حين يتحول الترميم إلى وسيلة للسطو على الأملاك…أسرة مكناسية تروي تفاصيل محاولة الاستيلاء على محل تجاري ورثته عن والدها ضحية الزيوت المسمومة

في الوقت الذي ترفع فيه الشعارات حول تثمين المدينة العتيقة بمكناس وحماية الذاكرة العمرانية والتجارية للمدينة، تبرز قصص مؤلمة تكشف الوجه الآخر لبعض الممارسات التي تستغل اسم التثمين والترميم لانتزاع حقوق مواطنين بسطاء، أو السطو على أشياء ثمينة ونادرة من المسجد الأعظم الذي أسسه المرابطون في القرن الثاني عشر.
من بين هذه القصص ما تحكيه السيدة زهور حسوني، التي اتصلت بالجريدة لتكشف تفاصيل ما وصفته بـ « محاولة النصب والاحتيال» التي استهدفتها رفقة شقيقاتها في ملف يخص محلاً تجارياً ورثنه عن والدهن الراحل، أحد ضحايا كارثة الزيوت المسمومة التي عرفها المغرب سنة 1959.
تقول السيدة زهور إن والدها، رحمه الله، كان يستغل محلا تجاريا في المدينة القديمة منذ ما يزيد عن 45 سنة، استفاد منه في إطار التعويضات التي وُزعت على ضحايا الزيوت المسمومة.
كان هذا المحل مصدر رزق للأسرة، منه درسنا وكبرنا، تقول بنبرة متأثرة، إلى أن وافته المنية سنة 2019، وبقيت السلع بداخله كما هي.
لكن قبل انطلاق أشغال إعادة تأهيل وتثمين المدينة العتيقة، تلقت الأسرة اتصالا من المصالح المكلفة بتثمين المدينة العتيقة، تطلب منهم إفراغ المحل مؤقتا بدعوى الترميم، وإرجاعه للورثة بعد انتهاء الأشغال.
وذلك ما كان تضيف زهور، لكن ما حدث لاحقا لم يكن يخطر لنا على بال.
إذ بعد مدة قصيرة، ربط بعض الإخوة من الأب الاتصال بالأخوات، طالبا منهن مرافقته إلى مقر جماعة مكناس للقاء الرئيس من أجل تسوية وضعية المحل.
«دخلنا أحد المكاتب بالجماعة، فاستقبلنا موظف وشخص آخر. لم نشك في الأمر، خاصة أنه كان يتحدث بثقة ويملك معلومات دقيقة عن الملف.وخلال اللقاء، تقول المتحدثة، طُرح أمامهم عرض غريب:
«قال لنا بالحرف: أنتم كورثة مدينون للجماعة بـ24 مليون سنتيم، وإذا كنتم لا تستطيعون الأداء، يمكن أن نساعدكم بمليوني سنتيم مقابل التنازل عن المحل.
تصف زهور الصدمة التي أصابتهم:
«لم نفهم كيف أصبحنا مدينين ونحن من دفع الكراء لعقود طويلة. ثم طُلب منا التوقيع على ورقة تنازل… أُعطينا نموذجا منها، وغادر إخوتنا الذكور لتصحيح الإمضاء، بينما رفضنا نحن الأخوات الثلاث التوقيع بسبب عدم توفرنا على بطائقنا الوطنية.
لاحقا، تفاجأت الأخوات بأن إخوتهم من الأب تسلموا مبلغ المليوني سنتيم، وأخبروهن بضرورة التوقيع بدورهن لاستلام حصتهن.
قال لنا أحدهم: الجماعة أصحاب نفوذ، ولن نقدر على مواجهتهم، والأفضل أن نرضى بما عرضوه، تحكي زهور بأسف.
غير أن شكوك الأخوات دفعت بهن إلى البحث والتقصي، فكانت المفاجأة: الجماعة، حسب جوابها الرسمي، لا تتوفر على أي وثيقة تشير إلى أن والدهن كان يستغل ذلك المحل، رغم أنهن يتوفرن على وصولات كراء تعود لعقود طويلة.
كيف يعقل أن تضيع وثائق رسمية؟ وكيف يستغل اليوم شخص آخر المحل نفسه دون أي سند قانوني؟ تتساءل زهور.
الأخطر، كما تروي السيدة حسوني، أن أحد الموظفين الذين حضروا اللقاء وجه إليهن كلاماً صادماً:
« قال لنا بالحرف: إيلا ما وقعتوش جريو طوالكم، راه ما عندكم ما تصوروا من الجماعة».
تقول المتحدثة إن هذه العبارة كانت كافية لتكشف طبيعة ما يجري خلف الكواليس، مشيرة إلى أنهن يتوفرن على أدلة ووثائق تثبت أقوالهن، وأنهم لجأوا إلى القضاء لإنصافهم.
تطالب الأسرة، عبر منبر الجريدة، بفتح تحقيق إداري عاجل من طرف مجلس جماعة مكناس لتحديد الجهة أو الأشخاص الذين استغلوا اسم الرئيس لإبرام اتفاق مشبوه داخل مقر الجماعة، ومعرفة من يقف وراء الاستيلاء على المحل التجاري الذي ورثته الأسرة عن والدها.
كما تناشد السلطات المحلية والقضائية التدخل من أجل كشف كل الملابسات وضمان حقوق المتضررين، معتبرة أن «ما وقع وصمة عار تضرب في مصداقية المؤسسات وتسيء لصورة الإدارة الترابية» وتسهم في مأسسة الفساد في الوقت الذي يخرج فيه الشباب المغربي يندد به.
ملف عائلة حسوني ليس سوى نموذج من حالات مشابهة تتردد في أروقة الجماعات الحضرية كلما تعلق الأمر بعقارات في مواقع حساسة داخل المدن العتيقة، كما هو الشأن بالنسبة للمحلات التجارية ب»الروامزين» التي أسالت مدادا كثيرا قبل أن تضطر السلطات المحلية وتحت الضغط أن تعيد الأمور إلى أصلها.
بين «الترميم» و»الاستحواذ» خيط رفيع، لا يراه إلا من يعيش تفاصيله.وما لم تُفتح تحقيقات جدية وتُربط المسؤولية بالمحاسبة، سيستغل»تثمين التراث» في نظر بعض الأسر لشرعنة التجاوزات.


الكاتب : مكتب مكناس

  

بتاريخ : 15/10/2025