حواريات العشق الستون -2- أبيض كالقمر أسود كالليل

 

قالت له أنت ستكون لي حتى لا أحرم العاشقين من لعنتك الأبدية فأنت اللعنة واللذة معا، ومن كان منهم جميعا بلا خطيئة فليرجمني بحجر .
دعني أخبرك في بداية اللقاء الكاشف كيف تراك هذه العاشقة البائحة الفائحة الفاضحة.. تلك التي خزنتك في ثنايا روحها قبل النشأة والميلاد منتظرة لحظة الانعتاق عند محراب البوح في حضرتك البهية.. إنها كالساعة آتية لا ريب إليك، هي كالقيامة مهما ابتعدت عنك دنت منك وحلت بك.. هي عاشقة حمقاء وليست فقط عابرة حكاية، قلبها الوحيد الضرير المسكين قد انفطر بالآلام قبلك وتعب من الإيلام دونك، كان مجرد قبر منسي طويل بارد مجهول هوية، ليس عليه شاهدة رخامية ولا أية مقولة خالدة ولا حتى آية قرآنية .
أبيض كالقمر أسود كالليل… هكذا أراك أنت في بداية اللقاء السابق المعلوم على ضفاف وادينا المقدس، حيث كان الحب طهارة بدون تفصيل ولا تصنيف بدون أية سلاسل أو قيود، ولا نواقض وضوء.
أيها البعيد كغيمة بيضاء كبيرة والواقف في مكانك الأنيق الطويل كسواد الطريق.. الثابت على العهد صادق الوعد كرجل جامد لا تحركه أنثى ولا جان، وحيد الزمان واقف على عتبات النسيان يرفض رفضا قاطعا أن يقع فريسة العشق المجنون لينتهي ملعونا كل مائة عام..
أنا لا أكتبك بقلمي بل بقلبي الذي خفق لك بعد طول سبات ورحيل وعديد عبرات.. قلبي الذي كان يؤوب إلى مكانه وحيدا عليلا حتى رآك في ذلك اليوم المعلوم، منبهرا بك بتسلل عبر شقوق الضلوع والأحشاء.. أنا المرأة التي احتفظت بأنوثتها كاملة لأجلك. تمنعت عن الهزة والرعشة واللذات كعذراء بتول راهبة متعبدة اكتفت بحب الخالق بدل الخلق، فقد أحبتك وانتهى الأمر والسلام .. كان حبك عند أول صرخة احتجاج قبل أية نظرة غاوية كأتفه البدايات.
عيناك قدري وملجئي وداري وأحضانك كتابي وجريدتي وقراري سأجاريك رغم عجزي أمامك، وسأحتويك حتى تلعن زمنك الذي عشته بدوني يا سيدي ورجلي وعشقي المتوهج ودمعي المتدفق..
هيا بنا، مد يدك لي فأنا ألقيت قلبي في فراشك لأنام، هل تعلم أني مدينة لك بليلتين متتاليتين أعتزل فيهما كل العالمين لا أكلم فيهما أحدًا، بل سأحتفظ بيدك وسادتي ونسكي ومحرابي وترنيمتي الأخيرة حتى أني سأحملك على كتفي كهمومي، كحزبي، قبيلتي، جماعتي ووطني فقد سقطت عند بابك كل الشرائع والإيديولوجيات حتى سقط الكل وحللت ككل..
أسود أنت كقاتل متسلسل كإرهابي لعين قادم من الشرق.. إنني الآن كدمشق يوم كانت تحت النار، فلتقصف ما شئت ولتدمر كما شئت أيها المحتل الناعم والمستلب الغاشم لا تضيع ذخيرتك، فقلبي خيمة مائلة وخراب..
أبيض كالقمر أسود كالليل.. أمامي الآن رجل بقلب واحد وطلقتين.. رجل بلحية كثة مصفوفة كما قيل فيها:
إن القساوس قلّدوا فيها المسيح لحسنها لم يخرجوا مما ادّعوا في دينهم إلا بها قرآن ربك قد أتى في ما احتواه لذكرها.
آه وعينان نائمتان يعلوهما جبين عريض وشعر كثيف وأسفل ذلك كله ثغر ساحر الابتسام.. لن أهيم فيك أكثر حتى لا أسقط صريعة الارتطام.. قلبي بركان حب يغمره ماء.. سأستمع في غيابك لأغنية حزينة وأضع يدي على صدري وأتلوك كأمنية وترنيمة بساقية العشق المجنون يوم اللقاء المعلوم في حديقة الكنيسة الخلفية الواسعة، الفسيحة، المفتوحة، والنقية رغم كل الخطايا وصكوك الغفران.


الكاتب : إيمان الرازي

  

بتاريخ : 08/06/2022