حوارات مع الكاتب الياباني هاروكي موراكامي -9- لست سوى صبي يعرف الكتابة! 3/2

عداء الماراثون الياباني، الذي أخضع نفسه لنظام يشبه قطعة موسيقية، أصدر رواية جديدة، كرسها لشخصية تعاني من تفاهتها المزمنة. في زيارة لهاواي، حيث يستقر الكاتب غالبا: «إننا نضجر كثيرا هنا»المثال الأعلى بالنسبية إليه، كما يقول.
كي تلتقي موراكامي، لا تفكر أبدا في الوجهة نحو طوكيو؟ بل الذهاب إلى «هونولولو». لقد اختار أن يعيش هناك: وسط فضاء غير قابل للتشكل دائما مثل حكاياته أيضا، الضياء الجبال ثم شاطئ وايكيكي الأسطوري: المسافر الذي يصل هناك ينغمس بين طيات حلم مناخ تقارب حرارته ثمان وعشرين درجة يغمره أريج الورورد الاستوائية. هو الفردوس على الأرض.لا يوجد أي شخص على الشاطئ: فمنذ صدور قرار صارم يمنع التدخين هناك واحتساء الخمر أو تناول الطعام، اكتفى السياح بطلب أصناف الشراب داخل حانة الفندق المكيفة.

 

«تم التخلي عن الناس وسط بحيرة من نقط الاستفهام الملغزة. يخاطر القراء بتأويل نقص التفسير هذا لكسل المؤلف»، يقول ناشر، في (1Q84) ، إلى كاتبه النجم. فبماذا أجاب المؤلف موضع التساؤل؟: «إذا توفق مؤلف ما في كتابة محكي ما، «منظم بطريقة مفيدة بامتياز» والتي «تنقل القارئ إلى النهاية القصوى»، التي يكون بإمكانها نعت « مؤلف ما بـ»الكسلان» ؟ «وبعد شهر من صدورها باليابان، بيع من رواية (1Q84) مليون نسخة. بقيت بعض فترات سيرة موراكامي غامضة بالنسبة له هو ذاته. فهو عاجز عن القول لماذا قرر أن يصبح كاتبا. صدم لهذا، وهكذا، ذات يوم، فجأة، وأثناء مباراة بيسبول ودون أن يكون لديه أدنى ميل لذلك إطلاقا. حدث ذلك قبيل بلوغه الثلاثين، كان يدير حانة الجاز التي كان يطلق عليها «القطة بيتر» (وهو الاسم ذاته لقطته). حدث ذلك في سنة 1978. كانت أعوامه المتمردة تتعقبه تقريبا. فقد نشأ في الستينات، وحيدا لأب يشتغل بالتدريس الجامعي وأم ربة لبيت، ومثل كل مجايليه، فقد انحرف عن الطريق التي أريد له أن يسلكها. تزوج على وجه السرعة بعد أن غادر الكلية وبدلا من متابعة الدراسة، لجأ إلى اقتراض المال من أجل فتح علبة الجاز ثم داوم ولعه بالموسيقى. وحوله أيضا، كان أصدقاؤه متمردين. البعض منهم قضوا انتحارا، وهو موضوع غالبا ماعمل موراكامي على مقاربته. «لقد رحلوا، قال. كانت فترة ضاربة في الفوضى، ثم إني أتحسر عليهم مرة أخرى. إن كوني أبلغ من العمر 63 سنة يعطيني انطباعا بأني شخص باق على قيد الحياة. وكلما فكرت فيهم، يكون لدي إحساس بوجوب الحياة، أن أحيا بقوة. لأني لاأرغب في ترك سنوات من حياتي تمر… هذا هو الهدف الذي ينبغي أن يكون حقيقة، أن أحيا. لأني بقيت على الحياة، أنا ملزم بأن أمنح بسخاء. فكلما ذهبت للكتابة، أتذكر بين الفينة والفينة الذين أخذتهم يد المنون. الأصدقاء».
فيما بعد، أدرك إلى أي حد أن وضعه الخاص كان هشا. فقد كانت بذمته ديون ثقيلة، كان يعمل، هو وزوجته لساعات طويلة في الحانة، دون أن يمتلك الثقة بالمستقبل. «في سنة 1968 أو 1969، كل شيء كان ممكن الحدوث. كان ذلك مثيرا إلى حد كبير، لكن، في ذات الوقت، كان محفوفا بالخطر. كان الرهان كبيرا. فإذا ما كسبنا، فإننا نربح مالا وفيرا، لكن إذا ما لو خسرنا، فإننا نضيع». هل جازف بالحانة؟ «أأأأرغه، أجاب موراكامي. فكوني تزوجت كان ذلك أكبر مجازفة»! كنت أبلغ من العمر 20، 21 سنة. ماكنت أعرف شيئا عن العالم. كنت غبيا. ساذجا. إنه نوع من الرهان. [رهان] على حياتي الخاصة. على أنني بقيت على الحياة. أخيرا».
أول من كان يقرأ له، كانت زوجته، يوكو طاكاهاشي، وتعتبر رواية «أنصت إلى صوت الريح» (غير منشورة بالفرنسية) من إلهامها الفجائي أثناء مباراة بيسبول، والتي حصدت في اليابان جائزة أدبية خصصت للكتاب الشباب. استمر في إدارة الحانة في غضون فترة معينة، وبالتزامن مع ذلك كان يكتب، ثم إن ذلك كان ضروريا من أجل تطوره، يقول. «كنت أملك ناد للجاز وفي حوزتي مال وفير. إذن فأنا لست بحاجة إلى الكتابة كي أكسب قوت يومي. إن لذلك أهمية كبرى». لما بيع من روايته أغنية المستحيل في اليابان أكثر من ثلاثة ملايين نسخة، لم يعد موراكامي في حاجة إلى الحانة، ولو أنه كان يمتلك أحيانا رؤية لوجود مواز يواصل ضمنه تلك الحياة. زد على ذلك فهو لم يكن متيقنا أنها [الحياة] ستكون أقل سعادة.
يكتب بتلقائية، بدون تخطيط
«ألدي شعور دائم بحيوات متعاقبة ؟ أومممم ـ أ. نعم. وبالرغم من ذلك فإني أشعر أن ذلك غريب جدا. أحيانا أتساءل لماذا أنا روائي، هنا، والآن. لاتوجد أي خطة عمل جعلت مني روائيا. شيء ما حصل فأصبحت كاتبا. وكاتبا ناجحا منذ الآن فصاعدا. فحينما أحل في الولايات المتحدة أو أوروبا، فالعديد من الناس يعرفون من أكون. إن ذلك يعتبر غاية في الغرابة. منذ سنوات خلت، ذهبت إلى برشلونة وأقمت حفل توقيع؛ ألف شخص قدموا، وكانت الفتيات تقبلنني. فوجئت كثيرا. ما الذي حدث لي ؟» يكتب موراكامي بطريقة تلقائية، بدون تخطيط. فقد أتته فكرة روايته الأخيرة أثناء ازدحام بطوكيو. ماذا سيحصل لو أنه غادر الطريق السيار المزدحم واستعار منفذ إغاثة ؟ هل سيتغير مجرى حياته ؟ «إن ذلك يشكل نقطة الانطلاق. كان لدي حدس بأنه سيكون كتابا كبيرا. طموحا جدا. هذا هو ما كنت أعرف. لقد كتبت رواية كافكا على الشاطئ ما يقرب من خمس أو ست سنوات، ثم إني ترقبت قدوم الرواية المقبلة. فجاءت. فتحقق قدومها. أعرف أنه سيكون مشروعا ضخما. تنبأت به».
بإمكان أي رواية بطول (1Q84) أن تبدو تلميحية وقد يتوقف ذلك على مهارة موراكامي، ولو أن القارئ يحس أحيانا بعدم الرضا. إن ما يبدو متكلفا في الرواية يكون ممنوعا من قبل المؤلف مثل زخرف من الطبيعة ذاتها لما هو متكلف، ثم إن النبرة الهادئة قد تصبح مهيجة أحيانا: «منذ أن رأى هلالين في السماء وخادرة من هواء تجسدت على فراش والده في المصح، لم يعد أي شيء يفاجئ تينغو) حقيقة». وكما هو الحال في رواياته السابقة، توجد بعض المشاهد الأكثر رقة في محيط الحبكة الأساسية. ففي رواية الأغنية المستحيلة، التي كتبها موراكامي بأسلوب اتفاقي قدر المستطاع، بأمل أن تحقق نجاحا اقتصاديا، كان ذلك بين البطل ووالد صديقته الهالك. وفي (1Q84)، كانت مشاهد بين تينغو، موضوع حب أوماما، ووالده الميت، الذي وجد صعوبة في التقرب إليه. مرت الغالبية من شخصيات موراكامي بطفولة صعبة، وليس ذلك من قبيل الصدفة كما قال. لم يحدث ما هو أسوأ لما كنت طفلا صغيرا. ومع ذلك، يقول، «فإن إحساسا ما يراودني بأني عوملت معاملة سيئة. لأن أبوي كانا يتطلعان إلى أن الطفل ينشأ تحديدا مثل أو ذاك؛ ولم أكن بالتحديد مثل هذا أو ذاك». يضحك. «حينئذ كانا يتوقعان أن أحصد نقطا جيدة، لكني لم أحصل على ذلك. لا أتوق إلى الدراسة التي تدوم طويلا. كنت أرغب بكل بساطة في عمل ما كنت أشعر بالرغبة فيه. أنا منضبط جدا. كانا يتوقعان مني الانضمام إلى مدرسة ممتازة والحصول على وظيفة في ميتسوبيشي أو شيئا آخر من هذا القبيل. بيد أني لم أفعل ذلك. كنت أرغب في أن أكون مستقلا. عندئذ فتحت ناديا للجاز وتزوجت وأنا مازلت طالبا في الجامعة. وقد جعل منهما ذلك تعيسين إلى حد ما».


الكاتب : حوار: إيما بروكس ترجمة: الحسن علاج

  

بتاريخ : 15/08/2019