حول دور القضاء في تعزيز حرية التعبير 

 

 عبدالنباوي : نجاح الصحافة يقاس على أساس صحة الأخبار التي تنشرها وتفوق القضاء يقاس بنجاحه في إقامة التوازن بين حقوق الصحافيين وحقوق الأغيار

الداكي: الإدارات العمومية والمنتخبة ملزمة بتقديم المعلومات إلى المواطنين

كشف محمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أن مهنتي القضاء والصحافة متكاملتان في حماية المجتمع والنظام العام، ولا تسمح إحداهما للأخرى بالتجاوز، وكل واحدة ترصد سير الأخرى وتمنعه من الزلل والسقوط، موضحا أن النقاش المجتمعي والقانوني والحقوقي ينصرف إلى تحقيق الملاءمة بين حرية الصحافة والرأي والتعبير من جهة، وبين الحقوق الأساسية المخولة للأفراد وللمجتمع بمقتضى المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والدساتير المتقدمة، ومن بينها دستور المملكة، من جهة أخرى.
وأكد عبد النباوي في الندوة الدولية المنظمة بشراكة مع منظمة اليونسكو في موضوع “دور القضاء في تعزيز حرية التعبير بالمنطقة العربية”، أنه إذا كان من حق الأفراد أن يعبروا عن آرائهم بحرية وبمختلف أشكال التعبير الشفوية أو الكتابية أو غيرها، فإن هذا الحق مقيد بمقتضى المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بواجبات ومسؤوليات خاصة يضعها القانون متى كانت ضرورية لحماية حقوق أو سمعة الأشخاص الآخرين، أو لحماية الأمن الوطني أو النظام العام أو الصحة أو الأخلاق العامين،كما أن حرية الصحافة تعد أهم صور حرية التعبير ومؤشرها الأساسي، ويتم تصنيفها كسلطة رابعة، ناهيك أن الدستور المغربي الذي أقر حرية الرأي والتعبير والصحافة، أوكل للقانون تنظيمها، لأجل حماية حقوق وحريات الأفراد، والنظام العام بتجلياته الثلاثة المتعلقة بالأمن العام والأخلاق العامة والصحة العامة.
وأوضح  محمد عبد النباوي أن مهنة الصحافة هي نشر الأخبار بعد التحري عن صحتها بطريقة مهنية، وزيادة في التأكيد على ذلك، عهد القانون لمدير النشر تحت مسؤوليته الشخصية بالتحقق من صحة الأخبار والتعاليق أو الصور وغيرها قبل نشرها، وبذلك فالصحافة تعتبر مهنة نبيلة، باعتمادها في نقل الأخبار ونشرها على تحريات وصفها القانون بالمهنية، أي بالجدية والاحترافية، التي تتلافى نشر الإشاعات والأخبار غير المحققة، ولذلك يعاقب القانون على القذف والتشهير والسب، مشددا على أنه إذا كانت الصحافة تؤدي دورها داخل المجتمع في نقل الأخبار الصحيحة والكشف عن التصرفات الضارة، والإعلان عن المبادرات الحسنة، كما تشكل سيفاً مسلطاً على المخالفين للقانون بواسطة تحرياتها وتحليلاتها وتعاليقها، فإن القضاء يقوم بدور المحافِظ على التوازن بين الحقوق والواجبات، وهو مدعو لحماية الصحافة والمحافظة على حريتها وعلى حقها في الوصول إلى مصادر الخبر وفي حماية مصادره المشروعة.
ورأى أنه إذا كان نجاح الصحافة في مهامها يقاس على أساس صحة الأخبار التي تنشرها وعلى أساس السبق الصحافي في تناول الخبر، فإن تفوق القضاء في مهامه يقاس على أساس نجاحه في إقامة التوازن بين حقوق الصحافيين وحقوق الأغيار الذين يكونون مادة صحافية، وعلى أساس الفعالية والنجاعة في رد الفعل القضائي، مشيرا إلى أن تعرف القضاة على مهام الصحافيين مفيد لهم في تطبيق المقتضيات القانونية المتعلقة بالصحافة، والعكس صحيح بالنسبة للإعلاميين قصد تحليل الإجراءات القضائية والتعليق على الأحكام.
من جانبه  أعلن رئيس النيابة العامة والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للقضاء، أن الحق في الحصول على المعلومات، فضلا عن كونه حقا أساسا من حقوق الإنسان، فإنه يعتبر إحدى آليات الشفافية وتيسير الرقابة على السياسات العمومية والمشاركة في الحياة العامة، فهو من أهم حقوق الانسان المدنية والسياسية التي نادت بها كل المواثيق الدولية، خاصة المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان والمادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وكذا المادة 10 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.وأضاف مولى الحسن الداكي أنه بالرجوع إلى الوثيقة الدستورية المغربية لفاتح يوليوز 2011، نجدها قد كرست هذا الحق في الباب الثاني المعنون بـ : (الحريات والحقوق الأساسية) في فصله السابع والعشرين، الذي نص على أن  للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات، الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام. لا يمكن تقييد الحق في المعلومة إلا بمقتضى القانون، بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني، وحماية أمن الدولة الداخلي والخارجي، والحياة الخاصة للأفراد، وكذا الوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور، وحماية مصادر المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة.
ورأى رئيس النيابة أن دسترة هذا الحق في الوثيقة الدستورية لفاتح يوليوز 2011، جاء من أجل إعطاء نهضة قوية للمسار الديمقراطي الذي يعرفه المغرب، وذلك من خلال تمكين الرأي العام الوطني من إحدى الآليات المهمة في الممارسة الديمقراطية، ألا وهي الحصول على المعلومات والتي بدونها يبقى المواطن خارجا عن أي مشاركة في الحياة العامة، مشيرا إلى أن دسترة هذا الحق لم يأت من فراغ أو إرادة طوعية للمشرع، وإنما جاء بضغط مجموعة من هيئات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والإعلام وعدد من الناشطين في مجال حقوق الإنسان، فالحق في الحصول على المعلومات كانت في صلب اهتمامات العديد من الجمعيات المغربية التي تشتغل في ميدان الشفافية ومحاربة الفساد والرشوة وتخليق الحياة العامة. معتبرة بأن هذا الحق يشكل أحد الأعمدة الأساسية لأي نظام وطني للنزاهة من جهة، ومن جهة أخرى أن هذا الحق مرتبط بالمجتمع الديمقراطي، الذي يتمتع فيه المواطن بحرية التعبير وبوسائل إعلام قوية وبإلزامية نشر المعلومات الإدارية.
وشدد الداكي على أن سن القانون 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات، أصبحت الإدارات العمومية والمنتخبة ملزمة بتقديم المعلومات إلى المواطنين، وهو يمثل لحظة تاريخية هامةـ في مسار تقوية الصرح القانوني لبلادنا، وفي تعزيز منظومة الحقوق والحريات، وفي تعزيز الثقة في علاقة الإدارة بالمتعاملين معها أو في تنفيذ إلتزام بلادنا بالمواثيق والمعاهدات الدولية، كما أن الحق في الحصول على المعلومات، يندرج ضمن سياق عام مطبوع بالتحول الذي عرفه مفهوم الدولة ودورها، وكذا انتظارات المجتمع المدني، والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والسياسيين، وتطلعاتهم إلى إقرار إطار قانوني متكامل.
وأوضح رئيس النيابة العامة أن القانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات يروم بشكل عام إلى تحقيق ربط شرعية الإدارة بمدى التزامها باحترام القانون والحريات الفردية والجماعية، والمساهمة في دمقرطة المجتمع، وضمان مساواة المواطنين مع القانون، وتعزيز الثقة والشفافية في علاقة الإدارة بالمتعاملين معها، وترسيخ مبادئ المساءلة والمسؤولية في المرفق العام، والتحفيز على المشاركة في مراقبة عمل الإدارة، وتخويل ضمانات قانونية لطالب المعلومة، ترتبط بضرورة تعليل قرار رفض الحصول على المعلومات، وإرساء مقومات حكامة جيدة في تدبير الشأن العام، تقوم على الوضوح والشفافية والمسؤولية.


الكاتب : جلال كندالي 

  

بتاريخ : 09/06/2022