الكوارث، سواء الطبيعية أو الوبائية، أو تلك الناتجة عن النزاعات المسلحة، والتهجير القسري، وحتى تدمير البيئة.»
وشددت في مداخلتها على أن هذه الصورة الكارثية لأوضاع النساء لا يجب أن تكون فرصة لأنواع من التضامن المتجاوز، الذي لا يعدو بيانات الشجب والاستنكار، أو تقديم معونات عابرة، أو التعبير عن الأسف، بل يجب أن يتم تطوير أشكال التضامن الأممي، لتكون أكثر فاعلية، مذكرة في هذا الصدد بأن جدار الفصل العنصري في بريتوريا، ما كان ممكنا سقوطه بغير التضامن الأممي.
وأكدت أن بلدان وحكومات الشمال مسؤولة بشكل أو بآخر عن استدامة الفقر والتسلط والتخلف في دول الجنوب، ليس فقط بسبب إرثها الاستعماري الكولونيالي، بل كذلك لأن العديد منها فضلت دعم حكومات غير ديموقراطية ودموية حفاظا على مصالحها الاقتصادية، بل إن بعضها ساهم في حصار وعرقلة عمل دول تسعى للتحرر من الهيمنة، وبناء نماذجها الخاصة في التنمية، وسعيها إلى عالم متعدد ومتضامن.
وأبرزت أن الاستعمار رغم كل ادعاءاته بأنه كان يحمل رسالة التحديث، فإنه على العكس من ذلك، كان يدعم كل أنساق التقليد والمحافظة لأنها كانت تخدم مصالحه، ويمكن العودة إلى أعداد النساء اللواتي استفدن من تعليم عصري أثناء فترة الاستعمار، وأعدادهن في السنوات الأولى للاستقلال، ليتبين أن بناء مجتمع الحداثة والتقدم لم ينطلق إلا مع انتهاء البنيات الاستعمارية.
ودعت إلى تصحيح بعض التنميطات الاستشراقية التي تتوهم أن هناك مركزية غربية للتقدم والتحديث، موضحة أنه في الوقت الذي كان الاستعمار الفرنسي يتحالف مع بنيات مغرقة في التقليد من قواد وفقهاء متشددين، كان الملك محمد الخامس يتحالف مع الحركة الوطنية ذات الأفق التحديثي ويدعو إلى تدريس النساء ومنحهن حقوقهن المدنية والسياسية والثقافية. وهو ما يدل على أن الملكية المغربية ليست فقط حليفا موضوعيا في معركة إقرار المساواة الشاملة، بل هي قائدة لهذا المشروع.
واعتبرت أنه لا توجد تنمية دون مساواة شاملة، وكل ازدهار اقتصادي دون ذلك، هو شكل من أشكال التنمية المزيفة التي لا تضمن الاستدامة. مضيفة أن أشكال اضطهاد النساء التي تعوق المساواة متعددة، ومنطبعة بخصوصيات محلية، ولذك فإن تضامن نساء العالم وكل الديموقراطيات والديموقراطيين هو ضروري، ولكن دون وصاية أو ارتكان إلى توهم تفوق.
وخلصت في ختام مداخلتها إلى أن الطريق نحو التحرر والمساواة والتنمية المستدامة له مداخل متعددة، حيث إن الخصوصيات المحلية يمكن أن تكون رافدا مهما في مسيرة المساواة إذا تم استثمارها بتأويل حداثي، وكانت وراءها إرادة سياسية داعمة.
وبينت أشغال الجلسة المذكورة التي سيرتها أميمة عاشور الخبيرة في قضايا النساء، أن التهديد المناخي والصراعات والحرب في أوكرانيا، أدت إلى تفاقم عدم المساواة ونقط الضعف في العالم. حيث أبرزت مداخلات المشاركين أنه رغم التقدم الذي تم إحرازه في تحقيق حقوق المرأة على الصعيد العالمي، لا تزال ملايين النساء والفتيات يتعرضن للتمييز والعنف، والحرمان من المساواة والكرامة والاستقلال، ومن الحياة. وفي هذا الصدد أكدت جوانا ليما، وهي نائبة برلمانية من البرتغال، في مداخلتها التي قدمتها عن بعد، أن هناك تحديات كبيرة تواجه النساء على مستوى الحق في التعليم والرعاية الصحية والشغل في ظروف آمنة ولائقة وزواج القاصرات والممارسات العنيفة، ودعت إلى مزيد من الجهد من أجل تمتيع المرأة بحق المشاركة السياسية مبرزة أن 2 بالمائة فقط من برلمانيي العالم هم نساء.
ونبهت إلى كون العديد من المجتمعات مازالت محكومة بمعايير وأعراف لا تعترف بحقوق النساء وبالمساواة الشاملة بين الجنسين.
ومن جهتها ركزت سعيدة ميدشيلوتان، النائبة البرلمانية بدولة النيجر، على الدور الذي يضطلع به شباب العالم في تغيير العقليات والتأثير في السياسات من أجل ترسيخ المساواة الكاملة بين الجنسين، واعتبرت أن الرجال والنساء معا هم ضحايا اللامساواة، لذلك من الضروري العمل على اعتماد سياسات عمومية تركز على الشمولية والإدماج، مع مساعدة المواطنين من الجنسين، دون عرقلة، على المشاركة في الحياة العمومية.
أما نسرين عمرو، المستشارة في الرئاسة الليبية، فأكدت في مداخلتها أن المساواة هي روح الحرية، وأن لا حرية بدون مساواة، واعتبرت في هذا السياق، أن تمكين النساء له تأثير على إنتاجية المجتمعات، ويشكل عاملا أساسيا في انتعاش الرخاء والازدهار، ويسمح بالتقدم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وشددت في مداخلتها على ضرورة سد الفجوة في الأجور بين النساء والرجال، وتعزيز المشاركة السياسية للمرأة، داعية إلى العمل على زيادة الوعي بخصوص المساواة الكاملة بين الجنسين في كل مناحي الحياة.
وكانت آخر جلسة موضوعاتية في المنتدى الأول للبرلمانيين الاشتراكيين والاشتراكيين الديمقراطيين قد خصصت لمناقشة محور التحسيس والتعبئة من أجل سياسات دامجة للشباب، حيث استعرض المشاركون في هذه الندوة التي سيرها النائب البرلماني الحسن لشكر، تجارب بلدانهم في مجال إدماج الشباب وضمان تمثيلية سياسية لهم، والدور الذي اضطلعوا به في تأمين الدينامية الديمقراطية في أوطانهم، والمعارك التي خاضوها من أجل تثبيت الحقوق الأساسية وإشراك المرأة في الحياة السياسية والوصول بها في بعض الحالات إلى سدة الحكم، كما هو الحال في دولة الهوندوراس مثلا.
وتناول المشاركون القضايا المرتبطة بوضعية الشباب في البلدان النامية الذين يتضررون من ضعف مسالك الإدماج في الحياة، بسبب سوء توزيع الثروة الناتج عن السياسات اليمينية، أو ضعف النمو وما ينتج عنهما من فقر يعرض الشباب إلى مواجهة صعوبات في الولوج إلى سوق الشغل، ويؤجج مجموعة من الظواهر كالهجرة الاضطرارية للبحث عن فرص أحسن للحياة.
ودعا المشاركون في هذه الجلسة إلى ضرورة العمل على توفير كل الشروط التي تسمح للشباب بإيصال صوته إلى مواقع القرار، بتعزيز الآليات الكفيلة بضمان تمثيلية معقولة في المؤسسات السياسية، لتمكينه من المشاركة في صنع السياسات العمومية وتسخيرها لفائدة هذه القوة الاجتماعية.