حول ظاهرة الغش في الامتحانات الإشهادية

 

مع اقتراب موعد إجراء الامتحانات المدرسية الجهوية والوطنية، يلجأ عديد من التلاميذ والتلميذات إلى الغش الذي يعتبر نمطا سلوكيا مرفوضا وغير مشروع، ولا يليق بقدسية العملية التعليمية وأهدافها السامية والنبيلة، كما يمثل انتهاكا صارخا لحرمة الامتحانات وإهدارا لجهود التلاميذ وخاصة المتميزين منهم، ويعيق مهمة الأساتذة والمختصين في التقويم عن الوقوف على مواطن القوة والضعف لدى التلاميذ والتلميذات الذين يلجؤون لأساليب متعددة ويتفنون في صورها وأشكالها لينقلوا إجابات أسئلة الامتحان خفية دون أن يراهم الأساتذة المكلفون بالحراسة داخل قاعات الامتحان، همهم الوحيد هو اجتياز الامتحان بتفوق.
إن تعليمنا يواجه الغش في كل موسم دراسي وأصبحت هذه الظاهرة المنتشرة في جميع الأسلاك التعليمية من الابتدائي إلى الجامعي مصدر شكوى الأساتذة وتذمرهم، فالغش رذيلة من أخطر الرذائل في المجتمع وضياع له. كما يمثل الغش سلوكا انحرافيا يخل بالعملية التعليمية ويهدد أحد أركانها وهو ركن التقويم، إذ يعد الغش في الامتحان الجهوي والوطني  بمثابة تزييف لنتائج التقويم مما يضعف من فاعلية النظام التعليمي ككل ويعوقه عن تحقيق أهدافه.
البعض يلقي هذا السلوك على نمط التنشئة الاجتماعية التي تعرض لها الفرد طوال مراحل حياته بينما يلقيها البعض الآخر على النظام التعليمي فضلا عن عناصر العملية التعليمية كالمدرسين وصعوبة المنهج الدراسي وطبيعة الحياة المدرسية، أما البعض الآخر فيرجعه إلى التلاميذ أنفسهم الذين يلجأون إليه بسبب إهمالهم الدراسي، كما أن مدارسنا تعاني، بشكل عام، من سلبية عدد من الآباء في تتبع أبنائهم الذين يلقون مسؤولية تربيتهم وتعليمهم على الإدارة المدرسية.
إن ممارسة التلاميذ لسلوك الغش في الامتحانات المدرسية، يعد إفسادا لعملية التقويم في مجال التحصيل الدراسي، والغش له تأثير سلبي على التلميذ والمجتمع على السواء، بحيث يصبح التلميذ غير منتج وغير واثق بنفسه وغير قادر على تحمل المسؤولية.
إن أسباب الغش في الامتحانات المدرسية متعددة ومتداخلة، منها سوء نظام الامتحانات واعتمادها على الحفظ، وضعف صياغة أسئلة الامتحان من قبل اللجنة المشرفة على إعداد المواضيع إضافة إلى صعوبة المادة الدراسية ورغبة بعض التلاميذ في الحصول على معدلات مرتفعة تمكنهم من ولوج المعاهد العليا والخوف من الآباء ونقص المراجعة والاستعداد لدى البعض وضعف مستواهم  وعدم إحساسهم بالمسؤولية،  وعدم تناسب موضوع الامتحان مع الزمن المخصص للإنجاز، وتهاون بعض المراقبين أثناء الحراسة وغياب إدراك ووعي من بعض التلاميذ لمخاطر وعواقب الغش وافتقارهم المعايير الأخلاقية والقيم الأساسية، وهذا يقع على مسؤولية الأسرة إضافة إلى تدني مستواهم المعرفي نتيجة انخفاض التحصيل الدراسي لديهم بشكل عام. كما أن نظامنا التعليمي لايزال يقوم على الحفظ والامتحانات النمطية التي في غالب الأحيان لا تقيس القدرات إضافة إلى التقدم التكنولوجي الذي غير من وضعية الغش فاتجه التلاميذ والتلميذات إلى استخدام وسائل أسرع وأكثر خفاء مثل الهاتف المحمول والسماعات. وللتذكير، هناك مواقع للتجارة الإلكترونية تعرض رقاقات إلكترونية تستعمل في تلقي الإتصالات الهاتفية موصولة بسماعة دقيقة، والغريب في الأمر أن بعض التلاميذ يتباهون ويشكرون الأساتذة المراقبين على دعمهم ومساهمتهم في الغش ويكرهون أولئك الذين يلتزمون بالصرامة ويؤدون واجبهم، كما أن هناك آباء يوصون المراقبين على التساهل مع أبنائهم لضمان نجاحهم.
إن ٱفة الغش ينبغي مواجهتها بشتى الطرق، وذلك بتشديد الرقابة داخل قاعات الامتحان وعدم التساهل مع مرتكبي هذا الفعل والعمل على تطوير نظام التقويم وإعداد المواضيع بشكل علني يعتمد على التحليل والتركيب والنقد وإبداء الرأي والتقويم عوض طرح مواضيع تركز على الحفظ  الببغائي للدروس، وينبغي كذلك اتخاذ إجراءات بيداغوجية تتمثل في التوعية والتحسيس بخطورة الغش على المستوى العلمي والمهاري وإجراءات تنظيمية تتمثل في تشديد الحراسة وعدم التسامح مع الذين يتواطؤون في عملية الغش، ووضع عناصر الإجابة بدقة من أجل ضمان الموضوعية في التقييم اضافة إلى استعمال ٱلات للتشويش داخل مراكز الامتحان وقطع شبكات الإنترنت خلال فترة الامتحانات المدرسية.
وصفوة القول، إن الغش، بكل تلاوينه، يكسر جسور التواصل والثقة بين التلميذ وزملائه وأساتذته وكذا محيطه التربوي بشكل عام لذا من الواجب العمل على إجهاض كل محاولات الغش بأنواعه كافة بين التلاميذ والمحافظة على سير العملية الامتحانية .

(*) باحث تربوي


الكاتب : خليل البخاري(*)

  

بتاريخ : 02/06/2022