استراتيجية جديدة للعمل الميداني وتعزيز حقوق الإنسان
تم أمس الأحدانتخاب نوفل البعمري رئيسا للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، وذلك بإجماع المؤتمرين خلال أشغال المؤتمر الوطني الذي عرف مشاركة واسعة من مختلف الجهات.
وجاء انتخاب البعمري بعد مناقشات موسعة حول التحديات التي تواجه منظومة حقوق الإنسان في المغرب، حيث عبر المؤتمِرون عن ثقتهم الكاملة في قدرة الرئيس الجديد على قيادة المنظمة خلال المرحلة المقبلة، وتعزيز حضورها الوطني والدولي.
وبعد انتخابه، قدم نوفل البعمري لائحة أعضاء المجلس الوطني الجديد، والتي ضمت 61 عضوا من الشباب والشابات، في خطوة اعتبرها المتتبعون تأكيدا على توجه المنظمة نحو تجديد هياكلها وضخ دماء جديدة في صفوفها، بما يعزز ديناميتها المستقبلية.
وأكد البعمري في كلمة بالمناسبة، أن المرحلة المقبلة ستشهد تعزيز عمل المنظمة ميدانيا، والانفتاح أكثر على قضايا الشباب والعدالة الاجتماعية، مع الدفاع المستمر عن القيم الكونية لحقوق الإنسان.
ويعكس التشكيل الجديد للمجلس الوطني حرص المنظمة على التمكين الشبابي، وعلى إشراك أوسع لفئات المجتمع في الدفاع عن قضايا حقوق الإنسان، في ظل المتغيرات الوطنية والدولية الراهنة.
كما تميزت أشغال مؤتمر المنظمة المغربية لحقوق الإنسان بمشاركة سفير دولة فلسطين بالمغرب جمال الشوبكي في جلسته الافتتاحية، الذي انعقد بمشاركة واسعة من سفراء أجانب، وعدد من الجمعيات والمنظمات الحقوقية والمدنية، إضافة إلى قيادات سياسية ونقابية بارزة.
وتأتي مشاركة جمال الشوبكي تأكيدا على دعم دولة فلسطين لقيم حقوق الإنسان والديمقراطية، وتجسيدا للعلاقات الأخوية المتينة التي تجمع الشعبين الفلسطيني والمغربي.
وخلال افتتاح المؤتمر الثاني عشر للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، دعا الحسن الإدريسي، الرئيس السابق للمنظمة، إلى وقفة تأمل وممارسة نقدية بناءة تجاه مسار حقوق الإنسان بالمغرب، مؤكدا على أهمية تعزيز المكتسبات ومواجهة التحديات القائمة.
وفي كلمته خلال الجلسة الافتتاحية، عبر الإدريسي عن شكره وامتنانه لكل من ساهم في تنظيم المؤتمر، موجها تحية خاصة لوزير العدل عبد اللطيف وهبي، ورئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان أمينة بوعياش، ووزير الشباب والثقافة والتواصل محمد المهدي بنسعيد، إلى جانب مسؤولي التواصل والتكوين بوزارة العدل. كما تميز المؤتمر بحضور فعاليات وطنية وحزبية ومؤسسات حقوقية، حيث تم أيضا إلقاء كلمة من طرف سفير فلسطين بالرباط، الذي عبر عن دعم فلسطين لقضية حقوق الإنسان في العالم العربي.
وأكد الإدريسي أن واقع حرية التعبير بالمغرب لا يزال يعرف بعض القيود، مشيرا إلى استمرار المتابعات القضائية التي تطال الصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، رغم الإقرار بأن بعض الممارسات الإعلامية لا تحترم دائما أخلاقيات المهنة. كما أشار إلى أن استقلالية القضاء وشروط المحاكمة العادلة تظل محور تساؤلات ملحة، داعيا إلى مراجعة شاملة تضمن تعزيز الثقة في الجهاز القضائي.
ولفت إلى تحديات تتعلق بحقوق المهاجرين، مشيرا إلى ظاهرة الهجرة غير النظامية في صفوف الشباب، والحاجة إلى حماية فعلية للمهاجرين المقيمين بالمغرب، بما يتماشى مع الاتفاقيات الدولية. كما تطرق إلى العراقيل التي تواجه الحق في التنظيم، مطالبا بمراجعة طريقة تعامل السلطات مع الجمعيات والمجتمع المدني من أجل تمكينه من أداء أدواره كاملة.
وشدد الإدريسي على ضرورة تفعيل الشراكة التي منحها الدستور للمجتمع المدني، منتقدا غياب استراتيجية وطنية واضحة ومندمجة لدعمه، داعيا إلى وضع معايير شفافة للاستفادة من التمويل العمومي. كما دعا إلى تطوير آليات لقياس أثر السياسات والبرامج المرتبطة بحقوق الإنسان على حياة المواطنين والمواطنات.
واستعرض الإدريسي المسار الحقوقي الذي قطعه المغرب منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، مستحضرا أبرز المحطات مثل تأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وهيئة الإنصاف والمصالحة، ودستور 2011 الذي عزز منظومة الحقوق والحريات. وأكد أن نجاح المغرب في تحقيق مصالحة وطنية عبر العدالة الانتقالية جعله يحظى بثقة المنتظم الدولي، غير أنه شدد على أن التحدي الحقيقي يكمن في انعكاس هذه الإنجازات على الحياة اليومية للمواطنين.
وفي هذا السياق، دعا الإدريسي إلى الإسراع بمراجعة مجموعة من النصوص القانونية، مثل مدونة الأسرة، القانون الجنائي، وقانون المسطرة الجنائية، إلى جانب تحيين ظهير الحريات العامة، وإخراج قانوني الهجرة واللجوء إلى حيز التنفيذ. كما حث على المصادقة على البروتوكولات الاختيارية المرتبطة بإلغاء عقوبة الإعدام والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مؤكدا أهمية استكمال برامج جبر الضرر الجماعي بالمناطق المتضررة.
وختم الإدريسي كلمته بالدعوة إلى ترسيخ ثقافة التعاون والاختلاف البناء داخل الحركة الحقوقية، محذرا من أن الخلافات تنشأ أحيانا بسبب الأنانية والمصالح الضيقة. وأكد أن الدفاع عن حقوق الإنسان يجب أن يقوم على الاستقلالية، الحياد، واحترام الرأي الآخر، بعيدًا عن سلوكيات الإقصاء.
وخاطب الحضور قائلا»:حقوق الإنسان تتحقق بإرادة سياسية حقيقية، ومجتمع مدني يقظ، ومواطنين ملتزمين. فلنعمل جميعا من أجل أن يكون الإنسان في صلب السياسات العمومية.»
وسيصدر عن المؤتمر بيان رسمي يكثف ويعبر عن التوجهات الجديدة للمنظمة ومواقفها الراسخة من مختلف القضايا المطروحة.