خصص مشروعه الفكري لتجديد الخطاب الديني … رحيل المفكر سيد القمني بعد معارك فكرية مع دعاة التقديس

غادر إلى دار البقاء أول أمس الأحد، المفكر والكاتب المصري سيد القمني.
سبق للمفكر الراحل أن زار المغرب في 2015 من أجل إلقاء محاضرتين: الأولى بالمكتبة الوطنية للمملكة والثانية بالدار البيضاء حول «العلاقة الملتبسة بين التدين والسياسة»، «قراءة عقلانية لتراثنا الديني”.
أسس الراحل لرؤية جديدة لتاريخ هذه الأديان، وهو ما جر عليه العديد من المعارك مع تيارات الإسلام السياسي، خاصة مع النخب الرمزية لهذه التيارات من قبيل يوسف القرضاوي، حسن البنا، يوسف البدري، مؤسسة الأزهر…
تناولت معظم أعمال القمني الأكاديمية، منطقة شائكة في التاريخ الإسلامي، حيث اشتغل في مشروعه الفكري على تقويض النسق المفهومي الإسلامي المشوه والمغلوط، محاولا تفكيكه وتصحيحه ومن ثم تجاوزه من أجل بناء راهن متوازن وعقلاني.
تميزت فلسفته الفكرية ونهجه البحثي بإعمال الحفر والتشريح في الراهن المعيش ووصله بالتراث الثقافي والديني، حيث تعاطى سيد القمني مع الظاهرة الدينية بمنظورات وأدوات تختلف عن ثقافة الإيمان القدري والتسليمي، وسعى الى وضع المؤسسات الدينية بتاريخها وخطاباتها وطقوسها موضع المساءلة لتنقلب موضوعا بحثيا يزيح عنها وجوه القداسة، ويخرجها من التعالي والأسطرة إلى الاندراج في صميم النشاط الإنساني، ممارسة وظاهرة بحثية، مستفيدا مما قدمته المناهج الحديثة في علوم المجتمع، والإناسة، والتاريخ، والدراسات المقارنة في الأديان، والأساطير لأن وعى مبكرا أن تجديد الخطاب الديني لا يمكن أن يتحقق بدون تفكيك البطريركية العامة التي نتتجه وتحميه، والمتمثلة في نظام مؤسسي تقوده نخب رمزية فاعلة تتحكم في السلطة في المجتمع الاسلامي اليوم، وهي النخب التي تتعدد ما بين: سياسية ودينية وفكرية وإعلامية، جميعها تتحد لإنتاج واقع محنط مربوط بسلاسل الماضي المقدس.
وتكمن مواطن الجدة المعرفية في مشروع الراحل في أربع لحظات:
الأولى: تفكيك تاريخ الأديان التوحيدية الكبرى، وإعادة إنتاجه وفق مقاربة موضوعية علمية؛
الثانية: تنزيل التجارب النبوية في سياقاتها التاريخية والثقافية؛
الثالثة: كشف تناقضات الخطاب الديني والايديولوجيات التي ترفده؛
الرابعة: تشريح الواقع الراهن بإشكالاته السياسية والفكرية.
وبهذه الأدوات استطاع القمني التحرر من أغلال النسق الديني السائد ليندرج في تيار إسلام المجددين الذين استأنسوا بروح التحديث، وتبنوا مقاربات علمية في تأويل الظاهرة الدينية، اعتقادا وممارسة، تاريختا وراهنا الى جانب كل من : عبد المجيد الشرفي، جورج طرابيشي، صادق جلال العظم، حسن حنفي، نصر حامد أبو زيد…
تناولت معظم أعماله الأكاديمية التاريخ الإسلامي، حيث يعتبره الكثيرون صاحب أفكار اتسمت بالجرأة في تصديه للفكر، الذي تؤمن به جماعات الإسلام السياسي، والدفاع عن فكر تنويري، حتى وُصف بكون سيد القمني هو الأب الروحي للتنويريين العرب والمغاربة…
وقد صدرت الكثير من فتاوى التكفير ضد سيد القمني، خصوصا عند دعوته إلى تجديد الخطاب الديني…، إلى الحد الذي تعرض فيه إلى تهديدات بالقتل، غير أنه لم يجبن يوما أو ترعبه الجماعات والتهديدات، إذ واصل الكتابة وفضح هذه التيارات.
وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى الصراع، الذي اندلع، سنة 2009، بين الداعية الإسلاموي يوسف البدري، والمفكر التنويري سيد القمني، على خلفية فوز الأخير بجائزة الدولة المصرية التقديرية للعلوم الجتماعية، وكانت قمية الجائزة 200 ألف جنيه مصري، ورفع البدري دعوى قضائية ضد وزير الثقافة المصرية آنذاك، الدكتور فاروق حسني، وأمين المجلس الأعلى للثقافة، علي أبو شادي، باعتبار الجائزة مهداة لشخصية تسيء كتاباته للذات الإلهية والدين الإسلامي.
من مؤلفات الراحل نذكر:
«أهل الدين والديمقراطية»، «الجماعات الإسلامية رؤية من الداخل»،
«الإسلاميات»، «الإسرائيليات»، «إسرائيل، الثورة التاريخ التضليل»،
«قصة الخلق»، «النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة»، «حروب دولة الرسول»، «النبي إبراهيم والتاريخ المجهول»، «السؤال الآخر»، «صحوتنا لا بارك الله فيها «، «الحزب الهاشمي و»تأسيس الدولة الإسلامية»،»رب الزمان: كتاب وملف القضية» ، «النسخ في الوحي «، «انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح»،»الفاشيون والوطن» .


الكاتب : إعداد: حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 08/02/2022